اخر الاخبار

يواجه العراق واحدة من أسوأ الأزمات المائية في تاريخه الحديث، بعدما انخفضت مناسيب نهري دجلة والفرات إلى مستويات حرجة، مهددةً الزراعة ومياه الشرب وحياة ملايين المواطنين، فيما يقول مراقبون إن الحل يتطلب إدارة استراتيجية متكاملة، وتطوير البنى التحتية، وحملات وطنية للتوعية والاستخدام الرشيد للمياه، إضافة الى الحصول على حصة عادلة للعراق في مياه النهرين.

وانعقد يومَ الجمعة الماضي اجتماع رسمي مشترك في أنقرة بينَ وفدين عراقي وتركي، لبحثِ ملفِّ المياهِ وتعزيزِ التعاونِ الثنائيِّ في هذا المجال الحيويّ.

وقال بيان صادر عن الخارجية العراقية، إنه عُقد بعدَ ذلك اجتماعِ اللجنةِ الفنيّةِ المشتركةِ بينَ البلدين، حيثُ ترأّسَ الجانبِ العراقيِّ وزير المواردِ المائيّة عونُ ذياب، فيما كان عن الجانبِ التركيِّ وكيل وزارةِ الزراعة والغاباتِ أبو بكر كزلِ كيدر، وبحضورِ أعضاءِ اللجنةِ الفنيّةِ من كلا البلدين.

وخلالَ الاجتماع، استعرضَ ذياب الواقعَ المائيَّ في العراق والتحدّياتِ التي تواجهُ البلادَ جرّاء انخفاضِ الوارداتِ المائيّةِ من حوضَي دجلةَ والفرات، مؤكداً أهميّةَ زيادةِ الإطلاقاتِ المائيّةِ، خصوصًا في حوضِ نهرِ دجلة، كما تطرّقَ إلى الإجراءاتِ التي اتّخذتْها وزارةُ المواردِ المائيّةِ لمعالجةِ الأزمةِ، ولا سيّما في محافظاتِ الوسطِ والجنوب.

طلب عراقي من الحكومة التركية

وعلى هامش الاجتماع، قال وزير الموارد المائية عون ذياب عبدالله، ان الوفد العراقي طالب الجانب التركي بـ"زيادة الإطلاقات المائية لنهري دجلة والفرات بمقدار مليار متر مكعب في الثانية لشهري تشرين الأول والثاني، بواقع 500 م³/ثا لكل من النهرين، لتحسين الإيرادات المائية خلال الخمسين يوماً المقبلة.

وقال الوزير إن الوفد قدم عرضاً مفصلاً عن واقع المياه في العراق والتحديات التي يواجهها قطاع الموارد المائية، مؤكداً أن هذا العام يُعدّ الأصعب مائياً في تاريخ البلاد منذ عام 1933، مشيراً إلى أن الجانب التركي أبدى استعداده لمساعدة العراق رغم معاناته من أزمة الجفاف ذاتها، كون العراق دولة مصبّ ويتأثر بشكل أكبر.

وبيّن الوزير أن الجانبين اتفقا على مسودة اتفاق إطاري يتعلق بالمياه، سيتم توقيعه في بغداد، ويتضمن تنفيذ مشاريع إروائية وسدود لحصاد المياه، بمشاركة كبريات الشركات التركية الرصينة.

مرصد: المباحثات "فشلت"

من جهته، وصف مرصد "العراق الأخضر"، المباحثات التي أجراها مؤخرا وفد عراقي مع الجانب التركي لمعالجة ملف المياه، بأنها "فاشلة"، مشيرا الى ان "الحديث عن تفعيل الاتفاقية الإطارية للتعاون في مجال المياه بين العراق وتركيا، غير واقعي ومجدي".

