اخر الاخبار

في ظل تراجع مستوى الحريات في العراق، تتسع ممارسات التضييق على الناشطين والصحفيين وأصحاب الرأي، مع تصاعد استخدام القوانين والإجراءات القديمة، لتوجيه دعاوى قضائية ضد كل من يجرؤ على النقد أو التعبير عن موقف سياسي بالضد من مزاج وتوجهات الأحزاب والقوى السياسية المتنفذة.

وتشير تقارير ومتابعات دولية ومحلية الى أن هذه الممارسات تهدد حقوق الأفراد وتُضعف سيادة القانون، ما يثير مخاوف من عودة ظواهر كانت مرتبطة بفترات الاستبداد السابقة، وتضع البلاد أمام خطر انزلاق تدريجي نحو التقييد والوصاية على الحريات الأساسية.

تحذير من انقلاب على الدستور

وحذرت مبادرة «عراقيون»، في بيان من انقلاب صامت تقوم به السلطات على مبادئ الدستور الضامنة للحقوق والحريات، بدءاً من إعادة العمل بتشريعات النظام السابق، وخرق الدستور في عمل بعض الأجهزة الأمنية، وصولاً إلى استخدام الدولة لخدمة مصالح حزبية وتقويض حق الدفاع والتقاضي العادل.

وشدد البيان الذي اوردته المبادرة لـ"طريق الشعب"، والموقع من عشرات الشخصيات الأكاديمية والثقافية والسياسية، على خطورة تصاعد الانتهاكات التي تشكل انقلابًا ناعماً على الديمقراطية، عبر قوانين وإجراءات موازية تعزز هيمنة أجهزة أمنية وأحزاب على حساب سيادة القانون.

ودعا إلى الوقف الفوري لاستخدام القوانين والسياسات الدكتاتورية، واحترام استقلالية القضاء، وإعادة النظر في قوانين الأجهزة الأمنية، ووقف جميع الإجراءات التعسفية خارج الإطار القانوني، مع تأكيد حرية التعبير ووقف ظاهرة «دعاوى الرأي والتعبير».

وختم البيان بالتأكيد على أن الدستور يمثل العقد الاجتماعي الأسمى، محذراً من انزلاق البلاد نحو الاستبداد من جديد، ومطالباً السلطات ومؤسسات المجتمع المدني والجهات المعنية بحقوق الإنسان بالتكاتف للدفاع عن الحريات الدستورية

عودة لقوانين النظام البائد

في هذا الصدد، اكد الكاتب فارس حرّام أن ما يجري اليوم هو “عودة ناعمة وغير معلنة” لاستخدام القوانين الموروثة من النظام السابق، لاسيما المواد المتعلقة بتقييد الحريات.

وقال حرّام لـ"طريق الشعب"، إنّ المحاكم العراقية "تشهد تزايداً في الدعاوى التي يرفعها أشخاص مقرّبون من السلطة ضد أصحاب الرأي والمعارضين، رغم أن ما صدر عن هؤلاء لا يرقى إلى الجرائم الجنائية، بل يندرج في إطار التعبير عن الرأي أو نقد أداء السلطات".

وأضاف حرام، أن هذا المسار "تصاعد بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة، وخصوصاً بعد احتجاجات تشرين، وكأنه محاولة استباقية لردع أي أصوات نقدية جديدة أو حركات احتجاجية محتملة"، مؤكداً أن "التضييق على حرية التعبير سيعمّق أزمة النظام بدلاً من معالجتها".

وأشار إلى أن العراق يواجه أصلاً "أزمات اقتصادية وثقافية متراكمة ناجمة عن انتشار الفقر والبطالة والجهل، إلى جانب تقلبات أسعار النفط، والتوترات الإقليمية، وتكرار انتهاكات السيادة.

ومع ذلك تتجه السلطات نحو تضييق إضافي على الحريات، الأمر الذي قد يؤدي إلى “سدّ الأفق تماماً أمام الشباب” ويفتح الباب أمام “انفجار اجتماعي كبير”.

وشدد على أن أي جهد قضائي حقيقي ينبغي أن يُوجَّه نحو ملاحقة الفاسدين والمخربين الفعليين، لا ضد الناشطين والمناضلين ضد الفساد والخراب.

وختم حديثه بتوجيه دعوة إلى الأحزاب والمنظمات والأفراد لعدم الصمت أمام ما يحدث، لأن استمرار هذا النهج سيحوّل الدولة إلى “دولة قمع واستبداد”، ويقود إلى ضياع مكتسبات الحرية التي تحققت بعد سقوط نظام صدام حسين.

