في ظلّ ما يشهده العراق من تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية عميقة، وحديث عن "التغيير" و"الإصلاح الجدي" كعناوين عريضة تسبق كل استحقاق انتخابي، يجيب سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي رائد فهمي عن أسئلة جوهرية حول المشهد العام، وما مضمون التغيير المنشود؟ وكيف يمكن تحقيقه؟ ومن هي القوى القادرة على صناعته؟
ووصف الرفيق فهمي، في الندوة الحوارية ضمن فعاليات مهرجان "طريق الشعب" بموسمه العاشر، والذي احتضنته حدائق ابي نؤاس يومي الجمعة والسبت الماضيين، وصف المرحلة الراهنة بأنها اختبار حقيقي لوعي المجتمع وإرادته، معتبرا الانتخابات وسيلة لتحديد طبيعة التغيير المطلوب، وفرصة لتجسيد مطالب الناس التي جرى تهميشها طويلاً.
وقال فهمي وهو يرد على محاوره الاعلامي المعروف عماد الخفاجي حول الأوضاع العراق وتحالف البديل: إنّ أزمات المنظومة الحاكمة هي نتيجة للنهج المتبع وسوء الإدارة وتداخل المصالح. كما تحدث عن موقع الحزب في المشهد الانتخابي، وعن رؤيته للتحالفات ومحاولات إعادة إنتاج المحاصصة، وعن موقفه من التأثيرات الخارجية في صناعة القرار العراقي. وتطرق أيضاً إلى التحديات البيئية والاجتماعية والاقتصادية التي يراها من أخطر ملفات المرحلة المقبلة.
حامل الشعارات الوطنية
وأكد الرفيق فهمي ان "الحزب الشيوعي في العراق لم يكن يوماً محصوراً بقضايا ضيقة أو اجتماعية فقط، بل كان دائماً حاملاً رئيسياً لكل الشعارات الوطنية، وعلى مدى عقود ارتبطت الوطنية العراقية بدور الحزب الشيوعي. فحين تُطرح القضايا الكبرى، نجد أن الديمقراطية نفسها ارتبطت بالحزب الشيوعي، رغم كل محاولات التشويه والإقصاء. لذلك نشعر بمسؤولية مضاعفة، سواء كنا في موقع القرار أو خارجه، بأن نكون فاعلين وممثلين حقيقيين".
وأضاف ان "منظومة التحالفات والعلاقات يجب أن تُدار باحترام وتقدير متبادل، ونحن منذ البداية واضحون في خطنا السياسي والفكري، وكل من يتعامل معنا يعرف من نحن وماذا نمثل. حين تتقدم الكثير من الجهات بطلب مشورتنا سواء جهات سياسية او ممثليات دبلوماسية أو التفاوض معنا، فإننا نصغي ونناقش، لكن قراراتنا تُبنى على قراءة واقعية وموضوعية للظروف وموازين القوى، لا على حسابات مصلحية ضيقة. ولهذا حتى خصومنا يعرفون أننا نتحدث من منطلق مسؤول وواضح، لا نخشَى اللقاء أو النقاش مع أي طرف، طالما أن الحوار قائم على أسس الاحترام المتبادل وحفظ الخصوصية الوطنية".
ونبه الى أن "المرشحين الذين يخوضون الانتخابات باسم الحزب أو ضمن التحالف، سواء فازوا أو لم يفوزوا، لا يعني ذلك نهاية الطريق. فحتى من لم يحصل على مقعد، يبقى قد خاض تجربة مهمة، وتواصل مع الجمهور، واكتسب حضورًا وخبرة ميدانية كبيرة. هذه التجربة بحد ذاتها تمثل قيمة مضافة، لأنها تُهيّئ المرشح ليكون فاعلًا في الاستحقاقات المقبلة، وتجعله أقرب إلى هموم الناس وأكثر فهمًا للواقع الانتخابي. وبالتالي، فإننا لا نتعامل مع المشاركة الانتخابية كغاية بحد ذاتها، بل كوسيلة للتجربة والتعلم وبناء قاعدة جماهيرية أوسع".
وأشار فهمي إلى أن "أغلب القادة السياسيين في البلدان الديمقراطية لم يفوزوا من محاولتهم الأولى. فمثلاً، الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران خاض عدة تجارب انتخابية قبل أن يصل إلى رئاسة الجمهورية. الأمر ذاته ينطبق علينا، فالمشاركة المستمرة والتفاعل مع الشارع هما ما يصنعان القادة الحقيقيين ويضمنان حضور الحزب في الحياة السياسية. كما يضيف للمرشح حضورا اجتماعيا وسياسيا على صعيد المحافظة".
