تشهد الأسواق العراقية موجة متصاعدة من ارتفاع أسعار الأدوية، في وقت تحاول فيه وزارة الصحة ضبط الوضع من خلال مراجعة أسعار المستوردات، ووضع تسعيرة رسمية تتوافق مع معايير التكلفة والجودة، إضافة إلى إجراء مراقبات دورية للأسواق والصيدليات. ومع ذلك، لا تزال التحديات أمام الوزارة كبيرة، خاصة فيما يتعلق بالمستشفيات الأهلية، بسبب التداخل بين القطاعين العام والخاص، ونقص الكوادر الرقابية، فضلاً عن التباين الكبير في أسعار المستوردات بين الجهات المختلفة، ما يترك المواطن أمام صعوبة الوصول إلى العلاج بأسعار مناسبة.
صيدليات لا تلتزم بالتسعيرة الرسمية
وفي تعليق على الأزمة، قال الصيدلاني نصير حبيب: ان "الأسواق العراقية تشهد ارتفاعات مستمرة في أسعار الأدوية، ومع أن وزارة الصحة تحاول ضبط المشهد من خلال مراجعة أسعار المستوردات ووضع تسعيرة رسمية وفق معايير التكلفة والجودة، إضافة إلى مراقبة دورية للأسواق والصيدليات، إلا أن ذلك لا يكفي، فالمطلوب ليس فقط إصدار التسعيرة الرسمية بل تفعيل آليات الرقابة بشكل مستمر وفرض عقوبات صارمة على المخالفين سواء من الصيدليات أو المستشفيات الأهلية لضمان وصول العلاج بأسعار مناسبة لكل المواطنين".
وأضاف حبيب لـ"طريق السعب"، ان "الوزارة تواجه صعوبة حقيقية في مراقبة المستشفيات الأهلية بسبب التداخل بين القطاعين العام والخاص ونقص الكوادر الرقابية، فضلاً عن التباين الكبير في أسعار المستوردات بين الجهات المختلفة، وهو ما يضاعف من صعوبة حماية المواطنين، ويجعل الجهود الحكومية أقل فاعلية".
وتابع أن "الأزمة تحمل أبعادا سياسية واقتصادية، إذ يعكس التباين في الأسعار ضعف الرقابة وتأثير اللوبيات التجارية على سوق الدواء، وان استمرار تأخير تحديث القوانين المتعلقة بتنظيم سوق الأدوية يفتح المجال أمام الاستغلال التجاري على حساب المصلحة العامة، ويضع صانعي القرار أمام ضغط شعبي متزايد، لذلك يجب اتخاذ خطوات عملية عاجلة".
وأوضح حبيب انه "رغم أن وزارة الصحة تؤكد التزامها بمراجعة الأسعار ومراقبة الأسواق، فإنها لم توضح آليات مواجهة المخالفات في المستشفيات الخاصة، ما يطرح تساؤلات جدية حول قدرة الحكومة على تطبيق القانون وحماية المواطن من موجة الغلاء، وهذا يزيد من أهمية أن يتحول هذا الملف إلى أولوية سياسية فعلية، لا مجرد موضوع إداري تقني، لما له من تأثير مباشر على حياة المواطنين وحقهم في الحصول على العلاج الضروري".
وأشار إلى أن استمرار التباين في الأسعار وغياب آليات الرقابة الفعالة يترك الباب مفتوحًا أمام استغلال تجاري للقطاع الدوائي، في حين يشعر المواطنون بالضغط المتزايد على ميزانياتهم، ويطالبون بتحرك حكومي سريع لضمان العدالة في الحصول على الدواء بأسعار مناسبة.
كارثة "صحية"
وحذر الناشط الصحي سامر العلي، من أن ارتفاع أسعار الأدوية وتكاليف العلاج في المستشفيات الأهلية تحول إلى كارثة حقيقية تهدد حياة المواطنين العراقيين، خصوصًا ذوي الدخل المحدود والمرضى المزمنين.
وقال العلي في حديث لـ"طريق الشعب"، ان "الوضع وصل إلى حد مأساوي. تصلنا يوميا قصص عن أشخاص عاجزين عن شراء أدويتهم. أحد مرضى السكري في بغداد اضطر لترك علاجه، وامرأة من الكرخ مجبرة على صرف كامل راتبها على أدوية علاج زوجها الذي يعاني من مرض في الدم. وهناك عائلة من الصالحية اضطرت لبيع أغراض البيت لتأمين علاج طفلهم المصاب بالربو المزمن. هذه الشواهد ليست حالات فردية، بل انعكاس لواقع مؤلم يعيش فيه المواطن يوميا".
وأضاف العلي ان "غياب الرقابة على المستشفيات الأهلية والصيدليات يسمح بالاستغلال الصريح للمواطن. اليوم المواطن مضطر لدفع أسعار خيالية مقابل علاجات يجب أن تكون متاحة للجميع، وما يزيد الطين بلة أن المرضى المزمنين وكبار السن هم الأكثر تضررًا، حيث تعتمد حياتهم على أدوية ثابتة وضرورية".
وطالب العلي الحكومة ووزارة الصحة بـ"تخاذ إجراءات عاجلة وفورية، تشمل وضع تسعيرة عادلة للأدوية، مراقبة المستشفيات والصيدليات بشكل مستمر، وفرض عقوبات صارمة على كل من يستغل المرضى".
وأكد أن أي تأخير في معالجة هذه الأزمة "يعني مزيدا من المعاناة والمرض، وقد يصل الأمر إلى الموت البطيء لمواطنين عاجزين عن تحمل تكاليف العلاج".
أسعار الدواء تثقل كاهل المرضى
ويؤكد سعد بداي، عضو نقابة الأطباء في العراق، أن واقع الدواء في البلاد يحمل مفارقة واضحة بين وفرة الأنواع وصعوبة الوصول الفعلي إليها. فبرغم امتلاء السوق العراقية بأدوية من مناشئ متعددة، إلا أن الدواء ـ باعتباره مادة كيمياوية حساسة تُكتب من قبل الطبيب وتُصرف عبر الصيدلاني ـ لا يُعامل كما يُعامل الغذاء أو السلع الاستهلاكية التي يحصل عليها المواطن متى يشاء.
ويشير بداي في حديث لـ "طريق الشعب"، إلى أن القاعدة العلمية تقضي بأن تكون عملية الحصول على الدواء منظمة ومقيدة، لكن المشهد العراقي يكسر هذه القاعدة؛ إذ تُعدّ البلاد من أكثر دول العالم تساهلاً في صرف الأدوية من دون وصفة، حتى إن المواطن يستطيع شراء معظم العلاجات مباشرة من الصيدليات.
غير أن الإشكال الحقيقي، بحسب بداي، لا يكمُن في الوفرة، بل في الكلفة. فكثير من الأدوية، ولا سيما تلك الخاصة بالأمراض المزمنة، أصبحت مرتفعة الثمن بشكل يثقل كاهل المرضى، رغم وجود بدائل أقل ثمناً قد تؤدي الغرض ذاته أو تقدّم أثراً علاجياً مقارباً.