اخر الاخبار

سلّط تقرير حديث لمجلة ذا إيكونوميست الضوء على تنامي نفوذ الجماعات المسلحة داخل الجامعات العراقية، محوّلةً بعض المؤسسات الأكاديمية إلى ساحات نفوذ حزبي وعسكري، في تطور خطير يعيد طرح تساؤلات عميقة حول مستقبل التعليم واستقلاليته في البلاد. وكشف التقرير عن تدخلات واسعة في النشاط الطلابي، وسحب طلبة متفوقين إلى برامج تصنيع الطائرات المسيّرة، وتمويل تجمعات طلابية موالية، وصولاً إلى شراء شهادات عليا عبر شبكات حزبية، في مشهد يعكس اتساع الفجوة بين دور الجامعة المفترض والواقع المفروض عليها.

وأوضح التقرير، أن هذا النفوذ تعاظم بعد سيطرة قوى متنفذة على وزارة التعليم العالي وعلى النشاط الطلابي، وتتضمن هذه الانشطة، ممارسات مثيرة للقلق مثل سحب أفضل طلاب الهندسة للعمل في برامج تصنيع الطائرات المسيرة، وتمويل اتحادات طلابية موالية، وشراء الدرجات العلمية العليا عبر علاقات حزبية وشخصية.

وأشار التقرير إلى أن هذه الممارسات تشكّل تحوّلاً خطيراً في العلاقة بين التعليم العالي والسياسة المسلحة، ما يضع مستقبل الجامعات العراقية واستقلاليتها الأكاديمية على المحك.

كفاءات عراقية متقدمة مُستغلة

في هذا الصدد، أكد الخبير الأمني سيف رعد وجود كفاءات عراقية قادرة على تطوير وتصنيع الطائرات المسيرة وإعادة برمجتها، مشيراً إلى أن هذه العقول غالباً ما تُهمش نتيجة سياسات لا ترغب في احتضانها أو دعمها.

وقال رعد في حديث مع "طريق الشعب"، أن "ملف الفساد يلعب دوراً محورياً في هذا الإقصاء، إذ يحوّل بعض جوانب هذا المجال إلى ميدان لممارسات فاسدة، تمنع الكفاءات من الوصول إلى إمكاناتها الكاملة".

وأضاف رعد أن هناك "مهندسين وعقولا عراقية تمتلك القدرة على إنتاج طائرات مسيرة تتناسب مع الواقع الاقليمي"، وشدد على أن صناع القرار السياسي "غالباً ما يسعى لإقصاء هذه الكفاءات، لصالح عقود تُوقَّع لتحقيق مكاسب اقتصادية لأحزاب وشركات مرتبطة بها".

واكد انه نتيجة لذلك، "يُحرم المهندسون من الدعم الإداري والمالي الضروري لتطوير مهاراتهم، وقد يضطر بعضهم إلى اللجوء لجهات تستثمر قدراتهم، سواء لتعزيز كوادرها الفنية في مجالات الطائرات المسيرة أو الأمن السيبراني، أو لتوفير حماية شكلية عبر مناصب وتسميات ظاهرية".

وأشار الخبير إلى أن الاعتماد على مصادر خارجية في مجال هذه التقنيات، "يعود جزئياً إلى تأثيرات إقليمية ودولية، وأحياناً إلى قرارات ليست عراقية المنشأ، ما يدفع إلى الاستيراد بدلاً من الإنتاج المحلي".

وأوضح رعد أن القرار السياسي "يُشكّل جزءاً من منظومة الفشل والفساد التي تمنع استثمار العقول العراقية في تصنيع الطائرات المسيرة محلياً، رغم توافر الإمكانات والتقنيات المتقدمة لدى بعض المهندسين".

وزاد بالقول أن "المؤسسات المسؤولة عن التصنيع الحربي تعتمد في كثير من الحالات على التوجيهات الخارجية، حيث يتم استيراد طائرات مسيرة بأسعار باهظة، بينما لو أُنتجت محلياً لكانت تكلفتها أقل بكثير"، مشيراً إلى أن "جزءاً من ذلك مرتبط بمخاوف إقليمية ودولية من امتلاك العراق لقدرات متقدمة".

وأكد أن هناك عقولاً "لا تفصح عن إمكاناتها خوفاً من التصفية و الاستهداف الجسدي، في حين تعاني أخرى من غياب الحاضنة الحكومية التي توفر لها الحماية والدعم".

