اخر الاخبار

تتفاعل قضية الجمعية التعاونية لإسكان موظفي وزارة الكهرباء يوماً بعد آخر، لتكشف عن واحدة من أكبر الإشكالات المالية والإدارية التي واجهت موظفي الوزارة خلال السنوات الأخيرة، بعد أن تحولت وعود الحصول على قطع أرضٍ إلى أزمة معقدة عنوانها الغموض وضياع الحقوق؛ ففي وثيقة رسمية صادرة من رئاسة الجمهورية وموجهة إلى هيئة النزاهة، تقدّم مجموعة من الموظفين بشكوى واسعة النطاق ضد الجمعية، مطالبين بالكشف عن مصير الأموال التي استُحصِلت منهم مقابل شراء أراضٍ لم تُسلّم منذ أكثر من ثلاث سنوات.

إحالة رسمية إلى التحقيق

الوثيقة الرئاسية أكدت إحالة الشكوى إلى هيئة النزاهة لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، بعد أن طالب الموظفون بالتحقق من مصير المبالغ التي دفعوها ضمن مشروع الإسكان، والتي لم تُترجَم إلى أي خطوة فعلية على الأرض.  ويشير هؤلاء الموظفون إلى أن الجمعية لم تُنفّذ التزاماتها المتعلقة بشراء قطع الأراضي، ولم تقدّم أي إيضاحات حول الأماكن التي ذهبت إليها تلك الأموال.

ومنذ أيام والموظفون يطالبون باستعادة حقوقهم ومعرفة مصير الأموال التي دفعوها قبل أكثر من ثلاث سنوات، ومن بينهم المتحدث باسم الوزارة أحمد موسى الذي أكد على الهواء مباشرة في احد البرامج التلفزيونية بأنه أحد ضحايا هذه الجمعية. ورغم الردود المقتضبة التي أصدرها رئيس الجمعية مصعب المدرس (موظف في الوزارة، ومدير اعلامها السابق)، مؤكداً أن "الملف يسير باتجاه الحسم"، وأن الأسبوع المقبل "سيشهد خطوات"، لكن الموظفين اعتبروا تلك التصريحات فارغة ولا تتضمن أي إجابة حقيقية، خصوصاً وأنها لا تكشف عن مصير مبالغ قد تتجاوز 12 مليار دينار وفق تقديرات أولية.

غياب الشفافية

عدد من الموظفين المتضررين أكدوا أنهم يستعدون لرفع دعاوى جزائية خلال الأيام المقبلة، بعد أن خرج الملف من نطاق "التأخير الإداري" ودخل مرحلة "انعدام الشفافية"؛ إذ يشيرون إلى أن الجمعية ترفض حتى الآن تقديم سندات قبض أو كشوفات مالية. كما لم تُظهِر أية وثيقة تبين أين تم إيداع المبالغ أو كيفية التصرف بها خلال السنوات الماضية.

ويقول الموظفون، إن المضي بالدعاوى الجزائية سيؤدي إلى فرض إجراءات مشددة مثل الحجز الاحتياطي على الأموال ومنع السفر بحق كل من يرد اسمه في التحقيقات، معتبرين ذلك "الخطوة الأولى لاستعادة الحقوق".

الجمعية أعلنت سابقاً أن الأراضي التي تعمل على تخصيصها تقع في منطقة الكاورية، وأن استكمال معاملاتها يحتاج بين أربعة إلى ستة أشهر إضافية. كما تحدثت عن مبالغ إضافية تطلب من الموظفين تسديدها لاستكمال عمليات الشراء وتحويل صنف الأراضي ضمن منطقة الخرنابات. إلا أن الموظفين يؤكدون أن كل ما يخص هذا الملف ما زال غامضاً بالكامل، خصوصاً في ظل غياب أي كشف مالي يوضح حجم المبالغ المتحصلة والتي يُعتقد أنها كبيرة جداً.

ثلاثة أعوام من الانتظار

وتعود جذور الأزمة إلى إعلان الجمعية قبل نحو ثلاث سنوات فتح باب التسجيل للحصول على قطع أرض مقابل دفع الثلث الأول من قيمة القطعة، أي ما يقارب 10 ملايين دينار لكل موظف، على أن تُنجز معاملات التخصيص خلال ستة أشهر. إلا أن الموظفين وبعد مرور أكثر من 36 شهراً لم يحصلوا على أي قطعة أرض، ولم تُعَد لهم أموالهم، فيما امتنعت الجمعية عن تقديم أي توضيح وغُلقت أبوابها مراراً أمام الموظفين المحتجين.

تحرك رسمي من وزارة الكهرباء

وزارة الكهرباء أعلنت أمس الأربعاء أنها وجّهت دائرتها القانونية للشروع برفع دعوى رسمية ضد الجمعية التعاونية ورئيس مجلس إدارتها، بعد تجاوز المهلة المحددة لإعادة الأموال المستلمة من الموظفين دون تنفيذ العقود.

وأكدت الوزارة أنها شكّلت فريقاً قانونياً خاصاً لمتابعة الملف بالتنسيق مع الجهات الرقابية والقضائية، مشددة على أنها "ستقف مع منتسبيها ولن تسمح بالاعتداء على حقوقهم المالية". وتشير المعلومات المتوافرة إلى أن الجمعية التعاونية استوفت من كل موظف نحو 10 ملايين دينار، فيما تُقدّر المبالغ الإجمالية المستحصلة من الموظفين بأكثر من 85 مليار دينار عراقي. ما يجعل هذا الملف واحداً من أكبر الملفات المالية المرتبطة بسكن الموظفين في قطاعات الدولة خلال الأعوام الأخيرة، ويفتح الباب على احتمالات واسعة تشمل التحقيقات، والمساءلة، وربما الملاحقة القضائية. في ظل تصاعد الغضب بين الموظفين وتزايد المطالب بالكشف عن مصير الأموال، تبدو القضية مرشحة للتوسع خلال الأيام المقبلة، ولا سيما مع دخول وزارة الكهرباء وهيئة النزاهة على خطّ المواجهة القانونية. ويبقى السؤال الأبرز: هل ستتمكن الجهات المعنية من استرداد مليارات الدنانير التي ينتظرها آلاف الموظفين؟ أم أن هذا الملف سينضم إلى قائمة الملفات المفتوحة التي لم تجد طريقها للحسم؟