أفاد "مرصد العراق الأخضر" البيئي بأن مجمّع بسماية السكني جنوبي العاصمة، تصدّر مناطق ومدن البلاد في نسب تلوّث الهواء.
وذكر المرصد في تقرير له الخميس الماضي، أن "مدينة بسماية كان يمكن أن تكون من المدن الجديدة النظيفة والنموذجية كونها بعيدة عن صخب وازدحامات العاصمة، إلا أن آفة التلوث لاحقتها بسبب قربها من معامل الطابوق التي تسببت في نسبة كبيرة من التلوث في العاصمة، فضلاً عن مقالع النفايات التي تحيط بها والتي تتعرض للحرق بشكل دائم".
وأوضح أن "التلوث يحيط بهذه المدينة في أوقات مبكرة من الصباح، وحتى في المساء، ويمتد الى مناطق وسط العاصمة"، مؤكداً وجود الكثير من حالات الاختناق، والتي نُقِل البعض منها الى المستشفيات القريبة بسبب التلوث الحاصل حول هذه المدينة.
وحذر المرصد في تقريره من ان التلوث في حال استمراره فإنه سيصيب المزيد من المواطنين الساكنين في هذه المنطقة بأمراض الجهاز التنفسي التي قد تتطور خلال السنوات المقبلة وتُصبح أشد خطرا، لافتا إلى أن ألوان المباني قد تتضرر هي الأخرى، إضافة إلى تضرر النباتات والحدائق الموجودة في المدينة.
ودعا المرصد الجهات المسؤولة إلى الانتباه للتلوث الذي اصاب بسماية، مقترحا غرس الأشجار حولها لتخليصها من هذه الآفة، اضافة الى اتخاذ الاجراءات اللازمة تجاه المعامل المخالفة ومن يتسبب في حرق النفايات.
جدير بالذكر، أن مجّمع بسماية يُقارب من جانبه الشمالي الشرقي منطقة النهروان المعروفة بضمها معامل طابوق متعددة، إضافة إلى منطقة أبو ثيلة التي تضم معامل اسفلت. كما تجاور المجمّع وتُقاربه معامل لإنتاج القار والفلانكوت وأخرى لتدوير الزيوت، فضلا عن حي صناعي يضم الكثير من الورش الصناعية. فيما يُقاربه من جهة الجنوب مكب نفايات واسع يجري حرقه باستمرار.
البيئة ترصد مخالفات
قبل ثلاث سنوات تقدم العديد من أهالي بسماية بشكاوى لوزارة البيئة، بشأن انبعاثات غازية وروائح خانقة صادرة عن معامل ومنشآت صناعية قريبة. وبالفعل قامت الوزارة – وفقا لوثائق رسمية سبق ان نشرتها وكالات أنباء - بإجراء مسوحات ميدانية أظهرت وجود "تلوثٍ بيئي" في المجمع ومناطق أخرى مجاورة له.
وربطت تحقيقات برنامج الرقابة على الأنشطة المؤثرة على البيئة في الوزارة، ارتفاع نسب التلوث بـ"وجود معامل الاسفلت في منطقة أبو ثيلة، والتي تعمل ليلاً، اي خارج أوقات الدوام الرسمي للدوائر الحكومية، ما يتسبب في تصاعد الانبعاثات الغازية مع انتشار روائح الكبريت، الأمر الذي يشكل خطراً على صحة الناس في المكان".
وتشمل الوثائق مخاطبات رسمية صادرة من دائرة حماية وتحسين البيئة في منطقة الوسط، وموجهة إلى مكتب وزير البيئة في 17 تشرين الأول 2023. حيث تضمنت إجراءات الدائرة في ما يتعلق بالشكاوى الواصلة إليها من ساكني بسماية.
وتظهر تلك المخاطبات قيام فرق فنية بمهام المسح الميداني للوقوف على أسباب التلوث الحاصل في المنطقة. إذ توصلت إلى أدلة دامغة على وجود التلوث، وقدمت توصيات بفرض عقوبات على المعامل المخالفة للشروط والقوانين البيئية.
واجرى فريق "بيئة بغداد" برفقة الشرطة البيئية والأمن الوطني والشرطة الاتحادية والقوة الماسكة للأرض في بسماية، زيارة ميدانية للكشف عن المخالفات البيئية للانشطة الصناعية. ووجه في الاثناء انذاراً لمعملين لتصفية وتنقية الزيوت، ومعمل لإنتاج الاسفلت المؤكسد، نظرا لـ"عدم الالتزام بالمتطلبات البيئية من خلال استخدام المخلفات النفطية في العملية الانتاجية، كذلك ارتفاع قراءات تراكيز المركبات العضوية المتطايرة (VOC) عن المحدد الوطني".
