اخر الاخبار

سلطت حادثة وفاة طفلة تبلغ من العمر أربع سنوات في محافظة البصرة، إثر إصابتها بفيروس الإيدز نتيجة تلقي دم ملوث، تساؤلات جدية حول فعالية النظام الصحي المحلي وقدرته على حماية المواطنين من المخاطر البيولوجية الناجمة عن الممارسات الطبية غير المنضبطة.

مختصون أكدوا أن هذه الحادثة المأساوية لا ينبغي النظر إليها كخطأ فردي أو معزول، إنما عدوها مؤشرا حقيقيا على إخفاق مؤسسي واسع يعكس ضعف الرقابة، وعدم الالتزام الصارم بالبروتوكولات العلمية الدولية التي تضمن سلامة المرضى.

إصابة أخرى ونمط متكرر!

ما زاد من القلق وخطورة الموضوع، هو تسجيل حالة أخرى، لإصابة صبي يبلغ من العمر 14 عامًا بنفس المرض، ما يعكس نمطاً مقلقاً يشير إلى وجود ثغرات متكررة في إجراءات نقل الدم وفحصه وغيرها داخل المؤسسات الصحية.

حوادث مثل هذه تدلل بوضوح على افتقار الكثير من المؤسسات الصحية الى الرقابة العلمية الدقيقة، وهو ما يعرض المرضى، خصوصاً الأطفال والشباب، لخطر الإصابة دون وعي مسبق.

من الناحية العلمية، فإن الدم مادة حيوية حساسة تتطلب أعلى درجات اليقظة في التعامل معها، بدءاً من التحري الدقيق عن المتبرعين، مروراً بالفحوص المخبرية المتقدمة باستخدام تقنيات PCR والفحوص المناعية، وصولاً إلى التخزين والنقل في ظروف آمنة محكمة المراقبة. أي تقصير في إحدى هذه المراحل يمثل تهديداً مباشراً للمريض، وقد يؤدي إلى مضاعفات مميتة، كما ظهر في هذه الحادثة المأساوية.

ورغم مأساة الحادثة، إلا ان الصمت الرسمي وعدم الإعلان عن اسم المؤسسة المقصرة، والتي يحتمل انها نقلت دما ملوثا إلى مرضى آخرين يجب عليهم فحص دمائهم والتأكد من سلامتها يمثل فشلاً وقصوراً اخر.

صمت مستغرب يقود إلى كوارث!

في هذا الصدد، اكد مدير مكتب مفوضية حقوق الإنسان في محافظة البصرة، مهدي التميمي، أن “الطفلة توفيت نتيجة مضاعفات الإصابة بفيروس الإيدز. وتشير المعلومات الأولية إلى إصابتها نتيجة تلقيها دماً ملوثاً في إحدى المؤسسات الصحية، وهو ما يستدعي تحقيقاً مكثفاً أمام الرأي العام لكشف معالم الحقيقة، وهناك حالة اصابة اخرى".

وحمّل الجهات الصحية المسؤولية، قائلاً، إن القضية الراهنة “تشكل خطراً بالغاً في هذا الوقت الحرج”، مؤكداً أن “تسجيل إصابات بمرض خطير تكاد تكون نسبة الشفاء منه معدومة، ويمزق عوائل بأكملها، يُعدّ مؤشراً مقلقاً يستدعي استنفاراً صحياً عاجلاً، لا سيما حين تكون الضحايا من الأطفال”.

وأضاف التميمي في حديث لـ "طريق الشعب"، أن “الأمر الأخطر من الإصابات نفسها هو صمت المؤسسة الصحية، التي أُجريت التحاليل في مختبراتها ونُقل الدم في مستشفياتها وبأجهزتها، من دون أن تصدر أي توضيح للرأي العام سوى الاعتراف بوجود حالة، وكأنها إصابة بنزلة برد أو حالة إنفلونزا عادية”.

وحذّر التميمي من أن “استمرار هذا الصمت والإهمال في التعامل مع القضية سيقود إلى كوارث صحية أكبر ويفاقم حالة فقدان الثقة بالمنظومة الصحية”، داعياً إلى فتح تحقيق عاجل ومحاسبة الجهات المقصّرة ومراجعة إجراءات الرقابة على نقل الدم والفحوصات المختبرية.

فشل رقابي وانعدام مسؤولية كارثي

من جهته، أعرب الدكتور زاهر العبودي، استشاري الأمراض المعدية، عن بالغ قلقه واستيائه الشديد من وفاة طفلة تبلغ من العمر أربع سنوات في محافظة البصرة، إثر إصابتها بفيروس الإيدز نتيجة تلقي دم ملوث في إحدى المؤسسات الصحية.

ووصف العبودي في حديثه مع "طريق الشعب" الحادثة بأنها "كارثة صحية غير مقبولة على الإطلاق، تكشف عن إخفاق مؤسسي صارخ في تطبيق البروتوكولات العلمية والمعايير الدولية لفحص الدم"، موضحا أن خطورة هذا النوع من الحوادث تكمن في الطبيعة الخفية للفيروسات، حيث إن العديد من حاملي فيروس الإيدز أو التهاب الكبد قد لا يظهرون أعراضاً واضحة، ما يجعل الفحص الدقيق قبل نقل الدم أمراً بالغ الأهمية.

