اخر الاخبار

دفعت أزمة المياه المتفاقمة في عديد من مناطق البلاد، الأهالي إلى البحث عن بدائل غير آمنة صحياً، أبرزها حفر الآبار المنزلية الصغيرة داخل الحدائق، فضلا عن الاعتماد على السيارات الحوضية التي باتت المصدر الوحيد للمياه في كثير من القرى والأرياف. وتبدو الأزمة أكثر وضوحاً في محافظات الوسط والجنوب. إذ أدى تراجع الإطلاقات المائية في الأنهر إلى توقف مشاريع الإسالة الرئيسة في عدد غير قليل من المناطق، فيما تتزايد شكاوى السكان من سوء الأوضاع اليومية في ظلّ غياب حلول مستدامة لتلك الأزمة.

وفي غياب الحلول يجد الناس أنفسهم مضطرين إلى الاعتماد على المياه الجوفية ليس للشرب فقط، إنما للزراعة أيضا. هذا التحوّل القسري نحو تلك البدائل يضع ضغطا هائلا على الخزين الجوفي الذي يحتاج إلى سنوات طويلة كي يتجدّد، بينما تُسحب منه اليوم كميات تفوق قدرته على التعويض. ومع استمرار الحفر العشوائي للآبار، يقترب هذا المخزون الثمين من مرحلة الخطر التي قد تنعكس مباشرة على الأمن المائي.

وتكمن المشكلة الأخرى في نوعية تلك المياه. فبعض الآبار تضخ مياها ملوّثة أو محمّلة بنسب مرتفعة من الكبريت والأملاح والبكتيريا الضارة، ما يجعلها غير صالحة للشرب ومهددة لصحة السكان وتربة الأراضي الزراعية على حد سواء. ويؤدي هذا الارتفاع في الملوحة، مع الزمن، إلى تملّح مساحات واسعة من الأراضي، وإضعاف الإنتاج الزراعي، وتفاقم كلفة معالجة المياه. 

معاناة يومية

يتحدث مواطنون من محافظة الديوانية عن معاناتهم مع أزمة المياه، التي تحوّلت إلى عبء يومي. إذ تقف عائلات في طوابير طويلة منتظرة وصول الحوضيات كي تزودها بمياه الشرب. بينما تضطر أخرى إلى الاعتماد على مياه الآبار المنزلية، رغم عدم صلاحيتها أحيانا.

تقول المواطنة أم تحسين، وهي من سكان إحدى قرى الديوانية، أن عائلتها تنتظر السيارة الحوضية كل يوم من أجل الحصول على كمية مياه تكفي للشرب والطبخ، مبينة في حديث صحفي أن ماء البئر في منزلها لا يصلح حتى للحيوانات، بسبب رائحته السيئة.

وتلفت إلى ان "المياه في منطقتنا باتت تعامل بوصفها سلعة نادرة. ننتظر ساعات وربما أياما حتى تصلنا، وكل بيت يأخذ حصته بحدود 200 إلى 300 لتر فقط، وهذه الكمية لا تكفي أسبوعاً".

وفي قضاء غماس في الديوانية، تفاقمت أزمة مياه الشرب كثيرا، بسبب انخفاض الإطلاقات المائية في النهر المغذي، وبالتالي توقف مشروع الإسالة، وهو ما دفع الكثيرين إلى حفر الآبار والاعتماد على ما يصلهم من مياه بواسطة السيارات الحوضية.

يقول قائم مقام القضاء وضاح الزيادي، أن "سوء التنسيق بين المناطق الواقعة شمالي القضاء، كالشامية والصلاحية والمهناوية، أدى إلى استنزاف الإطلاقات القليلة المتاحة عبر الاستخدام الزراعي، وهو ما أثر على مشاريع تصفية المياه".

