اخر الاخبار

لم تعد الدروس الخصوصية مجرد خيار إضافي للطلبة، بل تحولت إلى واقع مفروض يتزايد عاماً بعد عام، خصوصاً بين طلبة الصف السادس الإعدادي. هذه الظاهرة التي فرضها ضعف جودة التعليم في المدارس الحكومية، أصبحت تُلقي بعبئها المالي والاجتماعي على الأسر، وتثير مخاوف بشأن تكافؤ الفرص والعدالة التعليمية.

ومع تزايد اعتماد الطلبة على المعاهد والمراكز الخاصة لضمان النجاح، يبرز التساؤل حول قدرة المدرسة الحكومية على أداء دورها الأساسي في توفير تعليم كافٍ وعادل لجميع الطلبة، دون الحاجة إلى بدائل مكلفة وخارجية.

وفي ظل تزايد ظاهرة الدروس الخصوصية وانتشار المعاهد التعليمية، تبرز تساؤلات كثيرة حول الأسباب الحقيقية التي دفعت الطلاب وأولياء الأمور للجوء إلى هذه الوسائل التعليمية خارج النظام الرسمي.

أسباب ضعف التعليم

التربوية هناء جبار توضح أن أسباب ضعف التعليم متعددة، لكن السبب الجوهري يعود إلى سياسة الدولة، وتحديدًا تعاطي وزارة التربية مع قطاع التعليم، حيث إن "إهمال هذا الجانب بشكل أو بآخر أدى إلى تدهور جودة التعليم".

وتشير إلى أن كثافة الطلاب في الصفوف المدرسية تعتبر من أبرز العقبات التي تحول دون حصول الطالب على استحقاقه الكامل من التعليم، حيث يصل عدد الطلاب في بعض المدارس إلى 50 أو 60 وحتى 70 طالبا في الصف الواحد، وفي بعض الحالات يتجاوز عدد الطلاب في المدرسة كاملة الألف طالب.

وتساءلت: "كيف يمكن للمعلم أن يخصص الوقت الكافي لكل طالب في ظل هذا العدد الكبير؟"، مشيرة إلى أن المعلم قد يتمكن من متابعة مجموعة فقط، بينما البقية ربما لا يتلقون فائدة حقيقية. هذه الأوضاع تضعف العملية التعليمية، كما أنها تؤثر سلبًا على أداء المعلم، الذي يواجه العديد من المعوقات.

إضافة إلى ذلك، تؤكد جبار أن البيئة التعليمية غير الملائمة، بالإضافة إلى قصر مدة الدروس نتيجة للدوام الثلاثي وكثرة المواد وصعوبة المناهج، تجعل الطالب يبحث عن بدائل لتحسين مستواه العلمي، مثل الدروس الخصوصية. وتعتبر هذه الظاهرة عاملا سلبيا في العملية التعليمية الرسمية.

ومن جهة أخرى، تنتقد جبار بعض الممارسات غير القانونية التي يمارسها بعض المعلمين، مثل تشجيع الطلاب على أخذ دروس خصوصية معهم، أو تقديم تسهيلات غير قانونية داخل المدرسة. وتؤكد أن هذه التصرفات "حالات سلبية وغير صحيحة، وغير قانونية أساسا"، وأن الوزارة أصدرت كتابا بشأن ذلك.

وتقول: "إذا أراد المعلم فعلاً مساعدة طلابه، يمكنه تنظيم دروس إضافية مجانية قبل الامتحانات، دون الحاجة إلى الدروس الخصوصية المدفوعة". وتضيف أن ضعف البنية التحتية التعليمية، مثل عدم توفر السبورات الجيدة، وعدم مواكبة التطور في طرق التدريس، يساهم في تدهور مستوى التعليم.

وتؤكد التربوية هناء جبار أن هذه المشكلات مجتمعة تؤدي إلى ضعف المستوى الإداري للمعلم، الذي ينعكس بدوره على المستوى العلمي للطالب، داعية إلى ضرورة إعادة النظر في السياسات التعليمية وتوفير بيئة تعليمية صحية، تساعد الطالب على تحقيق مستحقاته التعليمية دون الحاجة إلى اللجوء للدروس الخصوصية.

النجاح والتفوق مرتبطان بالكفاءة المالية!

من جانبها، تذكر الناشطة في مجال التعليم منى جعفر إن "ظاهرة لجوء الطلبة وأهالي الطلبة إلى الدروس الخصوصية لم تعد حالة استثنائية، بل أصبحت واقعا مفروضا يزداد عاما بعد آخر، خصوصاً بين طلبة السادس الإعدادي".

