اخر الاخبار

تشهد بغداد وعدد من المحافظات، منذ أيام، تشويشا على عمل أنظمة تحديد المواقع (GPS) وتطبيقات الخرائط العالمية، فيما تواجه الحكومة اتهاما بتعطيل تلك الخدمة خلال فترة الانتخابات، بدعوى الحفاظ على الأمن، ومنع استغلال تلك الخرائط في تتبع تحركات القوات الأمنية، أو استهداف مراكز الاقتراع.

القرار الذي وصفه مختصون بأنه "إجراء وقائي ضمن مفهوم الأمن الذكي"، جوبه بانتقادات حادة من منظمات حقوقية وإعلامية اعتبرته مساساً بحرية الإنترنت والمعلومات، وتقييداً غير مبرر للفضاء الرقمي في ظرف يفترض أن يعزز فيه الانفتاح والشفافية الانتخابية.

وكشفت مصادر أمنية عن "قرار حكومي" يقضي بتعطيل خدمات تحديد المواقع (GPS) في بعض المناطق، قبيل موعد الانتخابات البرلمانية في 11 تشرين الثاني المقبل، لأسباب تتعلق بـ“منع استغلال الخرائط الرقمية في تتبع تحركات القوات الأمنية أو استهداف مراكز الاقتراع”.

ورصدت عمليات التشويش على إشارات الأقمار الصناعية وأنظمة الملاحة (GPS وGLONASS وGALILEO) في مناطق متعددة من بغداد ومحافظات الشمال والجنوب، وهي مؤشرات فنية على نشاط متعمّد يُستخدم فيه تجهيز متطور لأغراض أمنية محددة.

انتهاك لحق الوصول إلى الإنترنت

في المقابل، أعرب مركز النخيل للحقوق والحريات الصحفية عن قلقه من هذه الإجراءات، معتبراً أنها تشكل انتهاكاً لحق الوصول إلى الإنترنت والمعلومات، وتمثل قيداً غير مبرر على الحريات الرقمية.

ودعا المركز السلطات إلى تجنّب أي خطوات تحدّ من حرية الوصول إلى التطبيقات والخدمات الرقمية، وضمان أن تبقى الانتخابات نموذجاً للانفتاح والثقة، لا سبباً لتقييد الفضاء الإلكتروني أو المساس بالحقوق المدنية.

وذكر المركز في بيان ورد لـ"طريق الشعب"، أن حرمان المواطنين من الخدمات الحيوية تحت أي ذريعة أمنية أو انتخابية يشابه قطع الإنترنت خلال الامتحانات، ويعد انتهاكاً لحق الاتصال والتواصل، إضافةً إلى تأثيره السلبي على الأنشطة الاقتصادية والخدمية، داعيا إلى تجنب أي إجراءات تحدّ من حرية الوصول إلى الإنترنت أو التطبيقات الأساسية، وضمان أن تبقى العملية الانتخابية مثالاً للانفتاح والثقة، لا مبرّراً لتقييد الفضاء الرقمي أو الانتقاص من الحقوق المدنية.

أضرار اقتصادية ومجتمعية

من جهته، قال المدير التنفيذي لمنظمة تدارك لحقوق الانسان، مصطفى عبد الواحد، أن قطع خدمة الإنترنت خلال فترات الامتحانات يمثل انتهاكا صريح لحق الإنسان في التواصل والحصول على المعلومة، وهو حق أساسي تكفله المواثيق والمعاهدات الدولية.

واضاف عبد الواحد في تعليق  لـ "طريق الشعب"، أن الحق في الاتصال وخدمة الإنترنت يُعد من حقوق الجيل الثالث من حقوق الإنسان، التي أقرّتها الالتزامات الدولية وأكدت حمايتها بموجب الاتفاقيات والمواثيق الأممية، معتبرا أن قطع الإنترنت لأي سبب غير مبرر، حتى وإن كان خلال الامتحانات، يشكل عائقًا أمام الأفراد والمؤسسات والشركات، ويؤثر سلبًا في الأنشطة الاقتصادية والتجارية والإعلامية، نظرًا لاعتماد العالم اليوم على الإنترنت كأداة رئيسية لإنجاز الأعمال ومتابعتها.

وأشار عبد الواحد إلى وجود تشويش متكرر على بعض المواقع الإلكترونية، خاصة تطبيقات مثل خرائط جوجل (Google Maps) ونظام تحديد المواقع (GPS) في عدد من المناطق، دون معرفة الأسباب الحقيقية لذلك. وأكد أن هذا الأمر يثير قلق المنظمات والأفراد، لما له من تأثيرات سلبية على عمل الشركات والمنظمات والمواطنين.

وختم عبد الواحد بالتأكيد على أن للمواطن الحق الكامل في الحصول على خدمة الإنترنت دون قيود أو حرمان، داعيًا الحكومة إلى التوقف عن هذه الممارسات واتخاذ بدائل واقعية ومهنية لمعالجة الظواهر السلبية، دون المساس بحقوق الأفراد الأساسية. كما عبّر عن قلق المنظمة من استمرار هذه الإجراءات التي تؤدي إلى أضرار اقتصادية ومجتمعية واسعة وتمس مختلف القطاعات في البلاد.

سابقة خطيرة

أما علي العبادي، رئيس المركز العراقي لحقوق الإنسان، فيقول أن ما شهدته الايام الماضية من تقييد لحرية بعض المدونين والصحفيين وحجب لقاءات إعلامية يمثل "سابقة خطيرة تمس جوهر الديمقراطية" في البلاد.

