اخر الاخبار

بغداد – طريق الشعب

 

يشكو العديد من العاملين في القطاع الخاص من ظروف عمل قاسية، تتجسّد في تدني الأجور، وغياب الضمانات القانونية، والإجراءات التعسفية التي تصل أحيانًا إلى الفصل المفاجئ دون أي تعويض. ومع ازدياد التوجه نحو خصخصة المؤسسات الإنتاجية الحكومية، تتصاعد مخاوف العاملين في هذه المؤسسات من مواجهة المصير ذاته، إذا ما خضعت مرافقهم للاستثمار أو تم بيعها إلى القطاع الخاص.

أجور منخفضة

يقول حيدر جاسم، وهو عامل في إحدى الورش الصناعية بمنطقة جميلة التجارية، إن راتبه الشهري لا يكفي سوى لتغطية نفقات أسبوع واحد من معيشة أسرته. ويضيف "نحن نعمل لساعات طويلة، من الثامنة صباحًا وحتى ما بعد العصر أحيانًا، من دون أي مقابل عن الوقت الإضافي. صاحب العمل يحدّد الأجر كما يشاء، ولا توجد جهة نلجأ إليها عندما نُطالَب بالعمل فوق طاقتنا. أعيل أربعة أطفال، وراتبي لم يتغير منذ ثلاث سنوات رغم ارتفاع الأسعار". ويشير حيدر إلى أن أغلب العاملين يخشون المطالبة بزيادة أجورهم خوفًا من الاستغناء عنهم، خاصة وأن صاحب العمل يجد بدلاء بسهولة في ظل ارتفاع معدلات البطالة.

فصل مفاجئ

على الجانب الآخر، يروي عبد الله علي، العامل في أحد مصانع المواد الإنشائية، قصة فصله المفاجئ، فيقول "بعد خمس سنوات من العمل، قرر مدير الموارد البشرية فصلي في دقائق. سلّمني كتاب الفصل بحجة إعادة الهيكلة، من دون أي مكافأة أو تعويض. وعندما طالبت بحقي، قيل لي إن عقد العمل لا يضمن لي شيئًا، وحتى اشتراكي في الضمان الاجتماعي لم يُعتدّ به، رغم أنهم كانوا يستقطعون جزءًا من راتبي شهريًا."

ويضيف عبد الله أنه اضطر إلى البحث عن عمل جديد، لكنه يواجه صعوبة بسبب تجاوزه الأربعين من العمر، محذرًا من أن "الخوف الأكبر هو أن تتكرر هذه القصة مع آلاف العاملين إذا خضع القطاع الحكومي للمنطق ذاته الذي يحكم السوق."

غياب الحماية القانونية

يؤكد عاملون آخرون أن بيئة العمل في كثير من مؤسسات القطاع الخاص تفتقر إلى شروط السلامة المهنية والالتزام بقانون العمل. فعدد كبير منهم يعمل بلا عقود مكتوبة، بينما يُجبر آخرون على توقيع عقود "شكلية" تتيح لصاحب العمل إنهاء خدمتهم في أي وقت.

ويقول سيف علي، فني صيانة في إحدى الشركات، إن ساعات العمل اليومية قد تتجاوز أحيانًا 16 ساعة من دون أجر إضافي ويشير الى أن "القانون شيء والواقع شيء آخر. لا أحد يراقب، والإجراءات غالبًا ما تصب في مصلحة صاحب العمل. نحن نعمل تحت ضغط نفسي وجسدي كبير، ولا نملك سوى القبول بالأمر الواقع خوفًا من البطالة."

الخصخصة.. كابوس جديد

ومع توجه الحكومة نحو خصخصة المؤسسات الإنتاجية والخدمية، بدأ كثير من العاملين يربطون ما يجري في القطاع الخاص بما قد يحدث داخل المؤسسات الحكومية. يقول فراس محسن، وهو موظف أجير ضمن عقد تشغيلي، إنه يخشى انتقال ما يسميه "فوضى القطاع الخاص" إلى مؤسسات الدولة، موضحًا "نحن نعمل برواتب محدودة، لكننا نشعر بنوع من الأمان. إذا تحولت مؤسساتنا إلى إدارة خاصة، فسيكون أول ما يحدث هو تقليص الأجور وزيادة ساعات العمل، وربما تسريح جماعي بحجة إعادة الهيكلة. نرى ما يعانيه زملاؤنا في القطاع الخاص، ولا نريد أن يكون مصيرنا مشابهًا لهم."

ويضيف: "الخصخصة قد تنجح في الدول التي تحمي العامل، لكن في ظل غياب الرقابة وضعف تطبيق القانون، ستكون نتائجها قاسية على الجميع."

ضعف التنظيم النقابي يفاقم الأزمة

ويشير باحثون في سوق العمل إلى أن ضعف التنظيم النقابي في القطاع الخاص، نتيجة سياسات التضييق والقيود الحكومية، يجعل العمال أكثر عرضة للإجراءات التعسفية، في حين تتباطأ المؤسسات الرسمية في تطبيق قانون العمل فعليًا، خصوصًا ما يتعلق بإنشاء لجان تفتيش منتظمة ومعلنة. كما يحذر متخصصون من أن أي خطوة نحو الخصخصة يجب أن تسبقها إصلاحات حقيقية تضمن حدًا أدنى للأجور يتناسب مع تكاليف المعيشة، وتفعيل التأمين الصحي والضمان الاجتماعي، وضمان حق العامل في اللجوء إلى جهة تحميه من الفصل غير القانوني.

المطالبة بآليات رقابية واضحة

ويطالب العاملون الذين تحدثوا لـ "طريق الشعب" بوضع آليات حكومية واضحة للحد من التجاوزات، أبرزها:

• تفعيل لجان تفتيش العمل في المشاريع الخاصة.

• إلزام الشركات بإبرام عقود رسمية ومنصفة لحقوق العمال بما ينسجم مع قانون العمل النافذ.

• شمول جميع العاملين بالضمان الاجتماعي.

• فرض عقوبات رادعة على حالات الفصل غير القانوني.

• إشراك ممثلي العمال في أي قرارات تتعلق بالخصخصة.

وتُظهر شهادات العاملين في القطاع الخاص أن معاناتهم ليست حالات فردية، بل جزء من منظومة بحاجة إلى إصلاح جذري قبل التوسع في الخصخصة. ففي ظل غياب الحماية القانونية، تبقى اليد العاملة الحلقة الأضعف، وحقها في الأجر العادل والاستقرار مهددًا. أما المضي في الخصخصة دون معالجة هذه الاختلالات، فقد يعني تكرار ما يعانيه العمال اليوم على نطاق أوسع داخل مؤسسات الدولة.