اخر الاخبار

يشهد قطاع الصيد وتربية الأسماك في العراق، ولا سيما في محافظة الناصرية ومناطق الأهوار، أزمة غير مسبوقة تهدد مصدر رزق عشرات الآلاف من العائلات، فقد وضع شح المياه وجفاف الأنهار، إلى جانب القرارات الحكومية المتعلقة بإيقاف تجديد إجازات الأحواض الطينية، الصيادين ومربي الأسماك أمام واقع صعب أجبر الكثير منهم على هجر مهنتهم واللجوء إلى أعمال بديلة.

وفيما يحذر ممثلو الجمعيات المختصة من انهيار هذا القطاع الحيوي، يطالب صيادون ومربون الحكومة بالتحرك العاجل لإنقاذ ما تبقى من ثروة مائية وسمكية تشكل جزءاً أصيلاً من تاريخ وثقافة الأهوار العراقية.

 

مهنة تتلاشى

الحاج سالم حسين، أحد مربي الأسماك في المحافظة، قال لـ "طريق الشعب"، إنّ الأهالي باتوا يخرجون بالحفارات في محاولة لإيصال كميات ضئيلة من المياه إلى أراضيهم الزراعية، إلا أن جهودهم تذهب سدى.

وأضاف: "أقسم المياه لا تصل إلى الأراضي الزراعية، وأنا أشاهد ذلك يومياً. الصيادون لم يعودوا يجدون ما يفعلونه بعد جفاف الأهوار والأنهار."

وأوضح حسين أن عشرات الصيادين كانوا يمتلكون إجازات صيد رسمية صادرة عن وزارة الزراعة/ قسم الثروة السمكية في الناصرية، يجددونها بشكل سنوي، إلا أنهم اليوم بلا مصلحة ولا مصدر رزق، ما دفعهم إلى الاتجاه نحو القطاع الخاص أو الهجرة إلى بغداد للعمل في الفنادق والمطاعم أو الانخراط في أعمال يومية بسيطة.

وتابع "هذه المهنة التي عشنا عليها لعقود انتهت، وكل واحد صار يبحث عن رزقه بما تيسر. البعض صار عاملاً بأجر يومي، وآخرون تركوا مدينتهم والتحقوا بأعمال شاقة بعيداً عن مهنتهم الأصلية".

ويحذر من أن استمرار الأزمة يهدد استقرار آلاف العائلات التي تعتمد على هذا القطاع، داعين الجهات الحكومية إلى التدخل العاجل لمعالجة أزمة المياه، وتأهيل الجداول والأنهار الفرعية، وتأمين الحصص المائية الكافية لإنقاذ الأهوار والأنشطة المرتبطة بها.

في ظل هذا الواقع، يؤكد ان هذه المهنة التي ارتبطت بتاريخ وثقافة الأهوار في جنوب العراق أخذت تتلاشى، فيما يبقى الصيادون بين انتظار حلول حكومية قد تعيد الحياة إلى أنهارهم، أو البحث عن أعمال أخرى تجنبهم العوز، وتضمن قوت يومهم.

أزمات متراكمة

إياد الطالبي، رئيس الجمعية العراقية للأسماك، تحدث عن واقع قطاع الصيد وتربية الأسماك في العراق، كاشفًا عن أزمات متراكمة تهدد هذا القطاع الحيوي.

وقال الطالبي لـ "طريق الشعب"، إن "الصيادين في العراق ينقسمون إلى مجموعتين: الأولى تضم العاملين في مياه الخليج العربي باستخدام اللنجات المرخصة، والذين يواجهون باستمرار إشكالات مع خفر السواحل الكويتية والإيرانية. أما المجموعة الثانية فتضم عمال الصيد داخل الأهوار والأحواض المرخصة، وهؤلاء يختلف وضعهم كليًا عن الصيادين البحريين".

وأضاف أن "ما يشاع حول وجود 35 ألف صياد في الناصرية غير دقيق"، مبينًا أن النشاط الأكبر في تربية الأسماك قائم في محافظات بابل، الأنبار، والكوت، عبر مشاريع الأحواض الطينية والأقفاص العائمة. بينما الناصرية لا تضم سوى مشاريع محدودة جداً.

وبين الطالبي أن "القطاع لا يقتصر على الصيادين فحسب، بل يشمل شبكة واسعة تضم مربّي الأسماك، أصحاب معامل الأعلاف، ناقلي الأسماك، العاملين في التسويق والمطاعم، وهو ما يرفع أعداد العاملين في القطاع إلى ما يقارب المليون ونصف أو أكثر، بحسب المواسم وظروف السوق".

