على مدى يومي الجمعة والسبت الماضيين، احتضنت حدائق ابي نؤاس، فعاليات مهرجان "طريق الشعب" بموسمه العاشر، والذي يمثل الحدث الصحفي الأبرز في العراق، من حيث تنوع الفعاليات وأهميتها، فضلا عما يعكسه من عمق في العلاقة بين الصحافة الحرة والمجتمع، والتي اسستها وارستها صحافة الحزب على مدى تسعة عقود.
قص شريط المهرجان
صبيحة الجمعة، 31 تشرين الأول، وقرب نصب شهريار وشهرزاد، افتتح رئيس تحرير جريدة "طريق الشعب" الرفيق مفيد الجزائري فعاليات المهرجان، بإلقاء كلمة في المناسبة، بعدها قام سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، الرفيق رائد فهمي، بقص شريط المهرجان ايذاناً بانطلاق فعاليات الموسم العاشر.
وكانت الاجواء أكثر من مثالية: طقساً وحضوراً. فيما ملأت الفعاليات المنسقة المكان. وفي كل زاوية نشاط وحديث ولقاء يتجدد، على مدار الساعة. كان الجمهور يتجول في فضاء المهرجان قبل انطلاق فعاليات الندوات في الخيمة الكبرى.
الندوة الأولى
انطلقت الندوة الأولى، المعنونة: "الانتخابات البرلمانية.. احدى وسائل التغيير"، وتحدث فيها كل من استاذ العلوم السياسية الدكتور عبد الجبار أحمد، والكاتب والصحفي فلاح المشعل، وعضو اللجنة المركزية للحزب الرفيق بهجت الجنابي، فيما أدار الندوة الرفيق ايوب عبد الحسين. وشهدت الندوة مداخلات مهمة تزامنا مع قرب اجراء الانتخابات البرلمانية بدورتها السادسة.
الندوة الثانية
في منتصف النهار، انطلقت فعاليات الندوة الثانية، وخصصت لشخصية المهرجان، حيث اختارت اللجنة التحضيرية الراحل الدكتور فالح عبد الجبار شخصية الموسم العاشر، وحاضر فيها كل من: د. لاهاي عبد الحسين، ود. جاسم الحلفي، ود. سعد سلوم، والكاتب والروائي زهير الجزائري، فيما ادار الندوة، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي فاروق فياض.
في الندوة، تحدثت د. لاهاي عن أطروحات د. فالح عبد الجبار في الدولة والمجتمع، وركزت على منهجه في تحليل البنية الاجتماعية والسياسية العراقية، ورؤيته للعلاقة بين الدين والدولة، والسلطة والمجتمع المدني. واشرت أبرز محاور مشروعه النظري الذي حاول من خلاله قراءة التحولات التاريخية والفكرية في العراق من منظور سيسيولوجي يستند إلى الماركسية النقدية. كما قارنت بين بعض أفكاره ومقولات مفكرين آخرين مثل علي الوردي.
فيما قارن د. سعد سلوم بين الوردي وعبد الجبار من زاوية تطور الفكر الاجتماعي العراقي، حيث ركز الأول على المجتمع فيما ركز الثاني على الدولة.
وقدم الكاتب زهير الجزائري شهادة إنسانية عن فالح عبد الجبار، استعرض فيها محطات حياته الكفاحية والعملية والفكرية، منذ بداياته في العمل السياسي والتنظيمي، مروراً بتجربته في المنفى، وتحدث عن فالح بوصفه مثقفاً جمع بين العمل الميداني والبحث الأكاديمي، وبين الالتزام السياسي والنزعة المعرفية النقدية.
بدوره، قال د. جاسم الحلفي، عن الراحل عبد الجبار، انه "كان يعلّمنا أن المثقف لا يقف على التل بل ينزل إلى الميدان، كان يزرع فينا منهج التفكير النقدي وربط المعرفة بالفعل. شارك معنا في ساحة التحرير عام 2016 مؤمناً بأن الفكر لا يكتمل إلا بالفعل، وكرّس دراسته الأخيرة لتحليل حركة الاحتجاج بوصفها تحوّلاً في الوعي الوطني، مؤمناً بأن المعرفة فعل مقاومة، وأن الفكر حين يتصل بالناس يصبح طاقة للتغيير".