كما أظهرت وثائق أخرى مطالبة وزارة البيئة نظيرتها الداخلية، بإغلاق معامل مخالفة كانت قد أنذرتها سابقاً، بسبب "استمرار مخالفاتها دون معالجة وعدم التزامها بالمتطلبات البيئية الواجب توافرها في معامل الاسفلت، ما تسبب في تلوث عالٍ نتيجة تولد أدخنة وروائح تحتوي على مركبات عضوية وكيميائية ضارة أثناء عمليات انتاج وتصنيع الاسفلت".
وأكدت الوثائق وجود 20 معملا لإنتاج الاسفلت في منطقة أبو ثيلة التابعة لقضاء المدائن، منها 16 معملا يعمل خلال فترة الليل حتى ساعات الصباح الأولى. حيث تساهم تلك المعامل في ارتفاع نسب تلوث الهواء في مدينة بسماية والمناطق المجاورة لها.
وحتى الآن لم تتمكن دائرة حماية وتحسين البيئة في منطقة الوسط، ومديرية بيئة بغداد، من إيقاف أي من تلك المعامل، رغم إصدارهما انذارات وإشعارات بإغلاق عدد منها!
ماذا عن الإجراءات القانونية؟
وفقا للخبير القانوني فالح خضر غازي، فإن قانون حماية وتحسين البيئة العراقي رقم 27 لسنة 2009، اشترط معايير فنية خاصة لممارسة النشاطات الصناعية، منها إلزام صاحب المشروع قبل تنفيذه بتقديم تقرير يتضمن تقدير التأثيرات الإيجابية والسلبية للمشروع على البيئة، وتقدير كلفة التلوث نسبة إلى الإنتاج.
ويتابع غازي في حديث صحفي سابق، قوله: "كذلك اشترط القانون إلزام أصحاب المشاريع بمنع انبعاث الأدخنة أو الغازات أو الأبخرة أو الدقائق الناجمة عن عمليات إنتاجية أو حرق وقود في الهواء، وإجراء المعالجات اللازمة بما يتضمن مطابقتها للتشريعات البيئية. كما منح القانون الوزير أو من يخوله صلاحية إنذار أية منشأة أو معمل أو أية جهة أو مصدر ملوث للبيئة لإزالة العامل المؤثر خلال 10 أيام من تاريخ التبليغ بالإنذار".
ويلفت إلى انه "في حال عدم الالتزام فإن القانون منح صلاحية إيقاف العمل أو الغلق المؤقت مدة لا تزيد على 30 يوماً قابلة للتمديد حتى إزالة المخالفة، وفرض غرامة مالية لا تقل عن مليون دينار ولا تزيد على 10 ملايين دينار تكرر شهرياً حتى إزالة المخالفة".
ومن خلال متابعته، يرى غازي أن "وزارة البيئة تكتفي فقط بالغرامات"، مشددا على أهمية "اللجوء إلى غلق المعامل المخالفة وتشديد العقوبات عليها مع تكرار المخالفات، وإحالتها إلى المحاكم المتخصصة".
الحاجة إلى دعم حكومي
يقر ممثل مجمع مصانع النهروان لإنتاج الطابوق طالب السعيدي، بوجود انبعاثات ناتجة عن عملية حرق كور الطابوق، مبيناً في حديث صحفي سابق أن معالجة الانبعاثات تتطلب دعما حكومياً.
وفي ظل ذلك الواقع يبدي السعيدي استغرابه من منح الموافقات البيئية من قبل الجهات الحكومية لبناء "مدينة علي الوردي" السكنية التي لا تبعد عن مجمع معامل النهروان سوى 7 كيلومترات، عازيا أسباب استمرار انبعاثات المعامل الى "عدم قدرة أصحابها ماليا على استبدال أفران حرق الطابوق بأخرى حديثة".
وينوّه الى ان "وزارة البيئة تفرض غرامات مالية دورية على أصحاب المعامل، لكنها "تغض البصر عن محاسبة الأفران المتجاوزة التي أنشأت خارج المنطقة الصناعية والتي تساهم في تلوث الهواء بما نسبته 40 في المائة".
وكان وزير الصناعة خالد البتال قد زار في أيلول 2023 المنطقة الصناعية في النهروان ووعد بغلق المعامل المتجاوزة التي يبلغ عددها 90 معملا، لكن لم يحصل شيء على الأرض!
ويوجد في النهران 270 معملاً مجازاً لإنتاج الطابوق منها 70 معملاً أنشئ عام 2015، و90 فرناً افتتحت من دون موافقات أصولية – حسب وكالات أنباء.