لا يزال الاقتصاد العراقي، يشهد اضطراباً متصاعداً في توازناته المالية، بعد أن أفرزت السياسات النقدية والمالية المتباينة نتائج معاكسة لما كان يُروَّج له من استقرار نقدي وتحفيز للنمو.
فبدلاً من أن تسهم السياسات المتبعة في تحسين الإيرادات وتعزيز القدرة التنافسية، القت بظلالها الثقيلة على المالية العامة، وسط تضخم الإنفاق الحكومي واتساع فجوة العجز الداخلي، وسط اعتماد متزايد على التمويل المصرفي المحلي بوصفه الحل الأسهل لسد العجز، في وقت يترنح فيه القطاع الخاص تحت وطأة الضرائب، وجمود الاستثمار، وانكماش السوق.
هذا ما أكده مختصون قالوا ان هذا الاختلال البنيوي في إدارة المال العام، يدلل بوضوح على غياب الرؤية الاقتصادية المتكاملة في الإجراءات الحكومية التي لا تعدو كونها ردود فعل قصيرة المدى، تُفاقم الأزمات بدلاً من معالجتها.
الحلول السهلة
من جهته، أكد الباحث في الشأن الاقتصادي عبد السلام حسين، أن ارتفاع الدين الداخلي في العراق يعكس غياب السياسة المالية الواضحة والبرنامج الاقتصادي المتكامل لدى الحكومة، مشيراً إلى أن الإجراءات الحالية تُظهر ارتباكاً في الإدارة المالية أكثر مما تعبّر عن حلول حقيقية للعجز.
وقال حسين في حديث لـ"طريق الشعب"، أن “الحكومة بدلاً من معالجة أسباب العجز البنيوي، تلجأ إلى الرسوم والضرائب المرهقة للمواطنين، والتي ارتفعت بنسب تجاوزت 60% في بعض القطاعات مثل المرور والعقار والمالية وأمانة بغداد”، مبيناً أن هذه الزيادات “لم تسهم في تقليص العجز، وانما أدت إلى جمود السوق وتعميق حالة الركود التجاري”.
وأضاف أن “الدين الداخلي بحد ذاته لا يمثل أزمة كبرى إذا ما أُدير بسياسات مالية رشيدة، واذا لم يرتفع بشكل اكبر من حدوده الطبيعية، لأن الدولة قادرة على معالجته داخلياً دون اللجوء إلى الاقتراض الخارجي”.
وحذر حسين من أن “استمرار غياب الرؤية الاقتصادية سيحوّل الدين الداخلي إلى أداة لتبرير فرض مزيد من الرسوم والضرائب تحت عنوان معالجة العجز المالي”. كما انتقد اعتماد الحكومات المتعاقبة على “الحلول السهلة والآنية” دون خطط إصلاح هيكلية، قائلاً "لا توجد سياسة مالية حقيقية ولا برنامج اقتصادي واضح، وما يجري هو محاولة لسد العجز من جيوب المواطنين، عبر رسوم وضرائب غير مدروسة تضر بالاقتصاد الوطني وتعيق حركة الاستثمار".
وختم الباحث تصريحه بدعوة الحكومة إلى إشراك الخبراء والاقتصاديين الفنيين في رسم السياسات المالية، وعدم الاكتفاء بالتصريحات المتضاربة التي “تربك السوق وتدفع التجار إلى رفع الأسعار واستغلال حالة الغموض المالي في البلاد”.
يهدد الاستقرار المالي
وعلى سياق متصل، قال عبد الرحمن الشيخلي، إن الحكومات غالباً ما تلجأ إلى الدين الداخلي كوسيلة لتغطية العجز في الموازنات، خاصة في ظل سوء إدارة الإنفاق الحكومي واعتمادها على مصدر واحد للتمويل دون البحث الجدي عن مصادر بديلة لتغطية احتياجاتها المالية.
وأضاف الشيخلي في حديث مع "طريق الشعب"، أن هذا التوجه “قد يهدد الاستقرار المالي ويرفع كلفة الاقتراض، رغم أن الدين الداخلي يُعد أقل خطورة من الاقتراض الخارجي وأكثر سهولة في التسديد، لكونه يأتي مع فوائد محددة وجدول محكم للتسديد”.
وحذر الشيخلي من الاعتماد المفرط على الدين الداخلي، دون إصلاحات هيكلية في الإنفاق والمالية العامة".
واكد في ختام حديثه على ان هذا الاتكال على هذه السياسية قد يُعمّق العجز ويزيد الضغوط على الاقتصاد الوطني ويقيد قدرة الدولة على الاستثمار والتنمية.