اخر الاخبار

تضاعف في الأعوام الأخيرة اعتماد العائلات في العراق على التعليم الأهلي بعدما تراجع أداء المدارس الحكومية التي تعاني الاكتظاظ وضعف البنى التحتية والمستلزمات والخدمات وتراجع أساليب التعليم ووسائله.

وحسب إحصائية لوزارة التخطيط عام 2023، فإن عدد المدارس الأهلية في البلاد يبلغ نحو 2884 مدرسة. غير ان نقيب المعلمين العراقيين عدي العيساوي، أفاد في تصريح صحفي نهاية العام الماضي، بأن العدد قد يتجاوز 12 ألف مدرسة وقد يصل إلى 20 ألفاً.

وتتناقض مشاهد العام الدراسي في العراق. تلاميذ من الجنسين يسيرون ببطء إلى مدارسهم، وهم يحملون حقائبهم على ظهورهم، وآخرون من الأعمار نفسها يبدون أكثر ترتيباً وأناقة، وتختلف ألوان ملابسهم عن تلك الاعتيادية، يقفون أمام منازلهم في انتظار قدوم الباص الخاص لنقلهم إلى مدارسهم.

أولئك الذي يتوجهون سيراً على الأقدام يدرسون في مدارس حكومية، أما من ينتظرون الباص فيتعلمون في مدارس خاصة يُطلق عليها اسم "الأهلية". والفئتان تعكسان مفارقة صارخة في واقع التعليم في البلاد. حيث أصبحت المدارس الأهلية عنواناً للجودة الحديثة لأسر، وفي الوقت ذاته عبئاً يُثقل كاهل أسر أخرى تسعى إلى توفير تعليم أفضل لأبنائها.

ولا تقل رسوم تعليم طالب واحد في مدرسة أهلية عن مليون ونصف المليون دينار، وترتفع في بعضها إلى ضعف هذا الرقم أو أكثر. في حين يعترف أولياء أمور بأن اختيارهم المدارس الأهلية ليس ترفاً، بل ضرورة، بعد ما بات التعليم الحكومي عاجزاً عن مواكبة التطور في المناهج أو الوسائل التعليمية أو حتى في بيئة الصفوف التي تفتقر إلى تكييف ومقاعد مريحة.

أجور ثقيلة

يتحدث قاسم عبد الرزاق، وهو موظف حكومي، عن أن راتبه لم يعد يكفي بعد أن التحق ولداه بمدرسة أهلية.

يقول في حديث صحفي: "أدفع نحو أربعة ملايين دينار سنوياً لكل واحد منهما، وأضطر أحياناً إلى الاقتراض أو بيع شيء من أثاث البيت كي أدفع أقساط الدراسة"، مضيفا قوله أن "التعليم الحكومي ليس خياراً مناسبا، لأنه يعاني إهمالا كبيرا، ولا أريد أن يُنهي أولادي دراستهم الأولية والثانوية من دون أساس متين".

فيما تُبدي رُبى كريم، وهي أم لثلاثة تلاميذ في المرحلة الابتدائية، قلقها من الديون المتراكمة عليها منذ عامين، بعد أن سجلت أولادها في مدرسة أهلية. إذ تقول في حديث صحفي: "يعمل زوجي خياطاً، بينما أعمل أنا في متجر لبيع المواد المنزلية منذ أن التحق أولادي بمدرسة أهلية مكلفة جداً".

وتلفت إلى ان "طريقة التعليم في المدرسة الأهلية أفضل مما في الحكومية. إذ يتحدث ابني الصغير، وهو في الصف الرابع الابتدائي، الإنكليزية بشكل جيد، وهذه ميزة لا توفرها المدارس الحكومية".

تجارة مربحة

فعلياً باتت عائلات كثيرة ترى في المدارس الأهلية "طوق نجاة" لمستقبل أبنائها، لكنها تدرك أن تلك المدارس تفرض أعباءً مالية كبيرة تجعل أولياء الأمور أحياناً في أوضاع حرجة.

