يعاني أهالي قضاء السوير في محافظة المثنى، منذ أكثر من عقد، من ضعف الخدمات الصحية ونقص الكوادر الطبية، وسط تعطل تنفيذ مشروع المجمع الطبي النموذجي الذي كان من المفترض أن يُنجز عام 2014.
ويعتمد القضاء حالياً على مركز صحي رئيسي وخمسة مراكز فرعية بالإضافة إلى ثلاثة بيوت صحية، إلا أن هذه المنشآت لا تقدم سوى الرعاية الأولية، ما يضطر المواطنين في حالات الطوارئ إلى نقل المرضى بسيارات خاصة أو شاحنات إلى مستشفيات السماوة على بعد نحو 15 كيلومترًا.
11 عاما من التعطيل
المراقب للشأن المحلي، فيصل سلمان البركي، احد سكان منطقة السوير قال إن "المشروع كان من المفترض أن يكون مجمعا طبيا متكاملا يضم مستشفى بسعة 100 سرير، ومركزا صحي نموذجي، إلى جانب أربع شقق مخصصة لسكن الأطباء والممرضين، مع قاطع للإسعاف الفوري. وأوضح البركي أن "هذا المشروع حصل على الموافقات الأولية منذ أحد عشر عامًا، لكنه لم يُنفذ حتى اليوم رغم المطالبات المستمرة من الأهالي ومناشدات النواب والمسؤولين المحليين".
وأشار البركي لـ"طريق الشعب"، إلى أن قضاء السوير الذي يضم نحو 100 ألف نسمة، ويخدم مناطق واسعة تمتد إلى أطراف قضاء الخضر والكرامة والشماوي، لا يزال يفتقر إلى وجود مستشفى متكامل، الأمر الذي يضطر المواطنين إلى التوجه نحو مستشفى السماوة العام الذي يبعد قرابة 15 كيلومترًا، حتى في الحالات الطارئة.
وبين أن "المعاناة لا تقتصر على بُعد المسافة فقط، بل تشمل سوء الخدمات الطبية المتوفرة، ما يهدد حياة المرضى، خاصة كبار السن والنساء الحوامل". وأضاف أن "هذا الملف يعكس تقصيرًا واضحًا من الجهات الحكومية، وخصوصًا وزارة الصحة ومديرية صحة المثنى، اللتين لم تتخذا أي خطوات فعلية لإنجاز المشروع رغم مرور أحد عشر عامًا على الموافقات الأولى".
وفي تطور أثار استغراب الأهالي، كشف البركي عن أن الجهات المعنية تسعى اليوم إلى تقليص سعة المستشفى من 100 إلى 50 سريرًا فقط، أي إلى مستشفى مصغر لا ينسجم مع حجم الكثافة السكانية الحالية.
وقال انه "بدل أن تُرفع السعة لاستيعاب الزيادة السكانية، يجري الحديث عن تقليصها إلى النصف، وهو قرار غير مدروس يفتقر لأي جدوى فنية أو اقتصادية".
ويؤكد أن "عدداً من النواب وأعضاء مجلس المحافظة خاطبوا دائرة صحة المثنى أكثر من مرة بشأن هذا الملف، لكن الردود كانت وعودًا فقط دون أي إجراء عملي".
واختتم البركي بالإشارة إلى أن "الكتب الرسمية التي توثق تاريخ الموافقات على تنفيذ المشروع ما تزال موجودة، لكنها لم تترجم إلى عمل ميداني"، مشدداً على أن "أهالي السوير ينتظرون منذ أكثر من عشر سنوات تحقيق حلمهم بوجود مستشفى حقيقي يضمن لهم حقهم في الرعاية الصحية اللائقة".
واقع صحي سيء
ووصف د. حيدر علي، ناشط مدني من مدينة السماوة، الوضع الصحي في المحافظة بأنه "سيئ، بل وسيئ جداً"، مشيراً إلى أن النظام الصحي في المثنى يواجه تدهورا كبيرا في الخدمات والإمكانيات منذ سنوات طويلة.