وقال المرصد في بيان تلقته "طريق الشعب"، إن "تركيا تحاول ان تجعل العراق (يستجدي) الاطلاقات المائية خاصة أن هناك الكثير من المصالح التي تحققت لها، بسبب نقص المياه في العراق، وحصول مشكلة أكثر تعقيدا بقيام العراق ومنذ عقدين على الأقل، باستيراد مياهه افتراضياً من دول الجوار".

وأضاف المرصد في بيانه أن "تركيا ترفض ومنذ عقود توقيع أي اتفاقية من اجل استحصال حقوق العراق المائية وإمكانية تقاسم الضرر معه".

الطاقة الخزنية خاوية

وحول الموقف المائي للبلاد، بيّن المتحدث الرسمي باسم وزارة الموارد المائية، خالد شمال، أن "الطاقة الخزنية للسدود العراقية حالياً شبه فارغة، وهو ما يفسر انخفاض نسب الخزن، رغم أن السعة الكلية للسدود تفوق 90 مليار متر مكعب".

وقال شمال في تصريح لـ"طريق الشعب"، أن المشكلة الأساسية في العراق ليست في قدرة التخزين، بل في قلة الإيرادات المائية، مشيرا شمال إلى أن العراق ليس بحاجة إلى إنشاء سدود كبيرة جديدة، بل يحتاج إلى زيادة الإيرادات المائية.

وأكد أن الوزارة تعمل على تنفيذ مشاريع حصاد المياه من خلال 36 سداً، وقد تم الشروع بعدد منها بالفعل، خاصة في المناطق التي تشهد معدلات أمطار عالية وتسمح طبيعتها الجغرافية بتشكل السيول، مثل نينوى والأنبار وديالى وواسط وميسان والنجف والسماوة.

وذكر أن العراق يمتلك منظومة قوية من السدود الكبرى، مثل سد الموصل، دوكان، دربندخان، حديثة، والعظيم، إضافة إلى خزانات طبيعية مثل الثرثار والحبانية، وهي قادرة على مواجهة أي موجة فيضانية محتملة.

وخلص الى أن الوزارة نفذت برنامجاً متكاملا لأعمال الصيانة والتفتيش لجميع السدود ومنشآت الري عبر الهيئة العامة للسدود وهيئة الصيانة، بهدف ضمان الاستعداد المبكر لموسم الأمطار.

وضع مائي حرج جدا

فيما وصف الخبير في الزراعة والمياه، تحسين الموسوي، الوضع المائي في العراق بأنه حرج جداً، ويصل إلى مستويات لم تشهدها البلاد من قبل.

وقال الموسوي، إن خزائن المياه انخفضت إلى أقل من 5 مليارات متر مكعب، وربما أقل من ذلك بحسب تقديرات الخبراء.

وأضاف أن سوء الإدارة الداخلية، إلى جانب تقليص أو قطع الإطلاقات المائية من الدول المشاركة في الموارد المشتركة، يضع الحكومة العراقية أمام مسؤوليات جسيمة.

وأوضح الموسوي لـ"طريق الشعب"، أن ضغط الاستخدام الداخلي للمياه في الزراعة والتنمية والبنى التحتية، إلى جانب الضغوط السياسية والاجتماعية، ساهم في تفاقم الأزمة.

وأكد أن الجميع أصبح يدرك حجم المشكلة من خلال الهجرة، والجفاف، وتراجع مستويات الأحواض النهرية، ونضوب المسطحات المائية والأهوار، وارتفاع الملوحة في مياه الشرب في المحافظات الجنوبية مثل البصرة.

وبيّن الموسوي ان "مسألة إدارة المياه تبدأ بثقافة الاستخدام وتنتهي بواجب الحكومة في تطوير البنى التحتية، وهذا الملف لم يأخذ الأولوية، وشهد ترحيلاً من أكثر من حكومة متعاقبة."

وأكد أن استنزاف المياه الجوفية، بسبب ندرة المياه السطحية وقلة الدراسات الدقيقة، يضع الموارد المائية في خطر كبير، خاصة فيما يتعلق بمياه الشرب. وزاد بالقول أن الملف الخارجي للمياه أيضاً يعاني من ضعف التفاوض، إذ لم تُبرم اتفاقيات أو بروتوكولات واضحة مع الدول المجاورة، ما يجعل العراق الطرف الأضعف في المعادلة.

