يشهد القطاع الصحي في العراق توتراً متصاعداً بعد إعلان أطباء دفعة 2023 الدخول في إضراب شامل عن الدوام داخل المستشفيات، احتجاجاً على ما وصفوه بـ"تجاهل الحكومة لمطالبهم المشروعة"، في وقتٍ أكدت فيه الملاكات التمريضية أن الإضراب تم بطريقة منظمة، حرص خلالها الأطباء على عدم الإضرار بحياة المرضى.
ويأتي هذا التحرك بعد أشهر من المناشدات والحوارات غير المثمرة مع الجهات الرسمية، لتتحول مطالب الأطباء الشباب إلى حركة احتجاج ميدانية تمتد من ردهات الطوارئ إلى الأقسام التخصصية، وسط تحذيرات من تفاقم أزمة نقص الكوادر الطبية، ودعوات لوزارة الصحة والحكومة إلى فتح حوار عاجل ينهي حالة الاحتقان المتصاعدة داخل المؤسسات الصحية.
اضراب بشرط توفر البديل
وقالت الممرضة بتول العامري، تعمل في مستشفى الكرامة بردهة الباطنية منذ سنوات، إن الأطباء المقيمين الدوريين قرروا التوقف عن العمل، للمطالبة بتحقيق جملة من المطالب أبرزها مباشرة دفعة الأطباء الجديدة لعام 2024، حتى يتمكن زملاؤهم من دفعة 2023 من الانفكاك وبدء مرحلة التدرج الطبي.
وأضافت العامري لـ"طريق الشعب"، أن "الإضراب لم يكن عشوائياً أو بدافع العصيان، بل جاء بعد محاولات عديدة ومخاطبات رسمية لم تلقَ أي استجابة من الجهات المعنية"، مشيرةً إلى أن "الأطباء يطالبون كذلك بتحسين ظروف عملهم داخل المستشفيات، وتأمين حقوقهم الوظيفية، خصوصاً فيما يتعلق بالدرجات والتعيينات المتأخرة".
وأوضحت أن "المقيمين الدوريين نسّقوا مع بقية مع الأطباء الأقدمين والأخصائيين، وتولّوا مهام زملائهم في الردهات والطوارئ خلال فترة الإضراب، حتى لا تتعرقل حياة المرضى.
وتابعت قائلة: "في ردهة الباطنية مثلاً، تم تكليف مقيم أقدم واحد بالإشراف على الحالات ومتابعة الخطط العلاجية، بالتعاون مع الكادر التمريضي، لضمان عدم تأثر المرضى بالإضراب"، مضيفة أن "هذا التنسيق يعكس روح المسؤولية العالية التي أظهرها الأطباء الشباب رغم احتجاجهم".
وأكدت العامري أن "الأطباء المضربين شددوا على أن هدفهم ليس تعطيل الخدمات ولا الإضرار بالمراجعين، بل لفت انتباه الجهات الحكومية إلى أزمتهم المستمرة منذ أشهر، والمطالبة بحقوقهم التي أقرتها القوانين ولم تُنفذ حتى الآن".
وأشارت إلى أن "الغياب المؤقت للمقيمين الدوريين لا يُعرقل عمل المستشفى، لكنه يترك أثراً واضحاً على جودة الخدمات المقدمة، لأن هؤلاء الأطباء هم العمود الأساسي في المتابعة اليومية للحالات داخل الردهات".
تجاهل المطالب المشروعة
واعلنت ممثلية أطباء العراق دفعة 2023، في 28 تشرين الأول 2025، تعليق الدوام التام في المستشفيات احتجاجاً على تجاهل المطالب المشروعة التي طرحت سابقاً.
وذكرت الممثلية في بيان اطلعت عليه "طريق الشعب"، أن "القرار جاء بعد انتهاء المهلة المتفق عليها مع اللجنة المشكلة من قبل رئيس الوزراء، وعدم ملاحظة أي تحرك فعلي أو صدور كتب رسمية تعالج مطالبهم".
وأضافت، أن "أطباء دفعة 2023 اعلنوا تعليق الدوام التام (الردهات الباردة والحرجة والطوارئ) ابتداءً من امس الأربعاء داخل المستشفيات، وذلك احتجاجاً على تجاهل المطالب المشروعة التي طرحت سابقاً أمام الجهات المعنية".
وأوضحت الممثلية، أن مطالب أطباء دفعة 23 تتمثل في: تعيين أطباء دفعة 24 دون تأخير. إيجاد حل عاجل للنقص الحاصل بعد انفكاك أطباء البوست روتين (الفروع الشحيحة)، وتحويل الأوائل إلى وزارة التعليم العالي.
وأضاف ان "احتساب فترة الإقامة الحالية سيكون مجزيا.
وأكدت الممثلية أن هذا القرار جاء بعد استنفاذ جميع الوسائل الرسمية الممكنة، وحملت الجهات المعنية المسؤولية الكاملة عن أي تبعات قد تنتج عن استمرار هذا التجاهل.
طبيب: الحكومة خذلتنا
قال أحد أطباء دفعة 2023، المشاركين في الإضراب، منتظر محيي أن "قرارنا بتعليق الدوام التام في المستشفيات لم يكن خطوة مفاجئة، بل جاء بعد نفاد جميع الوسائل الرسمية التي اتبعناها خلال الأشهر الماضية، ومخاطبتنا المتكررة للجهات المعنية دون أي استجابة فعلية".