انشطة متنوعة ومشاركة شبابية
بعد ذلك، استمرت أنشطة المسرح الصغير بتقديم الفعاليات النوعية، حيث تنوعت الفقرات. وقدّم الفنان امير النهر عزف صولو على آلة العود، وقراءات شعرية للشعراء: علاء حميد، تبارك عسكر، سجاد حسين، محمد لاكوط، فضلا عن تقديم مسرحية "طريق الشعب" للمخرج والممثل محمد علي، فيما شاركت فرقة الصويرة الموسيقية في تقديم عدد من الاغنيات ادتها الشابة حنين عامر، اضافة الى تقديم فعالية نوعية لفرقة الرقص "الجوبي" حظيت بتفاعل كبير من الجمهور.
الندوة الثالثة
الندوة الثالثة والأخيرة ضمن فعاليات اليوم الأول، كانت بعنوان: "الصحافة الرقمية.. وتقنيات الذكاء الاصطناعي"، حاضر فيها كل من: د. ارادة الجبوري، ود. صفد الساموك، والصحفي علي شغاتي، فيما ادارتها عضو اللجنة المركزية للحزب الرفيقة دينا الطائي.
تناولت الندوة الدور الذي يؤديه الذكاء الاصطناعي والتحديات التي تواجه العاملين في المؤسسات الصحفية، وكيف بدأت المؤسسات بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي في انتاج المواد الاعلامية وتأثير هذا الأمر على العاملين في هذا القطاع.
استذكار المواسم السابقة
بعد ختام الفعاليات في خيمة الندوات، وانتهاء فقرات المسرح الصغير، بدأت فعاليات الحفل المركزي على المسرح الكبير، والتي دشنت بتقديم كلمة اللجنة التحضيرية للمهرجان "منشورة في صفحة 5"، القاها رئيس تحرير جريدة "طريق الشعب"، الرفيق مفيد الجزائري، استذكر فيها انطلاقة المهرجان في عام 2013، الحدث الأول والوحيد من نوعه عراقيا وعربيا، وهو شعور يغمر الصحفيين الشيوعيين لسنين طويلة، مع كل مشاركة لجريدتنا "طريق الشعب" في مهرجانات الصحافة الشيوعية والتقدمية، في بلدان القارة الأوروبية بشكل خاص.
واضاف الجزائري، انه "تسع دورات والمسيرة تتواصل، وهذه الدورة العاشرة تشهد وتضيف المزيد، وتمثل الافق الحافل بالوعد لهذا المهرجان، الذي شقّ طريقه خلال السنوات الماضية، بدعم من الاوساط الإعلامية والثقافية والاكاديمية والمدنية، ومن جمهوره الواسع المتسع باضطراد".
ونوه الجزائري في ختام الكلمة، الى تطلع القائمين على المهرجان في السنة المقبلة، الى اقامته في عراق افضل، عراق سائر بإرادة بناته وابنائه، على طريق الأمان والاستقرار والمواطنة والعدل الاجتماعي.
بعد الكلمة، بدأت فعاليات المهرجان الشعرية والفنية، حيث قرأ الشاعران، عباس الغالبي وسمير السلمان قصائد معبرة، فيما احيت الحفل الختامي فرقة بغداد الفنية بقيادة الفنان علي حسن، فضلا عن مشاركة رائعة لفرقة ينابيع العراق برفقه الفنان علي طلال.
اجواء بغدادية ومساهمات كبيرة
صبيحة اليوم الثاني، السبت، عادت اجواء المهرجان إلى القها، والوافدون يتجولون بين اللوحات التشكيلية والمنحوتات والبازارات واكشاك الصحف والمكتبات ودور النشر ومنظمات المجتمع المدني والنقابات، فضلا عن باحة "المطعم" بحلته الجديدة، والذي قدم أكلات بغدادية شهية، وحرص القائمون عليه من الرفيقات والرفاق، على اظهاره بما يليق بالمهرجان واوقاته الطويلة.
واحتضنت خيمة الندوات، فعالية جديدة، حيث ساهم الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، بالشراكة مع "طريق الشعب" بإقامة ندوة عن: "الثقافة ودورها في الارتقاء بالوعي"، تحدث فيها كل من: د. سمير الخليل، الاستاذ علي الفواز، د. فوزي الهيتي، وادارها الاستاذ حسب الله يحيى.
