اخر الاخبار

في اليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة، يعود الملف في العراق إلى الواجهة مجدداً، في ظل واقعٍ يزداد تعقيداً بين تشريعات قاصرة وخدمات صحية ضعيفة وفرص حياة لا تزال محكومة بالعقبات؛ فعلى الرغم من مرور أكثر من عقد على إقرار قانون حقوق ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة رقم (38) لسنة 2013، ما زالت شريحة واسعة من العراقيين ـ يُقدَّر عددهم بنحو أربعة ملايين شخص وفق وزارة التخطيط ـ تنتظر تحويل النصوص القانونية إلى واقع ملموس يحفظ الكرامة ويضمن الحقوق.

يرصد تقريرنا من خلال شهادات معنيين وناشطين وخبراء، صورة شاملة لمعاناة ذوي الإعاقة في العراق، بدءاً من القصور التشريعي الذي حوّل الإعانة المالية إلى مبلغ لا يغطي أدنى الاحتياجات، مروراً بـ انهيار البنية التحتية وغياب ممرات ومصاعد ومراكز تأهيل، وصولاً إلى التمييز في التعليم والعمل الذي يفرض عزلة قسرية على الآلاف منهم. كما يسلّط الضوء على قصص إنسانية مؤثرة، إلى جانب قراءة في التحديات البيروقراطية والاجتماعية التي تعيق حصولهم على العلاج والتعليم والوظائف.

خطة حكومية لتأهيلهم وتدريبهم

ونظمت هيئة حقوق ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة في العراق التابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، امس الأربعاء، فعالية خاصة بمناسبة اليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة، بمشاركة ممثلي منظمات دولية وشخصيات من هذه الشريحة.

وقال المتحدث باسم الوزارة حسن خوّام، إن هناك خطة "تلزم الجهات الحكومية بتأهيل هذه الفئة وتدريبهم ومنحهم الدعم الذي يمكنهم من الاندماج في سوق العمل"، مشيرا الى انه وفقاً لإحصائيات وزارة التخطيط، فإن عدد الأشخاص ذوي الإعاقة في العراق يصل إلى نحو 4 ملايين شخص بنسب عوق متفاوتة.

وبين بالقول إن "الوزارة تتعامل مع من تبلغ نسبة عوقهم 75% فما فوق وفق قانون حقوق ذوي الإعاقة رقم 38 لسنة 2013 المعدّل، ليتم شمولهم بالراتب التقاعدي والامتيازات الكاملة"، مضيفاً ان "الذين تقل إعاقتهم عن هذه النسبة، فيستحقون مجموعة من الامتيازات تتمثل بالإعفاء من أجور الدراسة، والإعفاء من تذاكر السفر له وللمعين مرتين سنوياً، والسماح بإدخال عجلة واحدة من خارج العراق كل خمس سنوات، إضافة إلى الإعفاء من ضريبة الدخل وامتيازات خاصة بالتعليم والصحة".

وأشار إلى أن "القانون يحدد كوتا تشغيل بنسبة 3% في القطاع الخاص، و5% في القطاع العام، فضلاً عن تخصيص 5% من الأراضي المفروزة للمواطنين، للأشخاص ذوي الإعاقة".

اليونيسيف تؤكد دعمها الكبير لهم

من جانبه، اكد ممثل منظمة اليونيسيف في العراق كريستيان سكوغ، وجود دعم كبير من اليونيسيف ومنظمة الأمم المتحدة، للحكومة العراقية ومنظمات المجتمع المدني بهدف دمج هذه الشريحة، ومنحها فرصاً متكافئة في التعليم والصحة والمشاركة المجتمعية.

وقال سكوغ إن "المنظمة تعمل على جلب التقنيات والنماذج الناجحة من دول أخرى لتطبيقها في العراق، مع حث الحكومة على تخصيص ميزانيات مستقرة لهذا الملف"، مؤكدا ضرورة الاهتمام بهم "لأن الاستثمار في هذه الشريحة ينعكس إيجاباً على المجتمع على المدى البعيد".