ويوضح في حديث صحفي أن "كمية المياه الواصلة هذا العام انخفضت إلى نحو 20 متراً مكعباً. وهي كمية لا تصل فعلياً إلى غماس بسبب مرورها بمناطق زراعية واسعة قبل وصولها للقضاء، وأن المتبقي لدينا مياه ضحلة وآسنة ناتجة عن اختلاط الإطلاقات الثقيلة، ولا يمكن استخدامها منزلياً"، مضيفاً أن "مشروع الماء الرئيس في غماس توقف عن العمل بسبب امتلاء الغطاسات بالطين على إثر شح المياه. لذلك لجأت السلطات المحلية إلى حلول أبرزها تنظيم جداول يومية لإرسال سيارات حوضية إلى القرى والأرياف". 

مصاريف إضافية

في السياق، يقول المواطن أسعد الفراتي من بابل، أنه "اضطررنا إلى حفر بئر في حديقة البيت، بعد ما فقدنا الأمل بوفرة ماء الإسالة. وقد كلفتني البئر مبلغا كبيرا، بين عمليات الحفر وشراء المضخة وغيرها من المستلزمات".  ويشير في حديث لـ"طريق الشعب"، إلى ان ماء البئر لم يُسعفهم. إذ تبيّن انه ملوث وذو لون وطعم غريب، وبعد فترة بدأت تظهر على أفراد عائلته مشكلات معوية وتهيجات جلدية، مضيفا قوله أنه "راجعنا الطبيب فأخبرنا بأن السبب على الأغلب هو المياه الجوفية الملوثة".  ويتابع الفراتي قوله: "نحن من أجل الماء لم نعد ندفع من جيوبنا فقط، إنما من صحتنا أيضا. بينما الحكومة عاجزة عن إغاثتنا ببدائل ماء آمنة".

أما المواطن يَعرب كريم من إحدى قرى صلاح الدين، فيقول أن مياه الإسالة أصبحت شبه منعدمة في قريتهم، ما اضطرهم إلى حفر بئر، مضيفا في حديث لـ"طريق الشعب"، أن ماء الإسالة لا يصلهم إلى نادرا، وان الأهالي لم يعودوا يتحمّلون هذا الواقع المأزوم.

ويستدرك "لكن حفر البئر كلّفنا مبالغ مرتفعة تفوق قدرة أي أسرة بسيطة، من أجور الحفّارة إلى شراء المضخة والأنابيب وتجهيز منظومة التشغيل. كما نُجبر على صيانة البئر دوريا بسبب احتوائها على ترسبات وأملاح، ما يضيف مصاريف شهرية تثقل كاهلنا".

ويشير كريم إلى ان "الحصول على مياه نظيفة أصبح عبئا ماليا مستمرا، يُضاف إلى أعباء المعيشة الأخرى". 

تحذيرات من أضرار

تثير هذه الظروف قلق منظمات مجتمعية وناشطين. إذ يجري التحذير باستمرار من تأثير شح المياه على الصحة العامة، خصوصاً مع اضطرار الأهالي إلى استخدام مياه غير آمنة.

وتقول الناشطة في حقوق المرأة والطفل، سعاد الزيدي، أن "تراجع إمدادات مياه الشرب في المحافظات لم يعد أزمة خدمية وحسب، إنما قضية حقوقية تمس الحق في الحياة"، داعية في حديث صحفي، الحكومة المركزية والحكومات المحلية إلى "وضع خطة طوارئ مائية تضمن وصول مياه صالحة للاستخدام البشري، لا سيّما إلى المناطق الأكثر فقراً".

كما تُحذّر من "ارتفاع احتمالات انتشار الأمراض المنقولة بالمياه، مثل الإسهال الحاد والتسمم المعوي، نتيجة لجوء السكان إلى مصادر بديلة غير آمنة"، معتبرة أن "الاعتماد المستمر على الحوضيات لا يمكن أن يشكل حلا دائما. إذ تعاني مناطق عديدة عدم انتظام وصول تلك الحوضيات إليها، فضلاً عن ارتفاع تكلفتها".