وحذر من أن السياسات الحالية أدت إلى أزمة مائية مستمرة، وأن الحلول المتكررة مثل فرض الغرامات أو تقليص الخطط الزراعية أو إطلاق المياه بشكل جزئي ليست سوى حلول سطحية.

وشدد على ضرورة إطلاق حملة وطنية شاملة تشمل الاستخدام الرشيد للمياه، التوعية، تطوير البنى التحتية، والحلول العاجلة والاستراتيجية بعيد المدى.

كما أشار إلى أن العراق بحاجة إلى مجلس أعلى للسياسات المائية، وضغط دبلوماسي ودولي على الدول المشاركة في الموارد المائية، خصوصاً تركيا وإيران، لضمان حقوق العراق المائية.

وأكد أن السدود والمسطحات المائية وصلت إلى مراحل حرجة تتطلب تدخلات عاجلة وحلولاً حقيقية بعيداً عن الممارسات التقليدية.

يذكر انه في نهاية شهر أيلول الماضي اتفق ثلاثة وزراء في الحكومة على إجراء مفاوضات مع الجانب التركي لتأمين المياه للبلاد خلال شهر تشرين الاول وتشرين الثاني.

وانعقد في حينها اجتماع تشاوري ثلاثي ضم كلا من: وزير الزراعة عباس المالكي، و وزير الموارد المائية عون ذياب، و وزير البيئة هەلو العسكري جرى خلاله مناقشة عدد من الملفات "المهمة أبرزها" تأمين مياه الشرب والاستخدامات البشرية بالدرجة الاولى، ثم الحفاظ على الوضع البيئي للأنهار وعدم تلوثها،و مناقشة الخطة الزراعية للموسم الشتوي، وفقا لبيان صادر عن وزارة الزراعة.

وكانت وزارة الموارد المائية قد أكدت، في شهر تموز الماضي، أن قلة الاطلاقات من دول المنبع وتأثير التغير المناخي، أدى إلى إنخفاض الخزين المائي بشكل كبير، مشيرة إلى أن العام 2025 هو من أكثر السنوات جفافاً منذ العام 1933.

وتشتد أزمة الجفاف في العراق على نحو غير مسبوق، بسبب قلّة هطول الأمطار خلال السنوات الماضية نتيجة التغير المناخي، وبسبب تراجع مستويات المياه الواصلة عبر نهري دجلة والفرات، جراء سياسات مائية لإيران وتركيا أبرزها بناء السدود على المنابع وتحويل مساراتها، ما يهدد بوقوع كارثة إنسانية في البلاد.

ويعد العراق من بين أكثر خمس دول تضرراً من التغير المناخي بحسب تقارير للأمم المتحدة ومنظمات دولية معنية بالموضوع.

وقالت منظمة البنك الدولي، في نهاية العام 2022، إن العراق يواجه تحدياً مناخياً طارئاً ينبغي عليه لمواجهته التوجه نحو نموذج تنمية "أكثر اخضراراً ومراعاةً للبيئة"، لا سيما عبر تنويع اقتصاده وتقليل اعتماده على الكربون.

ووفقا لتقرير صادر عن المنظمة، فإنه وبحلول العام 2040، "سيكون العراق بحاجة إلى 233 مليار دولار كاستثمارات للاستجابة إلى حاجاته التنموية الأكثر إلحاحاً فيما هو بصدد الشروع في مجال نمو أخصر وشامل"، أي ما يساوي نسبة 6% من ناتجه الإجمالي المحلي سنوياً.

وكان مركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان قد افاد مؤخرا، بأن العراق فقد نحو 30% من الأراضي الزراعية المنتجة للمحاصيل بسبب التغيرات المناخية خلال السنوات الثلاثين الأخيرة.