مع تصاعد المخاطر التي تواجه حرية التعبير والصحفيين، وتواصل الإفلات من العقاب عن جرائم القمع التي طالت المتظاهرين منذ تشرين الأول 2019، يواصل ناشطون ومدافعون عن حقوق الإنسان في العراق المطالبة بالعدالة والمساءلة، محذرين من أن استمرار الصمت الرسمي وعدم محاسبة المتورطين في قتل واعتداء وإخفاء عشرات الناشطين والمتظاهرين يُكرس ثقافة الإفلات من العقاب، ويضعف ثقة المواطنين بالدولة ومؤسساتها، ويهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
تعزيز الحماية!
ودعا رئيس مركز العراق لحقوق الإنسان، علي العبادي، إلى ضرورة تعزيز الحماية المهنية لوسائل الإعلام والصحفيين في جميع أنحاء العالم، ولا سيما في العراق، وتمكينهم من أداء رسالتهم النبيلة بأمان واستقلالية.
وقال العبادي لـ"طريق الشعب"، إن إسكات الصحفيين يعني إسكات صوت الحقيقة، وعندما تُكمم أفواه الإعلاميين، نفقد جميعًا أصواتنا".
وأشار إلى أن المركز ينظر بقلق بالغ إلى تزايد الأخطار التي يتعرض لها الصحفيون أثناء تأدية واجبهم المهني، سواء كانت اعتداءات لفظية أو تهديدات قانونية أو اعتداءات جسدية أو حالات اعتقال وتعذيب وحتى القتل، مؤكّدًا أن هذه الانتهاكات تمثل اعتداءً صارخا على حرية التعبير وحق المجتمع في المعرفة.
وأكد العبادي، أن مركز العراق لحقوق الإنسان يدعو السلطات العراقية وجميع الحكومات والمؤسسات الدولية إلى تبنّي سياسات وإجراءات واضحة تضمن سلامة الصحفيين ومحاسبة الجناة الذين يرتكبون الجرائم بحقهم، مشددًا على أن الإفلات من العقاب يشجع على تكرار الانتهاكات ويقوّض الثقة في العدالة وسيادة القانون.
وأضاف أن "الضحايا من الصحفيين الذين سقطوا في العراق على مدى السنوات الماضية يجسدون أسمى معاني المهنية والمصداقية، وستظل رسالتهم حاضرة في ضمير كل من يؤمن بالحرية والعدالة".
وختم العبادي بيانه بدعوة المجتمع الدولي والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان إلى الوقوف صفا واحدًا للدفاع عن حرية الصحافة والمطالبة بالمساءلة، مؤكدا أن حماية الصحفيين هي حماية للحقيقة، وأن حرية الإعلام هي الركيزة الأساسية لأي مجتمع ديمقراطي حر.
غياب ثقة المواطنين
وقال الناشط علي القيسي، إن السلطات الحالية لم تظهر أي إرادة حقيقية لمحاربة الإفلات من العقاب، موضحاً أن القوانين موجودة والمحاكم تعمل، لكن هناك حماية سياسية واضحة للمتورطين في الجرائم ضد المتظاهرين والناشطين.
وأضاف أن هذا الواقع يجعل العدالة غائبة والجرائم مستمرة دون محاسبة، مؤكدًا أن أي إصلاح قضائي أو أمني يواجه عقبات سياسية كبيرة تمنع تحقيقه.
وتابع القيسي حديثه لـ"طريق الشعب"، أن الإفلات من العقاب أثر بشكل مباشر على ثقة المواطنين بالدولة ومؤسساتها، لافتا إلى أن الناس أصبحوا يشعرون بأن النظام يحمي القتلة أكثر من حماية حقوقهم الأساسية.
وأوضح أن هذا الإحباط يقلل من المشاركة المدنية ويهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي على المدى الطويل، لأنه يفتح المجال أمام تكرار العنف.
وقال القيسي إن تدويل ملف ضحايا القمع أصبح ضرورة ملحة لضمان العدالة، مضيفًا أن المجتمع الدولي يمكن أن يساهم في حماية الشهود وعائلات الضحايا ومطالبة السلطات بكشف الحقيقة ومحاسبة المتورطين. وتابع أن الضغط الدولي والمجتمعي ليس تدخلاً في السيادة، بل وسيلة لضمان الحق في التعويض وإنصاف الضحايا، مؤكدًا أن كشف المسؤولين عن القتل والاختطاف واجب أخلاقي ووطني في الوقت نفسه.
حماية للمتورطين
وقال الناشط في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان سجاد علي، إن استمرار الإفلات من العقاب منذ احتجاجات تشرين 2019 يوضح أن هناك حماية سياسية متجذرة للمتورطين في القمع والقتل، مضيفًا أن كسر هذه الدائرة يتطلب إجراءات عملية وحقيقية، مثل تشكيل لجان قضائية مستقلة بإشراف دولي، وضمان الحماية الكاملة للشهود وعوائل الضحايا، ومتابعة قضائية صارمة لا تسمح لأي جهة سياسية بالتحكم في نتائج التحقيقات أو تعطيلها.
وأضاف علي لـ"طريق الشعب"، أن هناك العديد من الضحايا الذين لم يُحاسب قاتلوهم رغم وجود أدلة دامغة ووثائق مصورة، من بينهم شهداء مجزرة جسر الزيتون الذين سقطوا خلال التظاهرات السلمية، والناشط هشام الهاشمي الذي اغتيل أمام أعين الجميع، وعدد من المتظاهرين في الناصرية الذين اختفوا قسريًا ولم يُعرف مصيرهم حتى اليوم.
وأكد أن هذه الأمثلة تثبت أن الإفلات من العقاب أصبح نهجًا وليس مجرد تقصير فردي، وأن استمرار هذا الواقع يبعث برسالة خطرة لكل من يحاول الدفاع عن حقوقه أو المطالبة بالإصلاح.
وتابع علي، أن المجتمع المدني والدول المعنية بالملف العراقي يمكن أن تتعاون لإعادة فتح التحقيقات عبر توثيق الجرائم، وتقديم الدعم القانوني واللوجستي للشهود وعوائل الضحايا، مع ضمان حماية من يتقدم للإدلاء بشهادته، مؤكدًا أن هذا التعاون الدولي ليس تدخلاً في السيادة، بل وسيلة لضمان العدالة والمساءلة، خاصة مع فشل القضاء الوطني في محاسبة المتورطين حتى بعد مرور أكثر من خمس سنوات.
وقال علي ان "الرسالة التي يود الناشطون إيصالها واضحة: لن ننسى شهداءنا ولن نتوقف عن المطالبة بالعدالة. لن نقبل أن تُحمي السياسات الجناة أو تُسكت عن الجرائم التي أزهقت أرواح الأبرياء. العدالة ليست خيارا، بل واجب وطني وأخلاقي تجاه كل شخص فقد حياته أو تعرّض للأذى أثناء الدفاع عن حقوقه وحقه في الاحتجاج السلمي."
وأضاف قائلاً: "كل يوم يمر دون محاسبة هو يوم يُكرس ثقافة الإفلات من العقاب، ويضعف ثقة المواطنين بالدولة ومؤسساتها. لذلك نحن نطالب بالتحرك العاجل، وإصدار قوانين واضحة للعدالة الانتقالية تضمن كشف الحقيقة، والتعويض للضحايا، ومحاسبة كل من تورط في قتل أو اختطاف أو قمع المتظاهرين."