تشريعات غير منصفة

وبالتزامن مع اليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة، كشفت ناشطون معنيون بحقوق ذوي الهمم عن حجم معاناة أفراد هذه الشريحة في ظل ضعف الخدمات الصحية وتدَنٍّ قيمة الإعانة المالية الممنوحة لهم والتجاهل الحكومي لأبسط متطلباتهم، داعين إلى إعادة النظر في التشريعات القانونية التي تخصهم وإنشاء صندوق سيادي لدعم الشريحة المذكورة.

وبحسب عضو لجنة متابعة شؤون ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة في محافظة ذي قار، ستار محسن كريم البدري، فإن شريحة ذوي الاحتياجات الخاصة تشمل المصابين بالأمراض الخبيثة وأمراض الدم والثلاسيميا وغيرهم. فيما يندرج تحت عنوان ذوي الإعاقة المصابون بالشلل الدماغي والإعاقات الحركية والمكفوفون والأشخاص الذين يعانون من التخلف العقلي والصمُّ والبكم وفئات أخرى.

ويقول البدري، إن جميع هذه الشرائح تواجه جملة من المشاكل، أبرزها الجانب التشريعي الذي ينظم قوانين وجودهم في المجتمع، مسترسلا ان "التشريع المتمثل في قانون حقوق ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة غير منصفٍ، ولا يوفر لهم حياة كريمة، كونه شمل هذه الشرائح بإعانة نقدية وليس براتبٍ ثابت”.

ويجد عضو لجنة متابعة شؤون ذوي الإعاقة أن "القانون جعل ذوي الإعاقة الدائمة بمرتبة واحدة مع شرائح قادرة على العمل كالأرامل والمطلقات والعاطلين من العمل"، مبينًا أن "حالة هؤلاء تختلف تماما، كون أوضاعهم قابلة للتغيير سواء بالزواج أو الحصول على فرص عمل".

ودعا البدري إلى شمول ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة بمصدر دخل ثابت وليس بإعانة لا تغطي حتى جزءًا بسيطًا من متطلباتهم الحياتية، مشيرًا إلى أن "مبلغ الإعانة الشهري هو حاليًا 125 ألف دينار، وهذا المبلغ المتواضع لا نعرف كيف اقتنع المشرّع بتخصيصه كنفقات شهرية لشخص عاجز أو مصاب بالشلل الرباعي".

وتطرَّق البدري إلى معاناة المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة من ضعف الخدمات الصحية والطبية، مشيرًا إلى أن "ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة بحاجة ماسة لخدمات طبية ومراكز تخصصية تتناسب مع وضعهم الصحي؛ ولا سيما المصابون منهم بالشلل الدماغي والإعاقة الحركية والأطفال المصابون بالتوحد وغيرهم ممن يعانون من الإعاقة الدائمة والأمراض المزمنة".

قصص أفراد!

وبرغم أنها بطلة عالمية رفعت اسم العراق في بارالمبياد باريس ونالت الميدالية الذهبية، إلا أن نجلاء عماد، الشابة العشرينية من محافظة ديالى، ما زالت تخوض معارك يومية لا علاقة لها بالمنافسات الرياضية، بل بتفاصيل الحياة العادية التي تتحول بالنسبة لذوي الاحتياجات الخاصة إلى تحديات قاسية.

نجلاء، المصنفة الأولى عالمياً في كرة الطاولة للبارالمبيين، تتحدث بمرارة عن مشاهد تتكرر كل يوم: "مجرد أن أريد دخول مطعم، مكتب، أو حتى مدرسة، أواجه السلّم مثل حاجز كبير. فلا وجود لأماكن تستقبل الكراسي. هذا الامر نعيشه كل يوم".

هذه العقبات، التي قد تبدو بسيطة للآخرين، تتحول بالنسبة لذوي الاحتياجات الخاصة إلى معاناة متواصلة تعيق الدراسة والعمل والحياة الاجتماعية؛ فغياب البنية التحتية الملائمة من ممرات، ومصاعد، ومداخل مجهزة يكشف واقعا مؤلما لآلاف الأشخاص الذين يجدون أنفسهم محاصرين داخل مدن غير مهيأة لاستقبالهم.

