اخر الاخبار

في بلد تتكدس فيه الأبنية المخالفة، وتتحول فيه المناطق السكنية إلى مستودعات وقنابل موقوتة، تبدو منظومة السلامة العامة في العراق رهينة فراغ تشريعي قاتل رغم ما قد اتخذ من اجراءات للحد من الحرائق.

وبينما تتصاعد الحرائق وتتمدّد أخطارها في المدن، يقف الدفاع المدني مكبَّل اليدين بلا صلاحيات كافية، فيما تعطّل البرلمان لأكثر من نصف عام، تاركاً خلفه أكثر من 150 مشروع قانون معلّقاً، بينها قوانين تمسّ حياة الناس وسلامتهم بشكل مباشر.

قوانين عتيقة وخلافات تودي بحياة الناس

معنيون اكدوا ان غياب الإرادة التشريعية، وتراجع حسّ المسؤولية لدى بعض النواب في الدورة النيابية الخامسة، وتحويل الخلافات السياسية إلى بوابة لتعطيل الدولة، كلها عوامل دفعت البلاد إلى مواجهة الأخطار بقرارات منقوصة وقوانين عتيقة لا تردع مخالفاً ولا تمنع كارثة.

وفي ظل هذا الجمود، تتكرر مشاهد الحرائق التي تُخلي الأحياء السكنية من نومها الآمن، بينما القوانين التي من المفترض أن تمنعها لا تزال أسيرة “قراءة أولى وثانية” بلا تصويت، وبلا أفق واضح.

بدون صلاحيات!

في هذا الصدد، قال المتحدث باسم مديرية الدفاع المدني نؤاس صباح إن “نسبة الحرائق في البلاد انخفضت خلال عام 2025 بنحو 58 في المائة، وذلك بعد اتخاذ سلسلة من الإجراءات بحق المخالفين لمعايير وإجراءات السلامة”.

وجدد صباح في حديثه لـ"طريق الشعب"، المطالبة "بتعديل قانون الدفاع المدني رقم 44 لسنة 2013، بما يمنح صلاحيات أوسع للجان الدفاع المدني في المحافظات لغلق المشاريع المخالِفة لإجراءات السلامة"، مشيراً إلى أن القانون النافذ “يمنح صلاحية الغلق للمحافظين فقط ولمدة لا تتجاوز 15 يوماً، وهي مدة غير كافية إطلاقاً لوقف الخطر أو إزالة مسبباته”.

وبيّن صباح أن المديرية تطمح من خلال التعديل الجديد إلى “منح الدفاع المدني صلاحية غلق المشروع بشكل كامل، وعدم السماح بإعادة افتتاحه إلا بعد استيفاء جميع شروط السلامة ومتطلبات الحماية”.

وأوضح بالقول: “اليوم، عندما نغلق مولاً مخالفاً لمدة 15 يوماً، فإنه يعاود نشاطه في اليوم السادس عشر فيما تبقى المخالفات على حالها، وهذا لا يحدّ من الخطر الذي يهدد حياة المواطنين”.

وفي ختام حديثه، أكد المتحدث أن إقرار هذا القانون “سيُسهم بشكل كبير في خفض نسبة الحرائق”، مبيناً أن غالبية الحوادث المسجلة تعود إلى الإهمال في شروط السلامة".

واستشهد بحادث الطالبية الذي وقع في منطقة لا تتوفر فيها أي إجراءات سلامة، قائلاً إن "الأرض كانت مخالفة، والبناء مخالف، والخزن فوضوي، والمواد المخزنة شديدة الاشتعال، فيما بذل الدفاع المدني جهوداً كبيرة لحماية البيوت السكنية المجاورة من امتداد النيران".

ونبه إلى أن عدداً من المناطق السكنية، مثل الحارثية وجميلة والشورجة، تحولت إلى مخازن ومستودعات وأسواق مكتظة، خلافاً لشروط السلامة، مبينًا أن “شوارع هذه المناطق ضيقة ولا تتسع لعجلات الدفاع المدني، ما يعرقل سرعة الوصول إلى موقع الحادث ويزيد من خطورته”.