وقال علي لـ"طريق الشعب"، إن "محافظة السماوة تعتمد حتى الآن على مستشفى حكومي واحد يعود تأسيسه إلى ثمانينيات القرن الماضي، وما زال يعمل رغم قِدمه وتكرار الحوادث داخله"، موضحاً أن "المستشفى تعرض لعدة حرائق على مرّ السنوات، كما أن غرف العمليات فيه أصبحت متهالكة بعد انتهاء عمرها الافتراضي".
وأضاف أن "المستشفى الحديث الوحيد في المحافظة، المعروف باسم المستشفى الألماني نسبة إلى الشركة المنفذة، ما زال متلكئًا منذ نحو عشر سنوات، بسبب الخلافات المتبادلة بين وزارة الصحة والشركة المنفذة، حيث تلقي كل جهة بالمسؤولية على الأخرى، ولم يُنجز المشروع حتى اليوم برغم تعاقب عدة حكومات".
وأشار علي إلى أن "المحافظة تفتقر إلى المستشفيات والمراكز الصحية التخصصية في الأقضية والنواحي، فلا توجد مستشفيات في السوير أو الرميثة أو الخضر، رغم أن الخضر تُعد من أكبر مناطق المثنى".
وبين أن "محافظة المثنى تفتقر إلى مراكز لغسل الكلى، ولا يوجد فيها أي مركز مختص بعلاج السرطان أو أمراض الثلاسيميا أو الأمراض المستعصية"، مؤكداً أن "غياب هذه الخدمات يدفع أبناء المحافظة إلى السفر إلى محافظات أخرى مثل البصرة وبغداد والنجف لتلقي العلاج".
وختم علي بالقول إن "الواقع الصحي في المثنى مؤلم جداً، ويحتاج إلى تحرك عاجل من الحكومة ووزارة الصحة لإنقاذ أبناء المحافظة من هذا التدهور الخطير في الخدمات الطبية".
وعود حكومية
من جهته، أكد قائممقام قضاء السوير، سعد ناهي، أن مشروع إنشاء مستشفى جديد في القضاء مطروح منذ سنوات، لافتًا إلى أنه تم تخصيص أرض بمساحة 8 دونمات للمشروع سابقًا، لكنه لم يُنفذ بسبب قلة التخصيصات المالية. وقال أن رئيس الوزراء ووزير الصحة أعطيا موافقة مبدئية على المشروع، كما تم التنسيق مع مدير صحة المثنى لإجراء كشف على الموقع المقترح.
وبين ناهي أنه تم اقتراح زيادة مساحة الأرض إلى 15 دونمًا بدلًا من 8 لاستيعاب مستشفى بسعة 100 سرير، مؤكدًا أن الموقع الجديد على الطريق الرئيس يجعل المشروع أكثر ملاءمة وقابلًا للتوسعة.
وأضاف أن مدير عام صحة المثنى وعد بدراسة المقترح ومخاطبة الوزارة لاستكمال الإجراءات، موضحًا أن "الأمل قائم رغم بطء الخطوات الإدارية".
ويعتمد قضاء السوير حاليا على مركز صحي رئيسي وخمسة مراكز فرعية موزعة على مناطق آل بوجراد، البركات، آل غانم، آل عبس، والإصلاح، إلى جانب مركز صحي نموذجي جديد جاهز للافتتاح خلال الأيام المقبلة، وثلاثة بيوت صحية في جرف البركات وآل بو وحيد وآل يونس آل عبس.
أما فيما يتعلق بالأدوية، فأكد أنها متوفرة ولا يوجد نقص فيها، مشيرا إلى أن بعض المواطنين يظنون أن وصفات العيادات الخاصة يجب أن تُصرف من المراكز الحكومية، وهذا غير صحيح لأنها مخصصة للرعاية الأولية فقط. وأضاف أن الدوام المسائي يمتد حتى الساعة الحادية عشرة ليلاً، رغم أن انقطاع الكهرباء ونقص الوقود يؤثر أحيانا على استمرار العمل.