وتابع قائلاً "نحن نختلف عن المرشحين الذين خاضوا الانتخابات الماضية. ففي ذلك الوقت، كان هناك تحالف قائم على بنية سياسية ورؤية معينة، ومع دخولهم البرلمان تعرضوا لضغوطات كبيرة، بعضهم استجاب، وبعضهم تهمش، وآخرون استمروا بمواجهة التحديات. أما اليوم، فنرى أن هناك أرضية أقوى للتواصل السياسي والاستفادة من التجارب السابقة. بالطبع هناك احتمالات أخرى، لكنها تبدو أقل قوة مقارنة بالسيناريو الحالي، لأن الفاعلين اليوم أكثر نضجًا وتجربة بما طرح من قضايا. على مدى التجارب السابقة، كان معظم المشاركين من الأحزاب، وليس من الأفراد فقط، والأحزاب نفسها وصلت إلى مستوى معين من النضج والخبرة".
واكد أن "تجربة انتخابات تشرين الماضية ما زالت حاضرة في هذه المرحلة، مما يعزز من فرص التواصل والاستقرار النسبي في العمل السياسي. بالنسبة لنا كحزب شيوعي وأحزاب أخرى كانت لها حضور أسبق، هذا الأمر يضيف عنصر ثبات وقدرة على الثبات بشكل أفضل".
البيئة والتغير المناخي
وفي جانب آخر من حديثه، تناول فهمي قضية البيئة والتغير المناخي قائلاً: ان "البيئة تعتبر من أكبر المخاطر التي تواجه العراق، وتُعتبر من أهم القضايا، هي تلك التي غالبًا ما يراها السياسيون أقل أولوية إلا في الحالات الطارئة. مواجهة هذه القضايا تتطلب سن قوانين، وتنفيذها، وتوجيه أولويات السياسات، وربطها بالموازنات العامة. هذه القضية ليست مجرد قضية إدارية أو تنظيمية، بل هي مسألة حياة ومجتمع. فالإهمال فيها له تكاليف كبيرة، سواء كانت بشرية أو مادية. فالمجتمع يعاني من أمراض ومشكلات صحية مثل السرطانات، وأعداد من الناس تموت نتيجة الإهمال. كما أن هذه المخاطر تسبب خسائر مادية مباشرة، فالأمراض تتطلب علاج، والعلاج يحتاج إلى أدوية ومستشفيات وبنية صحية قوية، وكل ذلك تترتب عليه أعباء اقتصادية كبيرة على الدولة والمجتمع. ويعتبر العراق من أكثر الدول تأثراً بالتغيرات المناخية، بالتالي ارتفاع في معدلات السرطانات بسبب التلوث في المياه والهواء، وهو أحد التحديات التي تواجه البرلمان القادم".
حديث عن العشيرة والهوية
وتعرض الرفيق فهمي الى موقفه من قضية العشيرة، قائلا انه ينطلق من مبدأ مبدئي يقوم على رفض التعامل العشائري والطائفي في الممارسة السياسية والاجتماعية، مشدداً على أن المواطنة هي الأساس في بناء الدولة العادلة.
وأشار في حديثه الى أنه "مصمم على عدم استخدام أي لقب عشائري، وحتى في الوثائق الرسمية أرفض أن يُحدد أي لقب يربطني بعشيرة معينة. أرى أن هذا موقف مبدئي: نتعامل مع الشخص على أساس شخصيته وليس وفق هويته الطائفية أو الدينية أو المناطقية، وهذا هو المبدأ الذي اعتمدناه".
وأضاف "حتى رفاقنا في الحزب الذين يستخدمون ألقابهم لا يصرون على ذلك، ونحن نطبق نفس المبدأ في التعليم. ففي المدارس بعدة دول ديمقراطية، يُرفض إظهار أي هوية قد تؤثر على تعامل المدرس مع الطالب، لأن المدرس قد يحكم على الطالب وفق هويته بدلاً من شخصيته، وهذا يضر بالموضوعية. بالتالي، هذا المبدأ سليم ويعزز العدالة في التعليم، ويؤثر أيضاً على تعامل الطلاب مع الآخرين".