ولفت إلى أن "العقوبات الحالية، سواء كانت غرامات أو إجراءات قضائية، لا تعالج جوهر المشكلة، لأن المشروع يستمر بالعمل رغم الخطر”، مؤكداً أن الدفاع المدني يطالب بأن تكون العقوبة موجّهة للمشروع ذاته عبر الغلق التام لحين إزالة المخالفات، وذلك حفاظاً على أرواح المواطنين وتقليل الخسائر وتقليل فرص اندلاع الحرائق.

وفي ما يتعلق بالغرامات، أشار المتحدث إلى أن القانون الحالي “يفرض غرامات تتراوح بين (250) الفاً إلى مليون دينار فقط، وهي غير رادعة”، مبيناً أن البعض “يشيد طوابق مخالفة بألواح السندويچ ويكتفي بدفع الغرامة السنوية، رغم الأرباح الكبيرة التي يجنيها من تأجير المخازن المخالفة”.

وأكد أن مشروع التعديل الجديد يقترح رفع الغرامات إلى 10 ملايين دينار لردع المخالفات والحد من الحرائق.

وعن مسار التشريع، أوضح صباح أن “تعديل قانون الدفاع المدني قُرئ قراءة أولى وثانية في الدورة البرلمانية السابقة لكنه لم يُقرّ”، معرباً عن أمل المديرية بأن تُطرح مسودة القانون مجدداً في الدورة البرلمانية السادسة “لمنح الدفاع المدني الصلاحيات القانونية الكافية لاتخاذ الإجراءات الرادعة بحق المخالفين”.

حزمة قوانين مركونة

من جهته، اكد عضو مجلس النواب السابق محمد عنوز إن تعطّل مجلس النواب لأكثر من ستة أشهر شكّل أحد أبرز أسباب شلل العملية التشريعية في البلاد.

وقال عنوز في حديثه لـ"طريق الشعب"، أن المجلس “لم يعقد جلسة واحدة طوال هذه المدة، وهو ما أدى إلى تجميد عشرات القوانين المهمة والملحّة، وفي مقدمتها قانون الدفاع المدني، وقانون الصحة النفسية، وقانون حق الحصول على المعلومة”.

وأوضح عنوز أن هذا التعطيل “لم يكن أمراً طارئاً، إذ جاء نتيجة الخلافات السياسية التي شلّت إرادة المجلس، اضافة لعدم فهم النائب دوره ومهمته، وهو ما حال دون عقد جلسة تشريعية واحدة يمكن من خلالها إتمام ما تبقى من جدول الأعمال”.

وتابع أن هذه الحالة “جعلت الدورة البرلمانية الخامسة واحدة من أقل الدورات إنتاجاً منذ 2003، إذ لم تتحقق فيها أبسط متطلبات التشريع والرقابة”.

وأشار إلى أن المجلس “تعطّل فعلياً منذ شهر تموز تقريباً، واستمر التعطيل حتى نهاية الدورة، ما أدى إلى بقاء أكثر من 150 قانوناً من دون تصويت، بعضها يلامس حياة المواطنين اليومية، وبعضها يمثل متطلبات أساسية لإصلاح القطاعات الحيوية.

وشدد عنوز على ضرورة أن “تستوعب الدورة النيابية الجديدة حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها، وأن يدرك النواب الجدد أهمية دورهم التشريعي، بعيداً عن التجاذبات السياسية التي عطلت المجلس السابق”، داعياً إلى “عدم تكرار مشهد الشلل التشريعي الذي عانى منه المواطن والدولة معاً”.

وبيّن أن جميع القوانين التي قُرئت أو وصلت إلى مرحلة التصويت “سيعاد فتحها من الصفر”، إذ يتطلب الأمر قراءتها قراءة أولى وثانية مجدداً، لأن المجلس الجديد والحكومة الجديدة قد يرغبان أو لا يرغبان بالمضي في تشريعها، وهو ما يعني – بحسب عنوز – أن “الوقت الضائع في الدورة السابقة ستتحمله الدورة التالية، ما لم تُدار العملية التشريعية بمسؤولية أكبر”.