وحذر الطالبي من "انهيار كبير جداً" يهدد القطاع بعد قرارات حكومية أوقفت تجديد إجازات الأحواض الطينية منذ عام 2016، وأغلقت منافذ الري بحجة تأمين مياه الشرب. وأشار إلى أن الحل البديل يكمن في "النظام المغلق لتربية الأسماك"، الذي لا يعتمد على المجاري المائية، موضحًا أن لجنة مختصة برئاسة الدكتور إبراهيم الساعدي وبتوجيه مباشر من رئاسة الوزراء، تعمل حاليًا على وضع القوانين والتعليمات الخاصة بهذا النظام الجديد.

وأكد أن وزارة الزراعة بدأت بالفعل بإصدار تراخيص لمشاريع النظام المغلق، على أن يصبح البديل الرئيسي للأحواض التقليدية. ورغم ذلك، ما تزال هناك تحديات كبيرة، أبرزها القيود على إدخال الأعلاف والإصبعيات إلى المزارع المرخصة، وهو ما تسبب في مشكلات عدة للمنتجين.

وتابع الطالبي بالقول إن الجهود الحكومية واللجان المختصة بدأت تحل تدريجياً أزمة الأعلاف وتسهيل عمل المزارع، مشدداً على أن التحول إلى النظام المغلق يمثل "الخيار الاستراتيجي لإنقاذ قطاع الثروة السمكية في العراق" وضمان استمراره. 

حرمان الصيادين من مصدر رزقهم

ناجي ارحيم السعيدي، رئيس جمعية الصيادين في هور الحمار، كشف في حديث صحفي عن الأوضاع المعيشية الصعبة التي يواجهها الصيادون في مناطق الأهوار جنوب الناصرية، مؤكداً أن نحو 35 ألف نسمة كانوا يعتمدون على صيد الأسماك كمصدر رزق رئيسي، إلا أن هذا المصدر توقف تماماً خلال الأيام الأخيرة.

وأوضح السعيدي أن الجمعية عقدت لقاءً مع وزير الموارد المائية عون ذياب، لبحث ضرورة تنظيف وإكراء الجداول المائية الفرعية المتصلة بنهر الفرات، بهدف تمكين أصحاب الزوارق من استخدامها كمسالك مائية تربطهم بالأنهار، إلا أن الاستجابة الحكومية ما تزال محدودة، فيما تتفاقم معاناة الصيادين يوماً بعد آخر.

وحذر السعيدي من أن استمرار حرمان الصيادين من مصدر رزقهم الأساسي يهدد استقرار آلاف العائلات في المنطقة، داعياً الجهات الحكومية المعنية إلى تحرك عاجل لإنقاذ هذه الشريحة الضعيفة، عبر تأهيل المجاري المائية وتسهيل حركة الزوارق، بما يضمن استعادة حياتهم الطبيعية.

قضية إنسانية واقتصادية كبرى

من جانبه، قال سجاد علي، ناشط بيئي، في حديث لـ "طريق الشعب"، إن أزمة الصيادين ومربي الأسماك في الناصرية والأهوار "لم تعد مجرد مشكلة قطاعية، بل تحولت إلى قضية إنسانية واقتصادية كبرى تهدد استقرار آلاف العائلات".

وأضاف علي، أن جفاف الأنهار وتراجع منسوب المياه ليس سببه العوامل الطبيعية فقط، بل يتصل أيضاً بـ"غياب السياسات الحكومية الفاعلة لإدارة الموارد المائية بشكل عادل ومنصف". وأضاف ان "ما يجري اليوم من إغلاق منافذ الري وإهمال الجداول المائية يضاعف معاناة السكان، ويدفع شرائح واسعة نحو البطالة والهجرة القسري".

وأكد أن استمرار الأزمة دون حلول عملية “ينذر بتفكك مجتمعي في مناطق الأهوار"، داعياً إلى "إستراتيجية حكومية عاجلة لإنعاش الثروة السمكية، تبدأ من إصلاح البنى التحتية المائية، وتنظيم استيراد الأعلاف، وصولاً إلى تفعيل النظام المغلق كخيار استراتيجي".

وختم علي بالقول ان "المسألة لم تعد تتعلق فقط بسمك أو صيادين، بل بمصير ثقافة الأهوار التي تشكل جزءاً من هوية العراق وتراثه الإنساني".