انقسام عراقي بين متفائل ومتشائل
نشرت صحيفة (بوسطن هيرالد) الأمريكية تقريرًا عن الانتخابات التشريعية العراقية المزمع إجراؤها في الشهر القادم، وصفتها فيه بأنها خطوة مهمة يمكن أن تحدد مسار البلاد في واحدة من أكثر اللحظات حساسية في الشرق الأوسط منذ سنوات. فلا تزال المخاوف قائمة من جولة جديدة من الصراع بين الكيان الإسرائيلي وإيران، رغم هدوء التوترات الإقليمية بعد وقف إطلاق النار في غزة، في وقتٍ تواجه فيه بغداد ضغوطًا متزايدة من واشنطن بشأن وجود جماعات مسلحة حليفة لإيران داخل العراق، دون أن يشفع لها بقاؤها على الحياد خلال الحرب القصيرة بين الطرفين في حزيران الماضي.
خلفية سياسية
واستعرض التقرير الطريقة التي شُكِّلت بها الحكومة الحالية والدعم الذي تلقّته من هذه الجماعات في عام 2022 وما تلاه، إضافة إلى التغيير التدريجي الذي طرأ على مواقفها منذ أن راحت تحاول تحقيق توازن في علاقات العراق بين طهران وواشنطن. وتوقّع التقرير أن يترك هذا التغيير أثرًا كبيرًا على مسعى رئيس الحكومة للحصول على ولاية ثانية بعد الانتخابات، وهو أمر نادر الحدوث في البلاد منذ التغيير السياسي عام 2003.
منافسة محتدمة
وحول المشاركين والغائبين عن الانتخابات، ذكر التقرير أن هناك 7768 مرشحًا، من بينهم 2248 امرأة، يتنافسون على 329 مقعدًا في مجلس النواب، وينتمون إلى كتل "مكوناتية" مختلفة يقودها سياسيون مشاركون في السلطة منذ سنوات، إضافةً إلى مجموعة من القوى الإصلاحية والمدنية العابرة للطائفية، وتلك المنبثقة عن احتجاجات تشرين 2019. ونبّه التقرير إلى أن التيار الصدري بزعامة السيد مقتدى الصدر هو الغائب الأبرز في هذه الانتخابات، بعد أن قرر مقاطعتها رغم أنه فاز في سابقتها بأكبر عدد من المقاعد، قبل أن ينسحب إثر فشل المفاوضات لتشكيل حكومة، وما زال ملتزمًا بالمقاطعة. كما أعلن ائتلاف النصر بقيادة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي مقاطعته للعملية الانتخابية، متهمًا إياها بالفساد.
شراء الأصوات
وأشارت الصحيفة إلى انتشار واسع لاتهامات تتعلق بتفشي الفساد وشراء الأصوات، إلى الحد الذي وصف فيه المراقبون هذه الانتخابات بأنها الأكثر استغلالًا منذ عام 2003 من حيث المال السياسي وتسخير موارد الدولة. ونقلت عن مسؤول في حملة انتخابية (طلب عدم الكشف عن هويته) قوله إن أغلب المرشحين، بما فيهم الكتل الكبرى، يشترون بطاقات الناخبين، إذ وصل سعر البطاقة إلى 300 ألف دينار عراقي أي ما يعادل أكثر من 200 دولار. كما نقل التقرير تأكيد المفوضية العليا المستقلة للانتخابات التزامها بإجراء عملية "عادلة وشفافة"، مشيرة إلى اتخاذ "إجراءات صارمة لمراقبة الإنفاق الانتخابي ومنع شراء الأصوات"، وأنها ستستبعد أي مرشح يثبت تورطه في ذلك.
العنف السياسي
واعتبرت الصحيفة عملية اغتيال عضو مجلس محافظة بغداد صفاء المشهداني، وهو مرشح عن منطقة الطارمية، في تفجير سيارة، مؤشرًا على العنف السياسي الذي يرافق الانتخابات، خاصة بعد أن أكدت التحقيقات أن الجريمة "مرتبطة بالمنافسة الانتخابية". ونوّه التقرير إلى مشاركة العديد من الفصائل المسلحة في المنافسة الانتخابية رغم احتفاظها بالسلاح، في مخالفة للقانون ولتصريح سابق لرئيس الحكومة أكد فيه على أن "الفصائل المسلحة التي تحولت إلى كيانات سياسية لها حق دستوري في المشاركة بالانتخابات إذا تخلت عن السلاح"، معتبرًا ذلك "خطوة في الاتجاه الصحيح".
الولاية الثانية
وذكرت الصحيفة أن رئيس الحكومة سعى إلى تقديم نفسه كسياسي براغماتي يركّز على تحسين الخدمات العامة، ويبدو أنه استفاد من ذلك، إذ تشير استطلاعات الرأي إلى تحسّن نظرة العراقيين للوضع العام.
وأظهرت نتائج مجموعة المستقلة للأبحاث (المرتبطة بجمعية غالوب الدولية) أنه للمرة الأولى منذ عام 2004، يعتقد نصف العراقيين أن البلاد تسير في الاتجاه الصحيح. واستدركت الصحيفة قائلة إن منصب رئيس الوزراء لا يعتمد فقط على نتائج الانتخابات، بل على تفاهمات الكتل السياسية والإقليمية والدولية، وإن خلافات رئيس الحكومة مع بعض حلفائه السابقين قد تعرقل فرصه في الحصول على ولاية ثانية.
أما بالنسبة إلى النصف الآخر من العراقيين، فيرى التقرير أنهم لا يعلّقون آمالًا كبيرة على الانتخابات، إذ يقولون إن شيئًا لم يتغير: لا الماء، ولا الكهرباء، ولا الجفاف، ولا الخدمات.