وأضاف أن "المهلة التي منحناها للجنة المشكلة من قبل رئيس الوزراء انتهت دون أن نلمس أي تحرك جدي أو صدور كتب رسمية تُعالج مطالبنا، ما زاد من شعورنا بالإحباط والخذلان، ودفعنا لاتخاذ هذا القرار الصعب".
وأوضح أنّ “الواقع الحالي للأطباء الشباب مؤلم للغاية، فزملاؤنا من دفعة 2024 لم يُعيَّنوا حتى الآن، رغم الحاجة الماسّة لهم في المؤسسات الصحية، كما أنّ النقص الحاد الناتج عن انفكاك أطباء (البوست روتين) في الفروع الشحيحة جعل عبء المناوبة والعلاج مضاعفاً على الأطباء المقيمين”.
وبيّن أنّ “من بين أبرز مطالبنا أيضاً احتساب فترة الإقامة الحالية ضمن سنوات التدرّج الطبي، وإلغاء العقوبات والغيابات المسجّلة بحق الأطباء، خصوصاً أن أغلبها جاء نتيجة الضغط الهائل في العمل، وظروف المناوبات الطويلة ونقص الكادر”.
وأكد أنّ “الأطباء لم يختاروا الإضراب رغبة في تعطيل الخدمة الصحية، بل لحماية حقّهم المشروع في بيئة عمل عادلة تحفظ كرامتهم، ولتذكير الجهات الرسمية بأن الطبيب هو عمود النظام الصحي في العراق”.
واختتم بالقول: "نحمّل الجهات المعنية المسؤولية الكاملة عن أية تبعات قد تنتج عن استمرار هذا التجاهل، وندعو الحكومة ووزارة الصحة إلى فتح باب الحوار الجاد والاستجابة الفورية لمطالبنا، فاستقرار الطبيب هو الضمان الأول لاستقرار النظام الصحي". واكد ان أهالي الأطباء أعلنوا أيضا اضرابهم عن الانتخابات حتى تعيين أولادهم.
وانتقد الطبيب أحمد محمد، أحد المحتجين، استمرار الحكومة في تجاهل ملف تعيين الأطباء، رغم وضوح المسؤوليات القانونية الملقاة على عاتقها، مؤكداً أن “موضوع التعيين ليس خاضعاً للاجتهادات أو الأعذار المالية، بل هو واجب حكومي نصّ عليه القانون وصدّق عليه مجلس النواب”.
وقال محمد لـ"طريق الشعب"، "سبق أن أكدنا مراراً أن مسألة التعيين من صلاحيات الحكومة حصراً، لأنها الجهة التنفيذية المسؤولة عن تطبيق القوانين، أما ما يُثار عن الموازنة، أو عدد الدرجات الوظيفية، أو التصريحات المتناقضة لبعض النواب، فهو مجرد وسيلة لتشتيت الخريجين وإشغالهم عن المطالبة بحقوقهم الحقيقية".
وأضاف أن "هذا التشتيت يأتي باتفاق ضمني بين مجلس النواب والحكومة، لأن الطرفين مستفيدان من إبقاء الوضع على ما هو عليه، فيما يبقى الخريجون يواجهون المجهول بلا فرص عمل ولا وضوح في السياسات".
وأشار إلى أن الواقع العملي أثبت بطلان الذرائع الحكومية، قائلاً: "لدينا أمثلة واضحة؛ فعندما تم التعاقد مع المحاضرين المجانيين في العام الماضي، لم يكونوا مشمولين ضمن أي موازنة ثلاثية، ومع ذلك تم إيجاد الحلول لهم".
وتابع: "كذلك تم تعيين دفعة 2021 من الأطباء في عام 2022 خلال فترة حكومة الكاظمي، رغم عدم إقرار موازنة حينها، ما يثبت أن الإرادة السياسية قادرة على إيجاد المنافذ القانونية والمالية متى ما توفرت النية الحقيقية".
وأضاف أن "هذا الكلام أكّده أيضاً رئيس الوزراء محمد شياع السوداني قبل أشهر في لقاء متلفز، عندما سُئل عمّا إذا كان راضياً عن تعيين نحو مليون عاطل خلال ثلاث سنوات، فأجاب: نعم، لأن الناس تطالب بحقوقها، ومن واجبنا تنفيذها".
وأكد محمد أن "الأطباء لا يطالبون بامتيازات خاصة، بل بتطبيق القانون الذي أقره مجلس النواب، والذي يُلزم الحكومة بتوفير الدرجات الوظيفية للمهن الطبية بغضّ النظر عن وجود موازنة من عدمها"، لافتاً إلى أن "تنفيذ هذا القانون واجب دستوري لا يخضع للمساومات أو للتفسيرات السياسية".
وختم بالقول إن "المطلوب اليوم هو موقف واضح من الحكومة، يعيد الثقة للأطباء الشباب، ويؤكد احترامها لسلطة القانون، لأن استمرار المماطلة يعني فقط مزيداً من النزف في القطاع الصحي، ومزيداً من الإحباط لدى الخريجين الذين وهبوا سنوات من حياتهم في خدمة هذا البلد".