بعد أشهر من بدء تطبيق التعديلات الجديدة على قانون الأحوال الشخصية، تتصاعد شكاوى نساء كثيرات وجدن أنفسهن في مواجهة تعقيدات قانونية واجتماعية غير متوقعة، انعكست على حياتهن الأسرية واستقرار أطفالهن. وتشير شهادات متضررات إلى أن إجراءات الحضانة، والنفقة، وتثبيت الزواج والطلاق، باتت أكثر صعوبة، فيما يحذر حقوقيون من أن التعديلات "خلقت ثغرات واسعة تُستغل ضد النساء".
حضانة تهدد واستغلال يتصاعد
تقول مها عودة وهي أم لطفلين "بعد تطبيق التعديلات، أصبح زوجي السابق يهددني بشكل دائم بالمطالبة بالحضانة في كل خلاف. تغير القانون بطريقة جعلتني أشعر أن حضانة أولادي ليست مضمونة، وصرت أتنازل عن حقوقي المالية كلما أراد الضغط عليّ". وترى الأم مها بأن قانون الأحوال الشخصية بعد إجراءات التعديل لم يعد قانونا ينظم الأسرة، بل قانوناً يعاقب الأم، وينتقم من الزوجة". وتضيف أن تهديد سحب الحضانة" "تحوّل إلى وسيلة ابتزاز في كل خطوة"، موضحة بأنها اضطرت للتراجع عن المطالبة بالمؤخر والنفقة، كي تتجنب الدخول في معركة قضائية قد تطول وقد تسلبها حتى رؤية أطفالها.
نفقة معلّقة وإجراءات أكثر تعقيداً
أما تبارك عامر فتروي للجريدة بأن التعديلات" أثرت بشكل مباشر على إجراءات النفقة. قال لي القاضي إن بعض البنود تحتاج تفسيرا لأن القانون الجديد لم يوضح آليات التنفيذ. أصبحت أراجع المحكمة أسبوعيا بلا نتيجة، وكأن كل شيء عاد لنقطة الصفر. كيف تعيش امرأة بلا مورد مالي؟".
وتضيف "ان ضغط بعض الرجال وإصرارهم على تشريع التعديل على قانون الأحوال الشخصية، الذي بات سيئ الصيت، ليس التمسك بحضانة الأطفال بقدر ماهو التخلص من النفقة التي كان يفرضها القانون السابق". وتشير إلى أن زوجها السابق يستغل هذه الثغرات للتملص من الدفع "يقول لي إن القانون تغيّر، وإنه غير ملزم بدفع المبلغ نفسه الذي كان مقررا سابقا. أشعر أننا أمام قانون لا يعرف كيف يطبق، لكنه يعرف كيف يرهق النساء فقط".
زيجات غير مثبتة تتحول إلى أزمة
في المقابل، تكشف زهرة حميد عن مشكلة، تعاني منها نساء كثيرات، فتقول " تزوجت بعقد شرعي داخل البيت، وكان يفترض تثبيته في المحكمة لاحقا، لكن بعد التعديل، الإجراءات أصبحت أصعب. فجأة أصبحت مهددة بأن زواجي غير معترف به بالكامل. زوجي يستغل الوضع ويرفض الذهاب للمحكمة، ويقول إن القانون سمح له بخيارات أخرى". وتتابع زهرة بأسى"أصبحت معلّقة. لا أستطيع الانفصال ولا إثبات حقوقي. كل ما أعرفه أن تعديلا قانونيا جعل حياتي تقف عند حاجز إداري لا ينتهي".
التعديلات ولّدت نزاعات جديدة
ووفق حقوقيين، فإن التعديلات سببت نزاعات كثيرة، حيث يؤكد المحامي جعفر السعدي لـ " طريق الشعب" أن التعديلات" أُقرت دون دراسة كافية"، مشيرا إلى أنها فتحت الباب أمام تفسيرات واسعة تسببت في إرباك المحاكم. ويضيف بأن " هناك مواد فضفاضة تتعلق بالحضانة وسنّها، فليس من المعقول بعد سنوات من التعب والسهر والمتابعة، تسلب الحضانة من الأم فقط لأن الرجل يريد الانتقام من طليقته لا أكثر، بعيدا عن مصلحة الطفل". ويشير المحامي السعدي إلى أن القانون الجديد "لم يوازن بين الحقوق والالتزامات ومصلحة المحضون"، موضحا أن تطبيقه أدى إلى زيادة حالات الابتزاز داخل الأسرة، خصوصا أن بعض الأزواج يستخدمون نصوص القانون للتخفّف من النفقة أو الضغط لإسقاط حقوق الزوجة.
دعوات لإعادة النظر
من جانبها، تشير الناشطة النسوية هالة التميمي إلى أن منظمات المجتمع المدني تلقت خلال الأشهر الماضية "ارتفاعا ملحوظا" في شكاوى النساء المرتبطات بقضايا الطلاق والحضانة.
وتقول بان "التعديلات الأخيرة خلقت واقعا جديدا غير عادل. بعض النصوص بحاجة إلى إعادة صياغة عاجلة، ليس فقط لحماية النساء، بل لضمان استقرار الأسرة العراقية".
وتؤكد على أن ضعف حملات التوعية أوقع كثيرا من النساء في جهل كامل بحقوقهن الجديدة، ما جعل البعض يصبحن ضحية الاستغلال أو التهديد.
أخيرا، وبينما تتصاعد الشكاوى وتتعقد القضايا أمام المحاكم، يبقى انتظار المراجعة القانونية، هو الأمل الذي تتمسك به المتضررات. فالتعديلات التي كان يفترض أن تطور النظام الأسري، تحولت لدى الكثيرات إلى تحد يومي يقوض الأمن الاجتماعي ويزيد الخلافات بدلا من حلها.