وتضيف نجلاء في حديث مع "طريق الشعب"، أن المشكلة لا تتوقف عند الأماكن العامة، بل تمتد إلى المدارس والدوائر الرسمية، حيث يضطر ذوو الاحتياجات الخاصة للاعتماد على الآخرين في أبسط تحركاتهم، مشيرة الى أن دعم الأسرة يمثل نصف الطريق نحو النجاح. أما النصف الآخر فيكون عبر تهيئة المجتمع والبنى التحتية وتمكين الأشخاص من ممارسة حقوقهم دون عوائق.

قصة نجلاء، بكل ما تحمله من إنجازات وعقبات، ليست سوى نموذج واحد لواقع يعيشه الآلاف في العراق. واقع يطالب بالاهتمام، وبحراك فعلي يضمن لذوي الاحتياجات الخاصة ما يستحقونه: كرامة الحركة، وحرية الوصول، وحق العيش بلا عوائق.

تحديات اجتماعية وبيروقراطية

في منتصف شبابه، وبين رحلته الجامعية، واجه حيدر العرداوي تحديا قاسيا وغير متوقع، إذ أصيب بشلل مفاجئ بسبب ورم في العمود الفقري. مرضٌ عجز العراق عن توفير علاجه، إذ يتطلب السفر إلى الخارج، وخاصة ألمانيا، وهو أمر لم تستطع إمكانياته تأمينه.

هذه البداية كانت نقطة الانطلاق لمعاناة يومية لا تقل صعوبة عن المرض نفسه.

يقول حيدر لـ"طريق الشعب": "حين تفقد حرية الحركة وتصبح حبيس كرسي متحرك، تواجه تحديات ليست جسدية فقط، بل اجتماعية وبيروقراطية أيضاً".

ويصف حيدر رحلة البحث عن العلاج، التي اصطدمت بصعوبات مالية وإدارية، حيث نقص الدعم الرسمي وقلة التسهيلات كانا عائقا كبيرا أمام ذوي الاحتياجات الخاصة في العراق: "لا يوجد دعم كاف، لا رعاية حقيقية، ولا تسهيلات تجعل حياة الأشخاص ذوي الإعاقة أسهل، الأمر يتطلب جهودًا مضاعفة لصنع فرص عمل، لتوفير العلاج، وللحصول على مكانة اجتماعية محترمة".

لم يمنع هذا الواقع القاسي حيدر من مواصلة حياته، فقد أكمل دراسته الجامعية، وعمل بالمجان لعشر سنوات في التربية، إلى جانب ممارسة أعمال حرة لتأمين عيشه وعيش أسرته بكرامة.

ويؤكد العرداوي ان "التحدي الحقيقي ليس فقط في الإعاقة، بل في مجتمع لا يهيئ لك الظروف المناسبة لتعيش بحرية وكرامة". اليوم، يعمل حيدر في وظيفة رسمية ويدير أعمالا خاصة، ويرى أن الطريق لا يزال طويلًا أمام ذوي الاحتياجات الخاصة في العراق لتحقيق التمكين الحقيقي.

تصورات "نمطية" تلاحقهم!

فيما يصف حسين المعموري، من فريق "أصدقاء ذوي الهمم"، واقع ذوي الاحتياجات الخاصة بأنه "سلسلة مترابطة من التحديات تبدأ من المدرسة ولا تنتهي عند باب المؤسسة التي يفترض أن توظفهم". فبرغم القوانين والبرامج الحكومية، ما يزال الطريق إلى التعليم والعمل محفوفاً بعقبات يومية تُثقل خطواتهم وتحدّ من حضورهم في الحياة العامة.

يقول المعموري لـ"طريق الشعب"، إن "أبرز ما يواجه ذوي الاحتياجات الخاصة في سوق العمل هو التمييز الوظيفي، إذ تُبنى قرارات التوظيف على تصورات نمطية خاطئة عن قدراتهم، ما يدفع كثيراً من المؤسسات إلى استبعادهم حتى من الوظائف التي يمكنهم أداؤها بكفاءة".  ويضيف أن فرص العمل الملائمة شبه غائبة، فالقليل من الشركات يهيّئ بيئات عمل تتناسب مع احتياجاتهم، فيما تفتقر النجف إلى برامج تدريب مهني متخصصة قادرة على تمكينهم من مهارات تؤهلهم للمنافسة. كما يظل الوصول إلى أماكن العمل تحدياً إضافياً بسبب انعدام وسائل النقل والبنى المهيأة لهم.