وقال العبادي في تصريح صحفي، إن “قضية التشويش والتقييد التي طالت عدداً من المدونين والصحفيين، من خلال حجب بعض اللقاءات، تُعدّ خطوة مقلقة تمس حرية التعبير المكفولة دستورياً بموجب المادة (38)، التي تنص بوضوح على ضمان حرية الطباعة والنشر والتعبير عن الرأي والاحتجاج السلمي”.

وأضاف أن "هذا الموضوع يحتاج إلى متابعة وضغط من الفعاليات المدنية ومن مؤسسات الإعلام وحقوق الإنسان، فضلاً عن المراقبين الدوليين، لضمان عدم تكرار مثل هذه الانتهاكات".

ودعا العبادي لجنة الإعلام والاتصالات في مجلس النواب إلى "فتح تحقيق عاجل ومتابعة ما جرى خلال اليومين الماضيين"، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن "قضية التشويش على بعض المواقع الإلكترونية تتطلب تحركاً من وزارة الاتصالات والجهات المعنية لمحاسبة المسؤولين عن هذه الممارسات".

وشدد على ضرورة أن "تأخذ لجنة حقوق الإنسان البرلمانية دورها في مناقشة هذه السلوكيات الخطيرة داخل المجلس، وأن يتبنى رئيس مجلس الوزراء والوزارات المعنية موقفاً واضحاً وصارماً لحماية حرية الكلمة والفضاء الإلكتروني"؟

واختتم العبادي بالتأكيد على أن "حرية التعبير وحرية الإعلام هما حجر الأساس لأي نظام ديمقراطي، وأي مساس بهما يشكّل انتكاسة خطيرة تستوجب وقفة جادة من جميع الأطراف".

لأسباب أمنية؟

من جهته، قال مختص في مجال الاتصالات، احمد السالم، إن تعطيل خدمات GPS في بعض المناطق خلال فترة الانتخابات يُرجح أن يكون لأسباب أمنية، مضيفاً أن "هذه الإجراءات مؤقتة ومحدودة جغرافيًا، لكنها تؤثر على الأفراد والشركات التي تعتمد على الخرائط الرقمية في أعمالها اليومية".

وأضاف السالم في تعليق لـ "طريق الشعب"، أن التحكم في قطع الإنترنت أو تعطيل التطبيقات عادةً يتم بالتنسيق بين الجهات الحكومية وشركات الاتصالات، مع استخدام تقنيات مثل تقييد الإشارات الجغرافية أو تعطيل خدمات محددة لفترات قصيرة، وهو ما يحد من تأثيرها على الاستخدام العام، لكنه لا يلغي الإزعاج على بعض القطاعات.

وأكد أن تعطيل GPS يترك أثرا على المؤسسات اللوجستية والشركات التي تعتمد على تتبع المركبات أو البيانات الحية، موضحًا أن توفير بدائل مؤقتة وإشعارات مسبقة يقلل من الضرر، لكنه لا يغني عن الحاجة لمتابعة تأثير هذه الإجراءات على الأنشطة اليومية والاقتصادية.

ويقول مصدر أمني، أن "الهدف الأساسي من هذا التشويش هو حماية تحركات قوافل ومواقع حساسة، ومنع استخدام التطبيقات الجغرافية في أغراض استخباراتية أو غير مشروعة"، موضحاً أن "العراق شهد حالات مشابهة خلال فترات الانتخابات السابقة أو أثناء أحداث أمنية كبرى، إذ تلجأ الجهات الأمنية إلى تفعيل وسائل التشويش كإجراء احترازي ضمن خطط حماية البنى التحتية الحساسة".

الدوافع الانتخابية واضحة

وتابع قائلاً ان "هناك دوافع انتخابية واضحة خلف توقيت هذه الإجراءات، فالتشويش الحالي يأتي ضمن ترتيبات أمنية تهدف إلى تأمين مراكز العد والفرز ومواقع التخزين الإلكتروني للنتائج، في ظل مؤشرات عن محاولات خارجية لتعقب أنظمة البيانات أو مراقبة حركة المراقبين والكوادر الفنية عبر الأقمار الصناعية والطائرات المسيرة".

فيما يرى الخبير في شؤون الأمن السيبراني حسن الكعبي أن التشويش على أنظمة الملاحة "يأتي ضمن جملة من الإجراءات الوقائية التي تتخذها السلطات العراقية قبيل الانتخابات، لمنع أي محاولات اختراق أو تتبع إلكتروني".

ويضيف الكعبي أن "أنظمة العد والفرز الإلكتروني، ومراكز البيانات التابعة للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، تشكل أهدافاً محتملة للهجمات السيبرانية، ما يبرر تشديد الإجراءات في محيطها".

لكنه يحذر في الوقت نفسه من أن "استمرار هذه الحالة دون تنسيق واضح مع الجهات المدنية قد ينعكس سلباً على الحياة اليومية للمواطنين، خصوصاً في النقل والخدمات اللوجستية والطوارئ الطبية التي تعتمد على نظم تحديد المواقع".

أخيرا، يقول السائق أحمد حسن، الذي يعمل في خدمة النقل عبر التطبيقات الذكية، إن "الخرائط أصبحت غير دقيقة منذ نحو أسبوع، خصوصاً في مناطق الكرادة والجادرية والمنصور، ما يسبب ارتباكاً كبيراً للسائقين ويؤثر في عملنا اليومي".

ويضيف "أحياناً لا نستطيع تحديد موقع الزبون بدقة أو الوصول إلى العنوان الصحيح، فيضطر البعض لاستخدام الإرشاد الهاتفي بدل الخرائط الإلكترونية".

من جانبها، نفت وزارة الاتصالات، قيامها بالتشويش على نظام الـ(GPS) في بغداد حتى انتهاء الانتخابات البرلمانية.