وتبين أن "الكثير من الطلبة باتوا ينظرون إلى الالتحاق بالمعاهد الأهلية والدروس الخاصة بوصفه شرطا أساسيا للنجاح، حتى أن بعضهم يتوجه لهذه المعاهد فور انتهاء مرحلة الخامس الإعدادي، قبل الدخول الفعلي إلى الصف السادس".

وأضافت جعفر لـ"طريق الشعب"، أن هذا التحول "يسهم بشكل مباشر في خلق فجوة اجتماعية واضحة داخل البيئة التعليمية، حيث يجد أبناء العائلات المقتدرة مادياً فرصا أكبر للحصول على دعم إضافي يمكنهم من تحسين مستوياتهم، بينما يبقى أبناء العائلات محدودة الدخل دون بدائل حقيقية".

وتابعت أن "هذا التفاوت يهدد مبدأ تكافؤ الفرص، ويجعل النجاح في كثير من الأحيان مرتبطًا بالقدرة المادية وليس فقط بالجهد الدراسي".

كما أشارت إلى وجود حالات "يُستغل فيها بعض الأساتذة حاجة الطلبة، ويُلمحون بشكل مباشر أو غير مباشر بأن النجاح أو الحصول على درجات أعلى مرتبط بالاشتراك في دروسهم الخصوصية بعد انتهاء الدوام". واعتبرت أن هذا السلوك "يمثل ضغط نفسي على الطلبة ويضعف ثقة الأسرة بالمؤسسة التعليمية، ويحوّل العملية التربوية إلى مسار تجاري بعيد عن رسالتها الأساسية".

وختمت جعفر بالتأكيد على "ضرورة وضع ضوابط حقيقية للحد من هذه الظاهرة، وتحسين جودة التعليم داخل المدارس الحكومية، حتى يشعر الطالب أن المدرسة كافية ولا يحتاج إلى بديل موازي أو مكلف".

غياب العدالة التعليمية!

من جانبها، ذكرت سميرة الخفاجي، مدرسة في إحدى المدارس الإعدادية، أن "إدارة مدرستنا تتخذ موقفا ثابتا وصارما من الدروس الخصوصية، وتؤكد باستمرار أنها لا تقبل بأي شكل من الأشكال أن تقوم المدرسات بتقديم دروس خاصة لطالبات المدرسة، خصوصا إذا كان ذلك يؤثر على نزاهة العملية التعليمية أو يضع الطالبات تحت ضغط غير مبرر".

وأضافت الخفاجي لـ"طريق الشعب"، أنه "برغم هذا الموقف الواضح، نلاحظ للأسف وجود بعض التجاوزات الفردية من قبل بعض المدرسات اللواتي يلجأن إلى طرق غير مباشرة أو ملتوية للتواصل مع الطالبات، سواء بالتلميح بأنهن بحاجة لدروس إضافية، أو الإيحاء بأن الدروس الخصوصية، قد تمنح الطالبة أفضلية في المادة".

وأكدت أن هذه السلوكيات "تُفقد المدرسة مصداقيتها وتهز ثقة الطالبات وأهاليهن بالعملية التعليمية".

وتابعت "ما يزيد من سوء الوضع هو اختفاء تقليد تربوي مهم كان معمولًا به في السنوات السابقة؛ إذ كانت المدرسة تتبرع بتقديم محاضرات مجانية أيام العطل للطالبات اللواتي فاتتهن بعض الدروس أو اللواتي يحتجن إلى تقوية إضافية. هذا الدعم كان يعوّض أي نقص ويمنح الطالبات فرصة عادلة لتحسين مستواهن دون أي أعباء مالية". وأشارت إلى أن "هذا النوع من المبادرات بدأ يختفي بشكل شبه كامل، الأمر الذي فتح الباب أمام توسع الدروس الخصوصية وتحولها إلى بديل شبه إلزامي".

وأكدت الخفاجي أن "غياب هذه المبادرات المجانية، إلى جانب محاولات بعض المدرّسات الاستفادة من حاجة الطالبات، أدى إلى خلق ضغط اجتماعي واقتصادي كبير على العائلات، وإلى شعور متزايد بأن النجاح مرتبط بالدروس الخصوصية وليس بالمدرسة نفسها".

وختمت بالقول: "نحتاج إلى إعادة إحياء ثقافة الدعم المجاني داخل المدارس، وتعزيز الرقابة على الممارسات غير المهنية، لأن العدالة التعليمية لا تتحقق إلا عندما يشعر الطالب أن المدرسة مصدر كافٍ للعلم، وأن الفرص متاحة للجميع دون تمييز".