تفيد تقارير بيئية بأن العراق يحتاج إلى حملات تشجير مليونية وإلى إحاطة مدنه بأحزمة خضراء، لتفادي الآثار الكارثية الناتجة عن اتساع رقعة التصحر وتراجع المساحات الخضراء.
وفي الوقت الذي يؤكد فيه اختصاصيون في المناخ وناشطون بيئيون حاجة البلاد إلى أكثر من 30 مليون شجرة لإعادة التوازن البيئي، تستمر عمليات قلع الأشجار وتجريف المساحات الخضراء سواء من قبل المجتمع أم الدولة.
وكثيرا ما نقلت وكالات أنباء وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، مشاهد لعمليات قلع أشجار معمّرة على يد الجهد الخدمي الحكومي أو شركات المقاولات، خلال تنفيذ مشاريع بنى تحتية أو مشاريع استثمارية.
وخلال العقدين الماضيين تراجعت المساحات الخضراء في البلد بشكل غير مسبوق، بعد فقدان ملايين الأشجار التي كانت تشكّل حاجزاً طبيعياً أمام تمدد التصحّر، ما دفع ناشطين وخبراء في مجال البيئة إلى مطالبة الحكومة بتنفيذ حملات تشجير واسعة للحدّ من الأزمة.
والعام الماضي، أطلقت الحكومة حملات تشجير واسعة. كما كثفت منظمات محلية هذه الحملات بشكل ملحوظ في عموم المحافظات لزيادة المساحات الخضراء التي تقلصت نتيجة التغيّرات المناخية والتجريف، لكن مراقبين يرون أن تلك الحملات قد تفشل بسبب شح المياه والفساد وسوء الإدارة.
ويواجه العراق اليوم مخاطر التصحّر الناتج عن عمليات تجريف الغطاء الأخضر، وسوء إدارة أزمة المياه التي سبّبت موجة جفاف حادّة، فضلا عن التدمير البيئي الذي أحدثته الحملات العسكرية ضد الإرهاب عندما استدعى الأمر تجريف آلاف الدونمات من البساتين والأراضي الزراعية في مناطق عدة.
وفرضت الأزمة المناخية نفسها على العراق، بصفتها أكبر تهديد استراتيجي خلال العقد الحالي. إذ تهدّد الأمن الغذائي، وتنعكس سلباً على الزراعة والبيئة، وتزيد معاناة السكان في المدن والريف معاً. ومع تمدّد الجفاف، يواصل المزارعون فقدان أراضيهم، ما يضع الحكومة أمام اختبار حاسم يتطلب تحركاً عاجلاً، وتخطيطاً طويل الأمد لتفادي الأسوأ.
وسبق أن حذّر البنك الدولي من احتمال انخفاض موارد المياه في العراق بنسبة 20 في المائة بحلول عام 2050، بسبب التغيّر المناخي. بينما يشهد نهرا دجلة والفرات شحّاً مائيا يتزامن مع ارتفاع نسبة جفاف أنهار أخرى.
وأدّت الأزمات البيئية خلال الأعوام الخمسة الماضية إلى تغيّرات اجتماعية، من بينها الهجرة الكبيرة لسكان مناطق الأهوار وتراجع منسوب المياه إلى حدّ جفاف بعض الأنهار، وأبرزها نهر ديالى، فضلا عن زيادة هبوب العواصف الترابية.
وتصنّف منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) وبرنامج الأغذية العالمي، العراق من بين أكثر دول العالم تأثّراً بالتغيّر المناخي، ما يعني أنّ الزراعة في البلاد قد تكون عرضة لأجواء متطرفة صيفاً وشتاءً، الأمر الذي يستدعي العمل لمواجهة تبعات الأزمة المناخية.
ناشط: فساد مالي يشوب ملف التشجير!
في حديث لوكالة أنباء "العربي الجديد"، يقول الناشط البيئي حميد العراقي أن "الحكومة كانت أطلقت حملات تشجير واسعة، لكن ما نُفِّذ كان دون الطموح بسبب الفساد المالي والإداري في هذا الملف، وعدم وجود إرادة لتحقيق تنمية استراتيجية"، مستدركا "لكن تبقى الدعوة إلى زراعة عشرات ملايين الأشجار مشروعا استراتيجيا لإعادة التوازن بين الإنسان والأرض، وليست مجرد مطلب بيئي".