في ذيل مؤشرات الديمقراطية

من جانبه، قال رئيس مركز ميترو للحريات الصحفية، رحمن غريب، إن التقارير الدولية المتعلقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الصحافة والشفافية تكشف بشكل متكرر، إن العراق يقف في ذيل الترتيب العالمي عند الحديث عن الحريات والديمقراطية وحقوق المرأة والصحفيين. وفي المقابل، يحتل المراتب الأولى عندما يتعلق الأمر بالفساد، وانعدام الشفافية، وقضايا الإفلات من العقاب، والتلوث.

وأكد غريب في تعليق لـ"طريق الشعب"، أن هذه المؤشرات مجتمعة تعكس “تراجعاً واضحاً” في مستوى الديمقراطية والحريات في العراق، مشيراً إلى غياب احترام الآليات الديمقراطية الأساسية، بما في ذلك الانتخابات، وارتفاع معدلات العزوف الشعبي عن التصويت، واضطراب إجراءات التسجيل والاقتراع.

وأوضح أن "التراجع لم يعد مقتصراً على المحافظات العراقية الأخرى، بل شمل أيضاً اقليم كردستان الذي كان يُنظر إليه سابقاً باعتباره أفضل نسبياً في مجال الحريات".

وأضاف أن "المنظمات الدولية اليوم تتعامل مع العراق بوصفه وحدة واحدة، ولا تميّز بين الإقليم وباقي المحافظات، وهو ما يشير إلى تراجع ملموس في مساحة الحريات داخل الإقليم نفسه".

وحول الممارسات القضائية، عبّر غريب عن قلقه من تحول الدعاوى القضائية إلى أداة للانتقام وتصفية الحسابات ضد الناشطين والصحفيين.

وأضاف قائلاً: "اليوم أي شخص يكتب منشوراً ناقداً يمكن أن تُرفع ضده دعوى، وتتحرك الإجراءات بسرعة غير طبيعية، بينما قد تستغرق الدعاوى ضد المسؤول سنوات من دون أن تُحسم. هذا يثبت أننا لسنا متساوين أمام القانون”.

وأضاف أن هذا النهج يعمّق حالة الغضب الشعبي تجاه السلطات، ويزيد من تراكم الاحتقان العام.

وتابع حديثه بالقول "حين ننظر إلى المشهد في عموم العراق نجد أن غضب الناس من الطبقة السياسية يتصاعد باستمرار. تراكم هذه الأزمات وهذه الأساليب القمعية يخلق بيئة خطرة قابلة للانفجار”.

وختم غريب بالتأكيد على أن "استمرار هذا المسار سيقود إلى مزيد من التدهور في الحريات والديمقراطية"، محذراً من أن "تجاهل حالة السخط الشعبي سيضاعف الأزمات بدل أن يسهم في حلها".

تجاوز دستوري

الى ذلك، قال الكاتب والصحفي فلاح المشعل، إن ما نشهده من تصاعد حالات التضييق والدعاوى القضائية ضد الإعلاميين والناشطين السياسيين يعد تجاوزاً مباشراً على الدستور العراقي، الذي يكفل حق التعبير والرأي لكل المواطنين، ويمنح مساحة أوسع للصحفيين والنشطاء لما لهم من دور في البحث عن الحقائق ومكافحة الفساد ونقد الظواهر السلبية.

واضاف المشعل في حديث لـ"طريق الشعب"، أن المادة 38 من الدستور العراقي تؤكد حق التعبير وحرية الإعلام والملاحظة، مشدداً على أن "أي تقييد لهذه الحقوق يشكل خرقًا صريحًا للنظام الديمقراطي".

وتابع أن هناك "تصاعداً واضحاً في عدد الدعاوى القضائية المرفوعة ضد الإعلاميين والنشطاء"، مشيراً إلى حالات عديدة بينها "النائب سجاد سالم الذي واجه عشرات القضايا، إلى جانب حسين الغرابي وآخرين".

وأكد أن "النظام الديمقراطي قائم على النقد الدائم والمراقبة المستمرة والمعارضة المشروعة، خلافاً للنظام الشمولي الذي يفرض الاستسلام للسلطة"، مشيرا الى أن “الشعب هو مصدر السلطات، فكيف يمكن أن يكون مصدر السلطات إذا لم يُسمح له بالتعبير بحرية؟”.

وحذر المشعل من أن "استمرار مثل هذه الممارسات يؤدي إلى تعاظم الاستبداد السياسي والطائفي ويقوض مفاهيم الدولة المدنية والديمقراطية"، مشدداً على أن "هذا النهج يتعارض تماماً مع روح ومبادئ الدستور العراقي".