وفي التعليم، تكشف تجربة ذوي الاحتياجات الخاصة في عن أسباب عميقة وراء ارتفاع معدلات ترك الدراسة.

يوضح المعموري أن غياب الدعم التعليمي والمناهج التفاعلية يشكل عاملاً أساسياً، فالمدارس في الغالب غير مؤهلة من ناحية البنية التحتية ولا توفر أدوات مساعدة للطلبة من ذوي الإعاقات الحركية أو السمعية أو البصرية.  ويشير إلى أن التنمر والتمييز اللذين يتعرض لهما بعض الطلبة يفاقمان شعورهم بالعزلة، ما يدفعهم للانسحاب من التعليم مبكراً في ظل ضعف الدعم النفسي والاجتماعي داخل المؤسسات التعليمية.

أما عن مدى جاهزية المدارس والجامعات، فيقول إن القليل جداً منها يمتلك بنية تحتية مناسبة، إذ تفتقر غالبية المدارس إلى المنحدرات والمصاعد والأدوات التعليمية الخاصة، فيما تبقى الجامعات أفضل بدرجة بسيطة لكنها ما تزال بعيدة عن توفير بيئة شاملة.

ويؤكد أن خطط التمكين داخل المؤسسات التعليمية شكلية في كثير من الأحيان، وتفتقر إلى رؤية واضحة تستجيب لحاجات الطلبة ذوي الإعاقة.

ويتابع المعموري، أن التحديات تتواصل حتى بعد التخرج، إذ يواجه الكثير منهم صعوبة في إيجاد فرصة عمل حقيقية تتناسب مع مؤهلاتهم، فيما يستمر التمييز في التوظيف باعتباره حاجزاً نفسياً وثقافياً أكثر منه مهنياً. كما أن نقص النقل المهيأ وغياب بيئة عمل داعمة يضيفان طبقة جديدة من التعقيد لحياتهم المهنية.

ورغم أن القانون رقم 38 لسنة 2013 يمنح ذوي الاحتياجات الخاصة نسبة محددة من مقاعد الجامعات والمعاهد، ويُلزم المؤسسات التعليمية بتوفير التسهيلات اللازمة لهم، إلا أن التطبيق كما يشير المعموري ما يزال محدوداً وغير كاف لسد الفجوة بين النص والواقع.

دعم مبدعي هذه الشريحة

من جهته، تطرَّق كاظم العبودي، رئيس رابطة ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة إلى جوانب أخرى من التحديات التي تواجه هذه الشريحة، من بينها حجب الحقوق القانونية لرواتب المعيل المتفرغ الذي يقدم الخدمة والدعم لأفراد هذه الشريحة، داعيًا في الوقت ذاته إلى دعم مبدعي هذه الشريحة من رياضيين ومثقفين ومتخصصين ليكونوا قدوة لأقرانهم.

وشدَّد العبودي على ضرورة تخصيص مؤسسات تربوية تلائم عوق الأطفال منهم، إذ تعاني أسرهم من معوقات وصعوبة أثناء عملية تعليمهم، مؤكِّدًا أهمية النظر لهذه الشريحة من الجانب الإنساني لا الانتخابي.

ويصنِّف التعديل الأول لقانون حقوق ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة رقم (٣٨) لسنة ٢٠١٣: “ذو الإعاقة هو الشخص الذي يعاني من عاهات طويلة الأجل سواء كانت بدنية أو عقلية أو ذهنية أو حسية تمنعه من المشاركة بصورة كاملة وفعالة في المجتمع على قدم المساواة مع الآخرين”، فيما صنَّف “ذو الاحتياج الخاص” بأنه “الشخص الذي لديه قصور في القيام بدوره ومهامه بالنسبة لنظرائه في السن والبيئة الاجتماعية والاقتصادية والطبية، بما في ذلك التعليم أو الرياضة أو التكوين المهني أو العلاقات العائلية وغيرها، ويعد قِصارُ القامة من ذوي الاحتياجات الخاصة”.