وأوضح فهمي أن "مسألة الهوية أحياناً تُستخدم لأغراض سياسية، أو للتواصل مع جمهور معين، وهذا جانب شخصي وموضوعي في الوقت نفسه. لكن حين تتحول الهوية إلى أداة سياسية بعيدة عن الغرض الأصلي للجانب الإيماني، يصبح هناك استغلال للعقل والوعي لصالح شعارات سياسية، وهذا تحريف للموضوع".
وبيّن أن "البعد الهوياتي بهذا المعنى يبتعد عن السياسة، ولا يعني بأي شكل من الأشكال انتقاصاً من الدين. على العكس، على الدولة واجب حماية ممارسة المواطنين لطقوسهم الدينية، ونلاحظ أن الجماعات الدينية المضطهدة في بعض الدول تلجأ إلى المجاميع المدنية والدول الأوروبية، لأن هناك ضمانات لحقوق المواطنين".
وأشار إلى أن "الحديث هنا عن سياسات إدارة الدولة وتولي المسؤوليات. عندما يُستخدم الحديث عن الهوية لتحقيق أغراض سياسية مثل (نحن الأغلبية لذلك لنا الحق)، فهذا نوع من الالتفاف الفكري. الأغلبية الثقافية تختلف عن الأكثرية السياسية، فهناك تمييز بين الأكثرية الديموغرافية والانتماء السياسي، ولا يجوز المزج بينهما".
وتابع قائلاً: "في نظام ديمقراطي متكامل، إذا صوّت المواطنون بحرية وأعطوا أهمية لهويتهم، فقد يكون هناك تقارب بين الذين يشتركون في هوية معينة، وبالتالي الانتخابات قد تؤدي بشكل طبيعي إلى فوز الأغلبية، دون الحاجة إلى تدخل سياسي أو سياسات طائفية".
وأكد فهمي أن "المثقف العراقي له دور في تفكيك العلاقة بين الانتماء والهوية من جهة، وبين الحقوق والواجبات من جهة أخرى، وكيفية التعامل دستورياً مع حقوق وحريات المواطنين وحرية التعبير والمساواة".
وأضاف أن "استمرار نفس الظروف السابقة سيبقي تأثير المال السياسي قائماً، فالمرشحون ليسوا على خط متساوٍ؛ أحدهم يمتلك المال، وآخرون يمتلكون السلطة والمواقع التي قد تُستخدم بشكل مباشر أو غير مباشر، وهناك وجود للسلاح، بالإضافة إلى عدم تنفيذ قانون الأحزاب وخضوع المفوضية للتأثيرات. هذه العوامل معاً تمنح الأفضلية لمن يمتلك الموارد، لكن هذا لا يعني إغلاق الباب أمام أي تغيير".
ويرى فهمي أن "الانتخابات قد لا تُحدث تغييرات جوهرية وشاملة، لكنها قد تفتح باباً للمشاركة الأوسع وتكون خطوة نحو التغيير، خصوصاً أن المواطن العراقي أصبح لديه مستوى وعي كبير. القوى الحاكمة غالباً تحاول تحويل النقاش بشأن المشكلات الجوهرية إلى صراعات هوية، أو تستغل النزعات الطائفية أو المناطقية، وهذا يزيد الانقسامات".
أزمات المنظومة السياسية وعجزها
وخاطب فهمي المواطنين قائلاً: "لا تفرّط بصوتك، فهذا الصوت أولاً هو شكل من أشكال المشاركة في تقرير تقييم مصيرك ومصير بلدك. إذا فرّطت به أو حجبت عن نفسك الحق في استخدامه، فهذا يعني فقدان الفرصة لتغيير الواقع. فماذا تفعل كبداية؟ عندما توجه رسالتك ببساطة بالقول: (أنتم فاسدون، ولا أريد المشاركة معكم)، فإنك في الوقت نفسه تقول إنك تريد أن يُتخذ موقف صحيح لإزاحة هؤلاء الفاسدين. هذه هي النقطة الأولى: استخدام الصوت من أجل التأثير والمساءلة".
وتابع قائلاً: "أما نحن، فنؤكد على أن استخدام هذا الصوت يجب أن يكون مستنيرًا وواعيًا. نحن أولاً نقدم رؤانا وتصوراتنا ومشاريعنا وأهدافنا، لنشرحها للناس بشكل واضح. ثانيًا، نوضح ما يمكن أن نقدمه من تجارب وممارسات حقيقية، وعندما يُسأل المواطن عن مواقفنا السابقة، يمكنه أن يرى مدى التزامنا وقدرتنا على تنفيذ ما نعد به، وبالتالي يُبنى أساس الثقة بيننا وبين الناس".
