المنبر والانتخابات
نشر موقع "The New Region" الناطق بالإنجليزية تقريرًا لمراسله في أربيل تطرق فيه إلى الحملات الدعائية الجارية في البلاد، استعدادًا للانتخابات التشريعية المزمع إجراؤها في الحادي عشر من الشهر القادم، والدور السياسي الذي يلعبه المنبر الديني في هذه الحملات.
اختلاط المقدّس بالسياسي
وذكر المراسل أن العراقيين يعتبرون المنبر الديني من أهم ركائز الحياة الاجتماعية والروحية، ومساحةً لتعزيز القيم الدينية. ولهذا، كان تحوّل بعض المنابر تدريجيًا من دورها الروحي البحت إلى مساحات للحشد الانتخابي وساحات صراع على النفوذ بين الأحزاب والكتل السياسية – خاصة بعد التغييرات الكبرى في العقدين الماضيين – سببًا، كما يبدو، في تزايد مخاوف الناس من اختلاط المقدّس بالسياسي، واستخدام الأول في التأثير على الناخبين، وربما في إثارة بعض المشاعر الطائفية التي يُنتقد وجودها بشدّة من قبل عموم العراقيين، وخاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وأكد التقرير على أن الباحثين يعتبرون استخدام المنابر للدعاية الانتخابية ابتعادًا جوهريًا عن هدفها الأصلي، لأنها وُجدت للحث على التقوى والإصلاح، ولا علاقة لها بالدعاية السياسية، أو بالدعم العلني والمباشر لسياسيين مرشحين، كان بعضهم قد اتُّهم بشبهات فساد، بل وكان منهم من أُدين بها قبل أن يُعفى عنه، رغم إدانته.
ضعف هيبة القانون
وذكر التقرير أن عددًا من المختصين قد أعربوا عن قلقهم الشديد من تحوّل بعض المنابر إلى منصّات انتخابية، مما قد يُجردها من قدسيتها، ويُطيح بدورها في تعزيز القيم الروحية والأخلاقية، وقد يُفاقم الانقسامات، ويُسيّس الخُطب، ويُضعف ثقة الجمهور برجال الدين وخُطب صلاة الجمعة، التي تُعتبر مرجعًا أخلاقيًا جامعًا، حسب تقديرهم.
كما نقل عن خبراء قانونيين رأيهم بأن غياب القوانين الخاصة بمنع استخدام المنابر في الحملات الانتخابية، وضعف الرقابة، وحجم الضغوط التي تمارسها الجهات السياسية النافذة، والتفسيرات الشخصية التي تفتقر إلى ضبط النفس، سمحت مجتمعة للأحزاب السياسية باستغلال الرمزية الدينية في المنافسة الانتخابية.
استغلال سياسي بامتياز
واستنادًا إلى دراسات ميدانية، ذكر التقرير أن لشبكات الضغط الاجتماعي والسياسي دورًا محوريًا في جذب بعض الوعّاظ إلى الساحة السياسية، واستغلالهم في توجيه الرأي العام، بدءًا من خدمة توجهات سياسية محددة، ثم للترويج لمصالح حزبية معيّنة، وأخيرًا لتوجيه الناخبين نحو مرشحين محددين ضد منافسيهم، حتى لو كان أولئك المنافسون من ذات التوجّه والأهداف.
وإلى جانب مخاطر تطوّر هذه الممارسات إلى مناشدات طائفية صريحة، وتبرير انتخاب سياسيين فاسدين لمجرد انتمائهم إلى جماعة طائفية، فإنها تُهدد بالتسامح مع الفساد باسم الهوية، وتُقوّض دور المنبر كمساحة روحية موحّدة، يُنتظر منها دور مهم في مكافحة الفساد وتعزيز قيم المواطنة والعمل وتكافؤ الفرص.
ما العمل؟
وبعد أن ذكّر التقرير بالدعوات المتكررة للمرجعيات الدينية بإبعاد المنابر عن السياسة وخلط الدين بالانتخابات، أشار إلى أن هذه التحذيرات بقيت مجرد نصائح أخلاقية تفتقر إلى آليات رقابة حقيقية لتطبيقها.
ونقل عن مختصين قولهم بضرورة اتخاذ موقف أوضح وأكثر حسمًا، ورقابة رسمية وشعبية أقوى لحماية المنبر من التسييس. فالحل – في تقديرهم – يكمن في إقرار قوانين انتخابية تحظر استغلال المنابر، وبذل جهود أكبر من جانب السلطات الدينية لتنظيم عمل الخطباء والأئمة. مؤكدين أن التلاعب السياسي بالرموز المقدسة لا يُهدد نزاهة الانتخابات فحسب، بل يُقوّض أيضًا أخلاقيات الممارسة الدينية نفسها. ولهذا، فمن أراد السياسة، فليترك المنبر مؤقتًا لمن يحافظ على حياده.