وختم الخبير الأمني تصريحه بالقول إن هذا الواقع "يدفع بعض الجماعات المسلحة إلى استقطاب هذه الكفاءات العراقية، أو يبقى دور هذه المواهب العلمية محدوداً داخل مؤسسات الدولة والأجهزة الأمنية، دون أن تتاح لها الفرصة الكاملة لتطوير تقنيات محلية تنافس مثيلاتها الإقليمية، وبكلفة أقل بكثير".

تطوير القدرات العراقية

من جانبه، أكد المحلل السياسي والأكاديمي داوود سلمان اهمية أن تكون أي جهود لتطوير قدرات تقنيّة عراقية، بما فيها الطائرات المسيرة وغيرها من التقنيات التي لها استخدامات سلمية كثيرة وحتى عسكرية، بيد الدولة فقط وتحت إشرافها المؤسسي، لا بيد جماعات أو جهات خاصة.

وقال سلمان لـ"طريق الشعب"، إن "تطوير القدرات الوطنية حقٌ سيادي يهدف إلى حماية الأمن الوطني وتعزيز منظومة الدفاع؛ ومع ذلك، يجب أن تكون هذه المشاريع امتداداً لسياسةٍ حكومية واضحة ومرتكزة على مؤسسات الدولة، لا مشروعاتٍ تنتشر في هامش الفعل الرسمي أو تُدار من خلال فئاتٍ مسلحة أو مصالح حزبية".

ونوه الى ان أي مسارٍ معاكسٍ يعرّض الأمن القومي للخطر ويقوّض سلطة الدولة في إدارة أدوات القوة وقد تضعها في مرمى سياسات قاسية من الولايات المتحدة.

وشدد سلمان على "حماية المؤسسات التعليمية والطلبة من عسكرة مباشرة أو غير مباشرة، ويجب إبعاد الجامعات والكليات والمعاهد التقنية عن أي عمليات عسكرة او استغلال مَن فيها لصالح برامج عسكرية غير رسمية".

واكد على ان "المدرسة والجامعة والمؤسسة البحثية مكان للمعرفة والتعلم والابتكار المدني — ولا يجوز أن تتحول إلى أدوات توظيف سياسي أو عسكري".

قيود امريكية وضغوط على الحكومة

وتساءل الخبير الأمني عدنان الكناني حول انه في حال صحّت الأنباء التي تشير إلى وجود توجهات أو أنشطة من هذا النوع، عن دور الأجهزة الأمنية والاستخبارية العراقية، قائلاً "ما هو دور جهاز المخابرات الوطني، وجهاز الأمن الوطني، ومديريات الاستخبارات في التعامل مع مثل هذه الجهات؟".

وأضاف الكناني في حديث لـ"طريق الشعب"، أن هناك "العديد من التساؤلات المشروعة التي تُطرح في هذا السياق، وتثير الكثير من الشكوك حول ما إذا كانت الحكومة على علمٍ بعمل تلك الجهات أم لا"، مؤكداً في الوقت نفسه "أهمية أن تتخذ الحكومة إجراءات واضحة وصريحة بهذا الشأن، حفاظاً على هيبة الدولة ووحدة القرار الأمني".

وأشار إلى أن هناك "ضغوطا تتعرض لها الحكومة بشأن إنشاء منشآت استراتيجية وامتلاك أسلحة متطورة، من بينها أنظمة الطائرات المسيرة". إلا انه اكد أن تطوير مثل هذه الأنظمة "يفترض ان يكون حقاً مشروعاً للعراق كدولة ذات سيادة، خاصة وأن هذه التقنيات لم تعد حكراً على الاستخدام العسكري". غير أنه شدد على أن هذه المشاريع يجب أن "تكون ضمن توجهات حكومية رسمية، وأن تُنفذ حصراً عبر جهات معتمدة وموثوقة ومؤتمنة تخضع لإشراف الدولة ورقابتها".

وبيّن أن ملف الأسلحة المسيرة "يخضع لتقنينٍ ورقابةٍ دولية صارمة، ولا يمكن للنظام العسكري العراقي تطويره بمعزل عن موافقات أو تفاهمات مع الولايات المتحدة"، مبيناً أن "ما سُمح للعراق بتصنيعه من تقنيات لا يزال أقلّ كفاءةً وتأثيراً من نظيراته في دول مثل تركيا".

وختم الخبير الأمني حديثه بالقول إن "الهدف المعلن من هذه السياسات هو منع العراق من امتلاك منظومة دفاع جوي متكاملة وقادرة على إحداث توازنٍ في ميدان المعركة"، مؤكداً ضرورة أن "تكون هذه الملفات بيد الدولة حصراً، وأن تُدار بعقل أمني وطني موحد يحفظ مصالح العراق العليا".