بعد الندوة، عادت انشطة الفضاء المفتوح، واستمرت الفعاليات الفنية المتنوعة في المسرح الثانوي، والذي احتضن مساهمات من بغداد والمحافظات.
حوار عن العراق والبديل
في الساعة الثالثة ظهراً، تحولت فعاليات المهرجان الى ندوة مركزية، حيث توقفت جميع الأنشطة الثانوية التي اتسم بها المهرجان خلال اليومين، حيث بدأت فعالية الندوة المركزية، في حوار موسع مع سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي الرفيق رائد فهمي، اداره الاعلامي المعروف عماد الخفاجي.
تحدث الرفيق فهمي، عن جملة من الموضوعات السياسية، والتحديات التي تواجه العراق محليا واقليميا ودوليا، فضلا عن الانتخابات البرلمانية المقبلة، وما افرزته التجربة السياسية خلال العقدين الماضيين من ازمات مستمرة وقائمة، وما انتجته قوى المحاصصة والطائفية في العراق، متحدثا عن البديل لانهاء هذا الوضع المتأزم.
التحرر من اغلال المحاصصة
وبعد ختام الندوة المركزية، بدأت فعاليات الحفل الختامي للمهرجان، وقدمت عضو اللجنة المركزية للحزب، الرفيقة انتصار الميالي، كلمة اللجنة التحضيرية للمهرجان في المناسبة "منشورة في الصفحة 5"، وجاء فيها، ان "المهرجان يجيء، وبلادنا تستعد وتهيئ لإجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة، التي نريدها حقاً ان تكون شفافة وعادلة ونزيهة وتعكس ارادة المواطنين العراقيين وتطلعاتهم الى مستقبل افضل، وبلد أمن ومستقر، متحرر من قيود وأغلال نهج المحاصصة، والسلاح المنفلت، والفساد المستشري. ان الكثير في هذه الانتخابات سيعتمد على المواطن وحسن أختياره، وان يمنح صوته لمن وقف ويقف معه مطالباً ومدافعاً عن حقوقه واماله".
واضافت: "انها فرصة لفتح فضاءات جديدة للعمل السياسي والبرلماني في بلدنا، عبر التكامل والتنسيق مع مختلف الفعاليات والنشاطات الجماهيرية والمطلبية والاحتجاجية، والتوجه للعمل المثابر لتوحيد الجهود والطاقات في اصطفاف وطني وشعبي واسع، يسعى الى البديل، وفرض ارادة الشعب".
جوائز المهرجان
وبعد الكلمة، بدأ حفل توزيع جوائز المهرجان السنوية، "جائزة كامل شياع للتنوير، جائزة هادي المهدي لحرية التعبير، جائزة شمران الياسري (ابو كاطع) للعمود الصحفي"، وكانت الجوائز من نصيب محدد من الفاعلين في هذه المجالات، حيث نال ملتقى "سومريون" جائزة التنوير، والمحامي محمد جمعة حصل على جائزة حرية التعبير، والكاتب ابراهيم المشهداني نال جائزة العمود الصحفي.
بعدها قرأ الشاعر المعروف حمزة الحلفي قصيدة بالمناسبة، تفاعل معها الجمهور. وفي ختام المهرجان البهيج، قدمت فرقة "اصوات بابل" بقيادة المايسترو علي خصاف باقة من الاغنيات التراثية المعروفة.
جوائز أخرى
وفي هذا العام تم منح جوائز أخرى لابرز ثلاث مساهمين ومشاركين وفاعلين ونشطين في فعاليات المهرجان، حيث حصل عليها كل من: الرفيقة عفيفة ثابت ام دريد وصحيفة الحقيقة البغداداية وصحيفة النصير الشيوعي.
نبأ قاس وحزين
ولم يشأ مهرجان "طريق الشعب" العاشر، ان يغادر دون ان يترك اثراً من النوع الحزين على قلوب العاملين في الصحيفة ورفاقهم واصدقائهم، حيث جاءت الصدمة القاسية برحيل الرفيق العزيز جواد كاظم الطائي "ابو أوس ـ علي مالية" في مغتربه الهولندي، تزامناً مع مهرجانه الذي احبه وقدم له الكثير في السنوات السابقة، وقرأ الرفيق الدكتور صبحي الجميلي، رسالة تعزية بهذا الرحيل المفجع، كان وقعها كبيراً على الحاضرين في ختام الفعاليات.