ولفت سكرتير الحزب الى أن العراق يواجه مطالب داخلية حقيقية تتطلب التغيير، مشدداً على أن السؤال الأهم هو "كيف سيحدث هذا التغيير؟ وما هو مضمونه؟ وما آلية تحقيقه؟، هنا يأتي دور الناس. الانتخابات يجب أن تحدد نوع التغيير الذي نريده، وما هي المطالب والقضايا التي يجب معالجتها، أي أن الانتخابات يجب أن تتم بوعي المطالب الحقيقية للمجتمع".
وبيّن "نحن نشير هنا إلى أزمات المنظومة السياسية وعجزها، وتداخل مصالحها الرئيسية. لكن من المهم أن نوضح أن هذه الأزمات لا تعكس قدر العراق الطبيعي، ولا يعني أن العراق مقدر له أن يبقى بين الدول الأكثر فقراً، أو أن لا تُستغل موارده بالكامل، أو أن تظل معدلات البطالة والفقر مرتفعة. هذه ليست قدر العراق، بل نتيجة للنهج المتبع لتصرفات الإدارة وإدارة أموال الدولة ومواردها. بمعنى آخر، وراء هذه الصورة غير المضيئة هناك آمال وإمكانيات حقيقية يجب العمل على توفير شروطها".
وأشار فهمي إلى أن "الشعوب أحياناً تتراجع، لكنها تبقى حية وتستمر في التجدد داخل بلدها، حتى إذا كانت تواجه أنظمة غير عادلة. تعبر الشعوب عن رفضها واحتجاجها بطرق متعددة، وصولاً إلى أشكال متقدمة من الاحتجاج. وقد شهدنا ذلك في انتفاضة تشرين، حيث امتلك المجتمع قوة هائلة، واستجابت المؤسسات بشكل كامل لقوة الاحتجاجات. ومنذ ذلك الوقت، سعت المنظومة إلى تفكيك أي إرادة شعبية واستخدام أساليب متعددة لإضعافها".
وذكر أن "هناك حركات احتجاجية تطالب بالعدالة الاجتماعية، وحركات احتجاجية للطلاب، وكلها تشير إلى وجود طاقات شعبية حية. المنظومة الحاكمة تحاول أن يبقى الحراك الاحتجاجي محدوداً بطابع مطلبي ضيق، وفي جزر متناثرة لا تتسع للروافد الشعبية كلها. لذلك، تتعامل معها إما بشكل قهري أو من خلال تلبية مطالب محدودة. وهم يدركون أنه إذا لم تتحقق المطالب، فقد يأخذ الحراك شكلاً آخر، وهو ما يفسر مثلا مشهد مواجهة 200 متظاهر سلمي بعدد مضاعف من عناصر الشرطة".
الحملة الانتخابية للشيوعي العراقي
وتابع ان "حملتنا الانتخابية تعكس مضموناً متميزاً لحراكنا ونشاطنا، على عكس آخرين يتجهون إلى شراء الأصوات. نحن نركز على كسب قناعات الناس، نطرق الأبواب ونتواصل معهم لشرح وجهة نظرنا وإقناعهم بأفكارنا. هذا هو الفرق الأساسي بيننا وبين الآخرين".
وأكد فهمي قائلاً: "أنا عندما أشرح للناس وجهة نظرنا، وأن أعمل وفق هذا التوجه. وما سيعطيني المنصب أو السلطة سأكون أميناً بتنفيذ ما قلت وسأعمل بموجبه أينما كنت، دون تقديم مصلحة شخصية مباشرة. فعلى سبيل المثال، إذا قررنا العمل على تمرير أو تعديل قانون يخدم المصلحة العامة، فإنه سيعود بالنفع على الجميع منهم الذين طرقت أبوابهم. وإذا سعينا لتحسين الصحة أو التعليم، فإن هذه الجهود ستفيد المجتمع ككل. هذه الالتزامات تأتي في إطار بناء دولة سليمة تكون خادمة للمجتمع بأكمله".
وأشار فهمي إلى أن "القوى المتنفذة فشلت خلال 20 سنة في بناء مؤسسات دولة ولهم تجربة في العمل باستطاعتك محاسبتها عليها: فساد وسوء إدارة والارتباطات الخارجية، هذه ليست اتهامات بل حقائق مكرسة بمواقف من قبلهم".
