تواجه المستشفيات الحكومية في العراق أزمة متفاقمة، حيث أحيل تشغيل بعض المشاريع إلى شركات استثمارية، ما زاد من تكاليف التشغيل وأرهق مؤسسات الدولة، فيما بقي المواطنون يواجهون نقصاً حاداً في الأجهزة الطبية والكوادر المتخصصة.
مشاريع إنشاء مستشفيات كبيرة في عدة محافظات لا تزال غير مكتملة، والأموال المخصصة لها تُستنزف دون تحقيق الأهداف المرجوة، ما دفع المرضى للجوء إلى القطاع الخاص ودفع تكاليف باهظة مقابل الحصول على أبسط الخدمات الطبية. هذا الواقع يعكس هشاشة التخطيط في القطاع الصحي وغياب الرقابة الفعالة على استثمار الأموال العامة.
البلاد بحاجة الى 100 مستشفى جديد
وذكر عضو لجنة الصحة النيابية باسم الغرابي، أن "البلاد تواجه فجوة كبيرة في الخدمات الطبية تتطلب جهوداً وخططاً مستدامة لمعالجتها"، مشيراً إلى "حاجة العراق لأكثر من مئة مستشفى جديد لتغطية الطلب وفق معايير منظمة الصحة العالمية".
وقال الغرابي لـ"طريق الشعب"، إن اللجنة "تابعت حجم التحديات في القطاع الصحي، واتضح أن الفجوة كبيرة جداً وتحتاج إلى خطط طويلة الأمد"، موضحا أن "المشكلة لا تقتصر على إنشاء المؤسسات الصحية، فالكثير منها مجرد مبانٍ فارغة، تفتقر إلى العلاجات والمستلزمات والأجهزة الطبية".
وأضاف أن "نقص السيولة المالية فاقم الأزمة، إذ لم تتسلم وزارة الصحة سوى 60 في المائة من مخصصاتها لعام 2024، ولم تصلها مخصصات 2025 إلا جزئياً"، مشيرا إلى أن "العديد من الأجهزة الطبية متوقفة أو متضررة نتيجة الاستخدام المستمر دون صيانة، فيما أعلنت دائرة صحة الرصافة توقف العمليات الجراحية في القطاع العام، ما أجبر المواطنين على اللجوء إلى القطاع الخاص وتحمل كلف باهظة".
وتابع أن "مشاريع المستشفيات المتلكئة، ومنها التركية والأسترالية، ما زالت متوقفة رغم صرف مبالغ محدودة لإنجازها"، مبيناً أن "الفساد الإداري ودخول الأحزاب السياسية في المناقصات أسهما في تعطيل تقديم الخدمات".
وأكد الغرابي، أن "وزارة الصحة لا تحظى بالأولوية في الموازنات العامة مقارنة بوزارات أخرى كالدفاع والداخلية، رغم أن الحصول على الرعاية الصحية حق دستوري"، داعياً إلى "وضع خطة حكومية متكاملة لتوفير الأدوية والأجهزة والمستلزمات الطبية والسيطرة على الفساد في القطاع الصحي".
وختم بالقول إن "العبرة ليست بعدد المستشفيات، بل بمدى إشغال الأسرة وتوفير الخدمة الطبية الحقيقية، لأن المواطن عندما لا يجد علاجاً أو رعاية في المستشفى يضطر للجوء إلى القطاع الخاص أو السفر للعلاج خارج البلاد".
مستثمرون أرهقوا مؤسسات الدولة
واعتبر النائب أمير المعموري أن إحالة تشغيل عدد من المستشفيات إلى شركات استثمارية لم يكن الخيار الأمثل، مؤكداً أن الأموال المخصصة لهذه المشاريع كان بالإمكان توجيهها نحو قطاعات خدمية أكثر أهمية.
وقال المعموري لـ"طريق الشعب" إن بعض المشاريع شهدت "دخول المستثمرين بشكل سلبي، ما أدى إلى إرهاق مؤسسات الدولة وزيادة الصرفيات"، مشيراً إلى أن مهاماً أساسية كانت منوطة بالوزارات والمؤسسات الحكومية تحولت إلى القطاع الخاص، كما حصل في مشاريع إنشاء مستشفيات بسعة 420 سريراً في نحو سبع محافظات.
