هل من حكومة جديدة في القريب العاجل؟
ما زالت الانتخاباتُ البرلمانية التي جرت في العراق مؤخرًا، والنتائجُ التي أسفرت عنها، تحظى باهتمام العديد من المؤسسات الصحفية الأجنبية. فقد كتب تامر بدوي في موقع المعهد الملكي البريطاني للخدمات مقالًا ذكر فيه أن الفترة التي سبقت الانتخابات اتسمت بعمليات شراء أصوات واسعة النطاق، واستخدام أساليب التهويل الطائفي في العديد من الدوائر الانتخابية، رغم المستويات المنخفضة من العنف السياسي.
خلافات عميقة
وبعد أن استعرض الكاتب النتائجَ المتمثلة بفوز قوى الإطار الشيعي في الوسط والجنوب، وحزب تقدّم في المنطقة الغربية، والحزب الديمقراطي الكردستاني في الإقليم، ذكر أن ائتلاف الإطار قد أعلن نفسه الكتلةَ البرلمانية الأكبر، تلبيةً للشرطِ الدستوري الذي يخولُه ترشيحَ رئيس الوزراء القادم، مشيرًا إلى أن هذا الائتلاف مكوّن من عدة أحزاب، بعضها يمتلك أجنحة مسلحة ونفوذًا قويًا في السلطات الثلاث: التنفيذية والقضائية والتشريعية المنتهية ولايتها. واستدرك بدوي بالقول إن هذا الإعلان جعل فرصَ رئيس الحكومة الحالي في ولاية ثانية أمرًا غير مؤكد، رغم حصوله على أكبر عدد من مقاعد البرلمان، وذلك بسبب رفض أطراف قوية في الإطار لهذه الولاية، وسعيهم ربما لتفتيت تكتله كي يفقد أغلبيته، أو تفعيل دعاوى قضائية ضده كقضية التنصت على النواب.
تغيير التسلسل
وتوقع الكاتب حدوث ماراثون تفاوضي بين القوى الفائزة من أجل بناء تحالف حاكم، شارحًا الخطوات التي تسبق عملية تعيين رئيس وزراء في العراق، والتي تبدأ بتقديم الطعون والبتّ فيها، والتصديق على الفائزين، ثم انتخاب رئيس للبرلمان ورئيس للجمهورية، ومن ثم تكليف أحد بتشكيل الحكومة خلال 30 يومًا. ونقل عن رئيس مجلس القضاء الأعلى قوله إن الفترة المثالية لإنجاز هذه الخطوات تقع في أربعة أشهر، لكنها امتدت لعام كامل بعد انتخابات 2021.
العامل الخارجي
وأكد المقال الدورَ المهم للخارج في عملية تشكيل الحكومة، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى أن يتعهد رئيس الحكومة الجديد بحصر السلاح بيد الدولة، فيما تريد إيران من هذا الرئيس تحييدَ المسعى الأمريكي هذا، أو التخفيفَ ـ في حال التعرّض لضغوط شديدة ـ من نطاق ووتيرة أي إجراءات من هذا القبيل. ورأى الكاتب أن الانتخابات جاءت في وقت تواجه فيه طهران ضغوطًا دولية كبيرة وانكماشًا في النفوذ الإقليمي، مما يمثل لحظة حرجة جيوسياسيًا، ويجعل العراقَ المجاور الساحةَ المتبقية الأكثر قيمةً للتحالف الذي تقوده، والشريانَ الاقتصادي الحاسم لها، ولهذا ستتدخل بقوة لصيانة هذه الامتيازات.
أربعة عوامل شجعت على المشاركة
وأكد الباحث في معهد تشاتام هاوس البريطاني، حيدر الشاكري، في حوار حول الانتخابات البرلمانية العراقية نشره موقع ذا نيو ريجيون، أن هناك أربعة عوامل ساعدت في زيادة الإقبال على المشاركة في الانتخابات. أوّلُها التصويت الخاص الذي لعب دورًا رئيسيًا، حيث وصلت نسبة مشاركة بعض قوات الأمن إلى 99 في المائة، مما يشير إلى أن العديد من الأجهزة الأمنية المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالأحزاب السياسية قد شجعت أفرادها على المشاركة. أما العوامل الثلاثة الأخرى فتتخلص في الإنفاق الهائل، والقضايا أو الشبكات الحزبية، والولاءات الطائفية؛ حيث شكّل ثمانيةُ ملايين مستفيدٍ من رواتب القطاع العام في العراق قاعدةً موثوقة من الناخبين المُحشَّدين، الذين شُجّع الكثير منهم أو ضُغط عليهم للمشاركة، إضافةً إلى عودة الخطاب الطائفي بين بعض الجهات السياسية الفاعلة، خاصةً في حثّ الناخبين على استعادة الهيمنة على مدن معينة، أو الترويج ضد خطاب الطائفة الأخرى.
صراع محتدم
وعلى موقع مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية، كتبت بريجيت تومي تحليلًا لنتائج الانتخابات، أشارت فيه إلى أن انتهاء التصويت لا يعني بالضرورة تشكيل حكومة جديدة في القريب العاجل، إذ لم تُسفر العملية عن فائز واضح، رغم حصول كتلة رئيس الحكومة الحالي على 11 في المائة من الأصوات، وهو غير كافٍ بالطبع لإنجاز المهمة.
وأشارت الكاتبة إلى أنه من غير المتوقع أن يتمكن الإطار التنسيقي الحاكم، الذي يهيمن على 187 مقعدًا، من تشكيل الحكومة بسهولة بسبب عمق الانقسامات التي يعاني منها، ورفض أطراف مهمة منه ولايةً ثانية لرئيس الحكومة الحالي، الذي يوصف بقدرته على الموازنة بين طهران وواشنطن، وإصرار الأخيرة على إبعاد ست قوى تمتلك أجنحة مسلحة عن التشكيلة الجديدة، في وقت تسعى فيه هذه القوى للوصول إلى مناصب مهمة في الوزارات والمؤسسة الأمنية والهيئات الخاصة. وتوقعت الكاتبة أن تصرّ واشنطن على إبعاد حلفاء إيران عن الحكومة الجديدة ومنع حصول طهران على أي مزايا مالية أو اقتصادية منها.