اخر الاخبار

اتفاقية النفط بين بغداد وأربيل

نموذج للتسوية أم حلّ مؤقت؟

لموقع المجلس الأطلسي، كتبت فيكتوريا تايلور ويريفان سعيد مقالًا حول توصل الحكومة الاتحادية، وحكومة إقليم كردستان، وشركات النفط السبع الكبرى، وشركة نفط كردية محلية، إلى اتفاقٍ بشأن تسويق النفط المُنتَج من آبار الإقليم عبر خط الأنابيب العراقي–التركي، وذلك بعد ما يقرب من عامين ونصف من الحوار.

ووصف المقال الاتفاق بأنه هش، وإنْ كان بالغ الأهمية، لأنه يُمثّل ترتيبًا فنيًا وقانونيًا لاستئناف تدفّق النفط، وتجربة سياسية في التوفيق بين السيادة الاتحادية والاستقلال الإقليمي واحترام العقود المبرمة، في واحدة من أكثر البيئات السياسية تعقيدًا في العالم.

تفاصيل الصفقة

وسرد المقال تفاصيل الخلاف الذي تسبب في نشوء المشكلة بين بغداد وأربيل، والذي أدى إلى خسارة إقليم كردستان لأكثر من 35 مليار دولار، منذ إغلاق خط الأنابيب في آذار 2023، حين أدانت محكمة باريس الدولية تركيا بسبب سماحها للإقليم بتصدير نفطه الخام بشكلٍ مستقل، منتهكةً بذلك معاهدة عام 1972 الموقعة بينها وبين العراق، والتي تُنظّم استخدام خط الأنابيب، وأمرتها بدفع 1.5 مليار دولار لبغداد.

ورغم أن توقُّف الصادرات جاء نتيجةً لقرار أنقرة بإغلاق الأنابيب، فإن العقبات الرئيسة أمام إعادة فتحها تمحورت حول النزاعات المتعلقة بالسيادة، والموارد الطبيعية، وصلاحيات الحكومتين الاتحادية والإقليمية، وشرعية عقود شركات النفط العالمية في الإقليم، بالإضافة إلى التنافس السياسي في البلاد.

ونبّه المقال إلى ما تتسم به الآليات الفنية والقانونية للاتفاقية الحالية من تعقيدات شديدة، تعكس التوازن بين المصالح الدستورية، والتاريخية، والسياسية، والتجارية، بل وحتى الجيوسياسية المتنافسة؛ حيث تُلزِم حكومة إقليم كردستان بتسليم ما لا يقل عن 230 ألف برميل نفط يوميًا إلى وزارة النفط في الحكومة الاتحادية، مع السماح لها بالاحتفاظ بخمسين ألف برميل يوميًا للاستخدام المحلي، فيما تتولى بغداد دفع رسوم عبور خطوط الأنابيب، وسداد مستحقات شركات النفط العالمية المتعلقة بتكاليف الإنتاج والنقل، وفق تقييم تجريه لاحقًا شركة استشارية دولية تعاقدت معها وزارة النفط.

تنازل متبادل

وأعرب الكاتبان عن اعتقادهما بأن الاتفاق يُمثّل، سياسيًا، انتصارًا ملحوظًا لواشنطن، التي مارست ضغوطًا كبيرة لإعادة فتح خط الأنابيب منذ إغلاقه، في إطار مساعيها لجلب المزيد من النفط إلى السوق العالمية، ولضمان مصالح المستثمرين الأمريكيين في شركات النفط العالمية ذات الصلة.

كما يُمثل الاتفاق ـ حسب الكاتبين ـ انتصارًا وتنازلًا متلازمين لكل من بغداد وأربيل؛ إذ استعادت فيه بغداد الرقابة على الصادرات وأدرجت براميل أربيل ضمن قانون الموازنة الاتحادية، محققةً بذلك هدفًا طويل الأمد، بينما حافظت حكومة إقليم كردستان على قطاع الطاقة محليًا، وضمنت تسديد تكاليف إنتاجها، واحتفظت بالقدرة على بيع النفط في الخارج — على الأقل في الوقت الراهن — وإنْ كان ذلك تحت مظلة المؤسسة العامة لتسويق النفط.

وكما تنازلت بغداد عن الحصانة السيادية بقبولها اللجوء إلى التحكيم الدولي، تنازلت أربيل عن حقها في تسويق مستقل للنفط، الذي سيُطلق عليه اسم "نفط كركوك"، وليس "نفطًا كرديًا"، فيما شعرت شركات النفط ببعض الارتياح مع استئناف الصادرات، نظرًا لإمكانية استرداد مستحقاتها وتكاليفها بعد انقطاع طويل.

استمرار التحديات

ورأى الكاتبان أن من أبرز التحديات الداخلية وجود جو من عدم اليقين، إذ أن الاتفاقية قابلة للتجديد كل ثلاثين يومًا حتى نهاية عام 2025، ما يُؤكد غياب الثقة، ويجعلها عُرضةً لنقاط ضعف ناتجة عن تحولات سياسية محتملة، واضطرابات تشغيلية، وصدمات خارجية — خاصةً إذا استغلها معارضو رئيس الحكومة الاتحادية في الدعاية الانتخابية، إذ كان هؤلاء من أبرز مَن عرقل الوصول إلى الاتفاق، معتبرين إياه تنازلًا كبيرًا لحكومة إقليم كردستان.

وأعرب الكاتبان عن خشيتهما من أن يتحوّل الاتفاق إلى قضية انتخابية، مما قد يخلق ضغوطًا لإعادة النظر في بعض بنوده، أو حتى رفضه، بغض النظر عن مزاياه الفنية، لاسيما في ظل الدعم الذي قدّمته واشنطن لرئيس الحكومة مقابل هذا الاتفاق من جهة، ورغبته شخصياً في الحفاظ على علاقات قوية معها من جهة اخرى.

كما يُشكّل انتهاء صلاحية اتفاقية نقل النفط الخام العراقي تهديدًا خارجيًا للاتفاق. فقد أشارت تركيا بالفعل إلى ضرورة التفاوض على معاهدة جديدة بحلول تموز 2026 لضمان استمرار تدفق النفط. وبالتالي، فإن سعي تركيا إلى اتفاق طاقة أوسع يشمل الغاز والكهرباء، بالإضافة إلى مطالبتها بمرونة أكبر في التعاقد مع مستخدمين آخرين — مثل حكومة إقليم كردستان — قد يُعرّض الاتفاق، بل وربما النظام بأكمله، لخطر التوقف التام.