فيما يستبعد عضو "مرصد العراق الأخضر" المعني بالبيئة، عمر عبد اللطيف، أن تنجح حملات التشجير الجارية، بسبب مشكلات تواجهها، من بينها قلّة المياه وضعف الاهتمام بالمزروعات.
ويلفت في حديث صحفي إلى أن "تلك الحملات ستفشل رغم أنها ممولة ومدعومة من الحكومة والمنظمات المحلية"، مستدركا "لكن إذا استخدمت أساليب ري حديثة مثل التنقيط، فقد تنجح الحملات. أما إذا استمر استخدام أساليب ري قديمة فستكون هذه الحملات عبئاً على الحكومة في المستقبل".
ويرى مراقبون أن حملات التشجير الحكومية غير فعالة وانها تُنفذ بشكل سطحي دون تخطيط ومتابعة، مشيرين إلى ان بعض تلك الحملات يجري تنفيذه لدواع إعلامية، وليس توجها جادا لإحياء البيئة والحد من مخاطر التغير المناخي.
وينوّهون إلى ان الأشجار التي يجري غرسها غالبا ما تفتقر للرعاية الكافية والمياه اللازمة لإدامتها، ما يجعلها عرضة للهلاك، وبالتالي تُصبح تلك الجهود غير فعالة.
البيئة: الحكومة تُدرك المخاطر
في السياق، يقول الوكيل الفني لوزارة البيئة جاسم الفلاحي: "يُصنّف العراق من بين الدول الخمس الأكثر تضرراً من التغيّر المناخي في العالم"، مبينا في حديث صحفي أن "الحكومة الحالية تنظر باهتمام بالغ إلى خطورة هذا الأمر، خصوصاً أن معظم محافظات البلاد عرضة للجفاف والتصحر وزيادة معدلات التلوث".
ويتابع قوله: "تستمر مبادرات التشجير التي تنفذها وزارة البيئة لمضاعفة عدد الأشجار، وتعمل الوزارة على زراعة 5 ملايين شجرة ونخلة في البصرة، ومضاعفة عدد الأشجار في محافظات أخرى".
إلى ذلك، تتحدث عضو لجنة الزراعة والمياه في البرلمان سوزان علي، عن أن "العراق يحتاج إلى حملات متجددة وكثيرة لزراعة أشجار تتكيّف مع الأزمة المناخية، مع محاولة معالجة بعض آثار تغيّر المناخ مثل الجفاف والتصحر".
وتؤكد في حديث صحفي أن "اتساع رقعة التصحر في البلاد وتراجع المساحات الخضراء سيؤديان إلى آثار كارثية. لذا يدعم البرلمان حملات التشجير، خصوصاً أن العراق يحتاج إلى حملات مليونية تشمل كل المحافظات باعتبار أنها كلها متأثرة بالأزمة".
وكان المتحدث باسم وزارة الموارد المائية خالد شمال، قد أكد أن "الوضع المائي هذا العام أسوأ مقارنة بالعام الماضي، لأن العراق حصل على أقل من 40 في المائة من استحقاقه المائي. وقد تراجع الخزين الاستراتيجي للمياه إلى نحو 10 مليارات متر مكعب، في حين أنّ الحاجة الفعلية هي 18 ملياراً في بداية الصيف. هذا الانخفاض لم يُسجل منذ 80 عاماً.
لذا قررت السلطات تقليص الخطة الزراعية الصيفية لتوفير مياه الشرب لنحو 46 مليون نسمة، لكن مع الحفاظ على المساحات المثمرة التي تعادل نحو مليون ونصف المليون دونم لضمان الحدّ الأدنى من الإنتاج الغذائي".
وتفيد تقارير رسمية بأن المساحات الخضراء تقلصت من نحو 50 إلى 17 في المائة من مساحة العراق، نتيجة تداعيات التغيّر المناخي وضعف الوعي المجتمعي، فضلاً عن التقصير المؤسّساتي في حماية البيئة الزراعية.
وتفقد البلاد سنوياً نحو مائة ألف دونم من أراضيها الصالحة للزراعة بسبب التصحر، في حين ساهمت أزمة المياه في تقليص الرقعة الزراعية بنسبة تصل إلى 50 في المائة.