وأوضح أنه "من حيث المبدأ، لا يوجد ما يمنع الحزب الشيوعي العراقي من خوض الانتخابات بمفرده ومن دون تحالفات، فالأمر يعتمد على قراءته وتحليله للواقع السياسي. لكن هناك تحديات كبيرة تتطلب العمل على قلب موازين القوى، والشيوعيون وحدهم، مهما كانت إرادتهم قوية، بحاجة إلى اصطفاف سياسي أوسع لمواجهة المنظومة الحاكمة. لذلك، فإن التحالفات تأتي ضمن رؤية أوسع تهدف إلى تحقيق أهداف مشتركة، وعلى رأسها بناء الدولة المدنية".
وتابع: "في كل مرحلة، نسعى إلى البحث عن قوى تشترك معنا في هذه الأهداف، وتؤمن بضرورة تحقيق الدولة المدنية الديمقراطية. أما بالنسبة لقوانين الانتخابات، فالوضع الحالي يجعل من الصعب تحقيق تمثيل برلماني دون تجاوز عتبة معينة من الأصوات. نحن كحزب، في ظل النظام الانتخابي الحالي، لا نستطيع تقديم عدد كبير من المرشحين يتناسب مع حجم الدوائر، فمثلاً في بغداد يوجد 99 مقعداً مع احتساب الكوتا، أي 71 مقعداً فعلياً، وإذا أراد الحزب أن يشارك فيها كلها فذلك يتطلب نحو 15 مرشحاً على الأقل، وهو أمر يكلّف مبالغ مالية باهظة، حيث يحتاج كل مرشح إلى ما يقارب 2 مليون دينار، تُدفع للمفوضية".
وبيّن أن "هناك مناطق وأوساط من الصعب الوصول إليها في الظروف الحالية، رغم ذلك نحن منفتحون، وقد طرحنا في كل محافظة أن الرفاق القادرين على تقديم قائمة باسم الحزب يمكنهم فعل ذلك دون مانع. نحن نعمل وفق قدراتنا الواقعية، وربما في الانتخابات القادمة ستكون لدينا إمكانية أوسع للمشاركة".
وأضاف فهمي أن "المقصود بإعادة إنتاج المحاصصة هو أن الكتل المتنفذة ما تزال تعتمد الأسلوب ذاته في إدارة حملاتها الانتخابية، دون أي تغيير حقيقي. فهي تبتعد عن القضايا الجوهرية، وتعتمد على المال والنفوذ، وبفضل مواردها الواسعة تستطيع تمرير عدد كبير من مرشحيها، ما يعني أن تركيبة البرلمان القادم ستتشكل وفق المعطيات الحالية دون تغيير يُذكر، إلا إذا حصل تطور مفاجئ مثل صعود شخصيات جديدة من خارج هذه الكتل".
وفي ما يتعلق بالمبعوث الأمريكي، قال فهمي إن "تغريداته الأخيرة كانت واضحة، إذ أشار إلى أن قضية السلاح، وبناء الدولة، وتنظيم الاستثمارات، وحصر السلاح بيد الدولة هي أولويات المرحلة، وأن العراق يسير في هذا الاتجاه لكنه لا يزال بحاجة إلى الكثير من العمل، وأنه سيسهر على إنجاز هذه الملفات".
وأوضح أن "من غير المعروف ما إذا كان ذلك سيتم عبر الانتخابات أو خارجها، حيث إن الانتخابات شأن عراقي، غير أن هذا يشير ضمناً إلى أن تركيبة الحكومة المقبلة ستكون موضع تأثير وضغط خارجي، لأنه من غير المنطقي أن تُبذل هذه الجهود دون أن تسعى الأطراف المؤثرة إلى تمثيل داخل مؤسسات الدولة، وهو ما قد يخلق إشكالات سياسية محددة".
وتابع قائلاً: "هناك استبعادات تجري أحياناً لأسباب فنية، غير أن الميدان ما يزال مفتوحاً للتأثير في تشكيلة البرلمان القادمة، خصوصاً إذا استمر اعتماد النهج ذاته والأسماء نفسها. وحتى تاريخ 11 تشرين الثاني تبقى كل الاحتمالات واردة، ومن المتوقع أن تشهد الساحة مفاجئات سياسية".
وختم حديثه قائلاً: "حتى عندما لا نملك تمثيلاً في البرلمان، لا أن يُنظر إلينا على هذا الأساس. فالحزب الشيوعي العراقي يُعدّ قوة مؤثرة في المجتمع، سواء كان عدد أعضائه عشرة أو عشرة آلاف، لأنه يمتلك ثقلاً تاريخياً وفكرياً، وهو ما يدركه الخصم قبل الصديق".