وقال: “هذه المأساة مؤشراً على خلل كبير في الرقابة على المؤسسات الصحية، وغياب تطبيق صارم للمعايير العلمية المعتمدة دولياً، وتمثل فشلاً مؤسسيًا جسيماً، يهدد حياة المرضى كافة. إذ لع يمكن لأي نظام صحي أن يتهاون في فحص الدم قبل استخدامه".

واكد ان "عدم الالتزام بالبروتوكولات العالمية لفحص الدم يعد جريمة صحية بحق المجتمع".

وتحدث بتفصيل عن بروتوكولات الصحيحة لنقل الدم قائلاً انها "تتطلب  فحص كل وحدة في مختبرات مرخصة ومعتمدة، للتأكد من خلوها من فيروس الإيدز، التهاب الكبد الفيروسي (A وB وC)، وفيروسات أخرى محتملة تنتقل عبو الدم".

وأضاف انه "بعد هذه العملية يجب أن يتم توثيق كل مرحلة من جمع الدم، تخزينه، ونقله، مع الحفاظ على درجات حرارة مناسبة لمنع نمو أي ممرض”.

وأشار العبودي إلى أن سلامة الدم تعتمد على عدة إجراءات أساسية، "في مقدمتها التحري الدقيق عن المتبرعين قبل أخذ الدم، مع استبيانات تفصيلية للكشف عن أي عوامل خطورة، والفحص المخبري المتقدم باستخدام اختبارات حديثة للكشف عن الفيروسات بدقة عالية، بما في ذلك تقنيات PCR والفحوص المناعية المتقدمة، والتخزين والنقل في ظروف مراقبة ومحمية، مع ضمان عدم تعرض الدم للتلوث من أي مصدر خارجي".

وشدد على أهمية "الرقابة المستمرة والإشراف من قبل وزارة الصحة وأجهزة التفتيش المختصة، لضمان التزام كل المختبرات الحكومية والخاصة بالمعايير العلمية الصارمة".

واستشهد العبودي بالحالات الواقعية قائلاً: “لدينا مثال مأساوي آخر لصبي يبلغ من العمر 14 عاماً أصيب بنفس المرض ويخضع للعلاج حالياً. هذه الحالات تكشف عن ثغرات حرجة في النظام الصحي، وتعكس ضعف الرقابة على المختبرات والإجراءات الطبية المتبعة”.

وخلص إلى ان “الدم هو مصدر حياة للمريض. أي تهاون في فحصه أو التعامل معه بمسؤولية يمثل تهديداً مباشراً للحياة"، داعياً الى ان "يكون هناك تحقيق شفاف وعاجل أمام الرأي العام، مع مساءلة المسؤولين في كل مرحلة من مراحل نقل الدم واستخدامه".

تقصير في البروتوكولات الصحية

من جهته، حذّر الدكتور فاضل المندلاوي، من المخاطر الصحية الكبيرة الناتجة عن عدم الالتزام بدقة فحوصات الدم قبل استخدامه في المؤسسات الصحية.

وأكد المندلاوي في حديث لـ "طريق الشعب"، أنّ فحص الدم لا يقتصر على الكشف عن فيروس الإيدز فقط، بل يشمل ضرورة التأكد من خلوه من جميع الفيروسات الأخرى، عبر مختبرات رصينة ومعتمدة لضمان سلامة الدم قبل نقله أو إعطائه للمرضى".

وأوضح المندلاوي، أن عدم الالتزام بهذه البروتوكولات يمثل “كارثة صحية خطيرة”، مشيراً إلى أن تداعياتها "تتجسد بوضوح في وفاة مأسوية لطفل صغير وإصابة آخر بعمر 14 عاماً بفيروس الإيدز، ما يعكس خطورة الفشل في تطبيق إجراءات السلامة بشكل صارمة".

وقال إنّ هذه الحوادث تدلل على “تراجع وتردي الوضع الصحي في البلاد يشهد"، مؤكداً أن أي دم يُعطى للمرضى يجب أن "يخضع لفحوص دقيقة وشاملة قبل الاستخدام، وأن المؤسسات الصحية ملزمة بتطبيق البروتوكولات الدولية المتعارف عليها لضمان سلامة الدم ومشتقاته".

وأشار إلى أن فيروس الإيدز "يهاجم الجهاز المناعي ويظل في الجسم سنوات طويلة دون اكتشافه، ما يعني انه قد يكون هناك مرضى اخرين مصابين وهم لا يعلمون"، مضيفاً أن "العديد من المصابين قد لا يكونون مدركين لحملهم للفيروس، ما يزيد من خطورة التعامل مع الدم دون فحص دقيق".

وأوضح أن العاملين في بعض المهن الصحية، مثل طب الأسنان، يتعاملون يومياً مع أدوات قد تكون ملوثة بالدم، مما يجعل الالتزام بالفحص قبل الاستخدام أمراً ضرورياً لتجنب انتقال العدوى.

وأكد أن وزارة الصحة والمختصين في الرقابة يجب أن يشرفوا على جميع المختبرات الحكومية والخاصة، ويكون لديهم فريق مختص على دراية تامة بالإجراءات الصحيحة للتعامل مع الدم، بما في ذلك إجراء جميع التحاليل اللازمة قبل أي استخدام.

وختم الدكتور المندلاوي حديثه بالتأكيد على أن “أي دم يُستخدم بدون فحص دقيق يمثل تهديداً حقيقياً للصحة العامة، لذلك يجب أن يكون كل شيء تحت إشراف مباشر من وزارة الصحة وأجهزة التفتيش المختصة لضمان سلامة المرضى والمجتمع”.