ترى سعاد الجميلي، وهي موظفة حكومية، أن "المدارس الأهلية تمثل نموذجاً للتعليم العصري الذي يحتاجه العراق بشدة، لكنها أصبحت تجارة مربحة أيضاً".

وتنتقد في حديث صحفي ارتفاع أجور المدارس الأهلية، والتي ترى انها "مبالغ فيها"، مشيرة إلى ان "المباني جميلة والصفوف مكيّفة، لكن الأسعار صارت خيالية، كأننّا ندرّس أبناءنا في جامعة أجنبية".

ويؤيد الموظف علي حمزة سعادَ في ما أدلت به، ويؤكد أن "المدارس الأهلية أنقذت أبناءه من بيئة مدرسية تخلق النفور والإحباط، لكن ليست كلها مستوياتها جيدة. إذ يهتم بعض أصحابها بالمظهر أكثر من الجوهر. وهي تبقى في كل الأحوال أفضل من تلك الحكومية التي فقدت هيبتها"!

المال فوق الكفاءة!

يُجمع أولياء أمور واختصاصيون على أن التعليم الحكومي في العراق يشهد تراجعاً خطيراً، ما يجعل الأهالي يشعرون بأن مستقبل أبنائهم بات رهن قدرتهم على دفع الأقساط، وليس كفاءة النظام التربوي.

أيضاً تزداد الإشادة بتقديم بعض المدارس الأهلية وسائل تعليم رقمية، وغرفاً صفية مريحة، وأنشطة تعزز قدرات التلاميذ في مجالات مختلفة، وتنمّي ثقتهم بأنفسهم.

يقول المشرف التربوي حسين السامرائي، أن "عدد المدارس الأهلية يتجاوز 4500 مدرسة، ويزداد باستمرار، وان التعليم في تلك المدارس يعتمد أساليب حديثة ترتكز على الجانب النفسي في التعامل مع التلاميذ وفي تنمية مهاراتهم بدلاً من الاكتفاء بتلقين الدروس"، مضيفا في حديث صحفي أن "المدارس الأهلية غالبا ما تحرص على أن تكون العملية التعليمية تفاعلية، وأن يشعر التلميذ بأنه محور الدرس وليس متلقياً سلبياً. ولدى هذه المدارس كوادر ذات خبرة طويلة تقدّم خلاصة خبراتها بأساليب أكثر تطوراً ومرونة".

ويتابع السامرائي قوله: "باعتبارها مشاريع استثمارية، تسعى هذه المدارس إلى النجاح عبر تطوير مستوى تلاميذها باستمرار، وزيادة نسب النجاح والتفوق في الامتحانات الرسمية، وأيضاً توفير أفضل بيئة من أثاث ومختبرات ومكتبات رقمية وأنشطة تحفيزية"، لكنه يعترف أيضاً بأن هناك مدارس أهلية فشلت في تحقيق أهدافها بسبب ضعف إدارتها.

ويقول: "حين يقتحم القطاع التعليمي أشخاص لا يتمتعون بخبرة تربوية، ويظنون أن التعليم مشروع ربحي فقط، تكون النتيجة عكسية".

ويُبدي مواطنون كثيرون استغرابهم من عجز الدولة عن جعل القطاع التعليمي العام متطورا رصينا قادرا على مواكبة القطاعات التعليمية في بقية الدول، في حين يتمكن المستثمرون، وهم أشخاص لا يتمتعون بإمكانات دولة، من إنشاء مدارس تواكب تلك التطورات!

فيما يرى البعض أن إهمال التعليم الحكومي مقصود، من أجل جعل المدارس والجامعات الأهلية منفردة في الجودة. إذ يعتقدون أن أعدادا كبيرة من تلك المؤسسات تابعة إلى جهات متنفذة، وفي حال خضوعها لمنافسة من التعليم الحكومي لن تبقى لها ميزة تستقطب بها الطلبة والتلاميذ!