وأضاف أن هذه المبالغ الكبيرة كان يمكن استثمارها في مجالات خدمية أخرى أكثر أولوية، داعياً إلى "مراجعة سياسات الاستثمار في القطاعات الحيوية، وفي مقدمتها الصحة، لضمان الحفاظ على المال العام وتحسين مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين".
نقص في الكوادر والأجهزة الطبية
الطبيب المتخصص زهير العبودي، أكد أن المؤسسات الصحية في العراق لا تزال تعاني من تهالك شديد، مؤكداً أن جميع الجهود الحكومية حتى الآن لم تثمر نتائج مرجوة.
وأضاف العبودي في تعليق لـ"طريق الشعب"، أن بعض المستشفيات الحكومية، التي حاولت السلطات افتتاحها، ما زالت قيد الإنشاء بعد أكثر من 10 إلى 15 سنة من العمل عليها، موضحا أن المشكلة غير محصورة بالبنية التحتية للمستشفيات، بل تمتد لتشمل نقص الكوادر الطبية والأجهزة الطبية.
وأشار الطبيب إلى أن المواطن لا يزال بعيداً عن مستوى الرعاية الصحية اللائقة، وأن المسؤولين السياسيين يعترفون بالعجز الحكومي في إدارة وتوظيف الكوادر وترتيب شؤون القطاع الصحي الحيوية.
وقال "إذا كان المسؤولون يعترفون بالعجز، فكيف سيكون حال المواطن العادي وجماعة القطاع الصحي التي تشاهد الواقع بأعينها؟"، مبينا أن تحسين القطاع الصحي يحتاج إلى جهود حقيقية وشاملة، تشمل تحديث المستشفيات، توفير الأجهزة الطبية الحديثة، وتوظيف كوادر متخصصة، لضمان تقديم الرعاية الصحية المناسبة للمواطنين.
غياب برامج التوعية الصحية
وتحكي مريم لازم، إحدى العاملات في القطاع الصحي، عن معاناة يومية لا تنتهي، مؤكدة أن المستشفيات والمراكز الصحية تعاني من نقص حاد في المواد الأساسية.
وتقول أن "القطاع الصحي يعاني من نقص في مواد التعقيم والتورنيكات والأدوية المطلوبة. كما ان الأسرّة قليلة جدا، وحتى القطن الذي نحتاجه للعمل اليومي غير متوفر"، فيما ترهن ذلك بـ"الفساد وسوء الإدارة".
وتضيف أن المسؤولين عن ادارة المستشفيات غالبا ما يتغاضون عن حاجات المرضى الحقيقية: "لو كانت هناك رقابة حقيقية وإدارة فعّالة، ما وصلنا لهذا الانهيار".
وتختتم لازم تعليقها لـ"طريق الشعب"، بالحديث عن غياب برامج التوعية الصحية التي تمنع انتشار الأمراض، ما يجعل المستشفيات غير قادرة على حماية المجتمع من المخاطر الصحية.
أجهزة متوقفة وعمليات معلّقة
قال المواطن ياسر محمد، من سكان بغداد، إنه يعاني مثل بقية المواطنين من نقص الأجهزة الطبية في المستشفيات الحكومية، موضحاً أن جهاز الفحص الوحيد في مستشفى اليرموك غالباً ما يكون معطلاً.
وأضاف: "كل مرة أراجع المستشفى لأجل الفحص أجد الجهاز لا يعمل، وهو الجهاز الوحيد المتوفر".
واشار محمد إلى أن اضطراره للجوء إلى دكتورة خاصة لاجراء الفحص يكلفه ٣٥٠ ألف دينار، أي ما يعادل نصف راتبه التقاعدي مستثنى منه بقية الفحوصات والادوية، مضيفا ان "العلاج غال، والأجهزة الطبية غير متوفرة، وكل شيء يحتاج إلى انتظار أسابيع طويلة قبل أن تتمكن من الفحص أو الحصول على الخدمة".
وتابع محمد، أن هذه المعاناة اليومية تشمل طوابير طويلة أمام العيادات والمختبرات، حيث يقضي المرضى ساعات وأحياناً أياماً للحصول على موعد، فضلاً عن نقص الكوادر الطبية الماهرة، ما يزيد من صعوبة الوصول إلى التشخيص والعلاج في الوقت المناسب.
وزاد بالقول أن بعض المرضى يضطرون للتنقل بين مستشفيات متعددة لإجراء الفحوصات الأساسية، بينما يواجه آخرون صعوبة في تحمل تكاليف العلاج الخاص.