لا مكان لدعاة الإصلاح
لموقع معهد Chatham House البريطاني، كتب حيدر الشاكري مقالاً حول الانتخابات التشريعية التي جرت في 11 تشرين الثاني الماضي، وما أسفرت عنه من عدم تمكّن الأحزاب والشخصيات المرتبطة بحركة تشرين الاحتجاجية من الفوز بمقاعد في البرلمان، على عكس ما جرى في انتخابات 2021 التي فاز فيها عشرات النواب المدنيين والإصلاحيين، ممن ساهموا أو حُسبوا على انتفاضة تشرين، ذات المطالب المتعلقة بإصلاح النظام السياسي العراقي.
خيبة قاسية
وأشار المقال إلى أن الانتخابات السابقة أنعشت الآمال في إمكانية الإصلاح من داخل النظام السياسي إذا ما مُورس الضغط الشعبي اللازم، فيما بددت نتائج انتخابات 2025 هذه الآمال. وذكر الكاتب أن العديد من النواب الجدد غير المنتمين إلى المؤسسات قد واجهوا بعد فوزهم في انتخابات 2021 مزيجًا من الضغوط والإغراءات والعقبات الإجرائية التي جعلت من الصعب عليهم العمل، بل تم استهداف بعضهم بشكل مباشر وطردهم من جلسات برلمانية بسبب رفضهم التصويت كما يريد المتنفذون، فيما تعرّض مكتب النائب المستقل سجاد سالم للهجوم بعد انتقاده للجماعات المسلحة، واستُبعد مرتين كمرشح لانتخابات 2025.
وتم تهميش النواب الذين رفضوا الانضمام إلى الكتل الكبيرة داخل اللجان المؤثرة، كما أُغرِي آخرون بوعودٍ بالمناصب أو الحماية أو الوصول إلى الموارد، إلى الحد الذي دفعهم إلى التخلي عن استقلاليتهم وصوتهم الاحتجاجي والانضمام إلى أحزاب المؤسسة. واستشهد الكاتب بحديث للنائب السابق محمد عنوز بأن النظام السياسي العراقي شديد المقاومة للإصلاح لأن النخب السياسية ما تزال تهيمن على كل من العملية السياسية والهياكل البرلمانية، مستبعدةً أولئك الذين ليسوا جزءًا من هذا النظام. لقد بعثت مثل هذه الحوادث برسالة واضحة حول ضعف النواب غير المنحازين داخل النظام السياسي.
تفكك وضبابية
وبيّن المقال أن الضغوط الهيكلية التي تعاظمت مع بدء الحملة الانتخابية قد أثّرت سلبًا على القوى المدنية التي رفضت التدجين؛ فهناك من اختار عدم الترشح مجددًا، وهناك من نأى بنفسه عن الكتل المتنفذة، غير أن الأكثرية بقيت تعاني من التشرذم والتوزّع على ما لا يقل عن ثلاث قوائم، إضافة إلى النقص الشديد في الموارد، وغياب أي مستوى من تكافؤ الفرص، مما أدى إلى خسارتهم جميعًا.
معايير لا ديمقراطية
وأكد الكاتب أن القوى المدنية والمستقلين قد واجهوا صعوبات جمّة بسبب البيئة الانتخابية المفصّلة على مقاييس الأحزاب المتنفذة. فمنذ عام 2022 وحتى عام 2025، استخدمت هذه الأحزاب موارد الدولة لتعزيز مكانتها وتقليص المساحة المتاحة للفاعلين المدنيين، إذ سمحت لها سيطرتها على الوزارات والمجالس المحلية بتوزيع الوظائف والعقود والمشاريع المحلية على الشبكات الموالية. كما أبقت قانون الأحزاب السياسية لعام 2015، الذي يحظر على الأحزاب امتلاك أجنحة مسلحة ويشترط الشفافية في تمويلها، معطَّلاً إلى حد كبير، لإدراكها بأن أي تطبيق جدي لأحكامه الأساسية سيمنع هذه الأحزاب من الوصول إلى ميزانيات الدولة وامتلاك مجاميع مسلحة.
الحقيقة ليست في صناديق الاقتراع
وذكر الكاتب أن اختفاء الأحزاب المرتبطة بتشرين تقريبًا من البرلمان لا يعني أن العراقيين قد قبلوا النظام السياسي. ففي العديد من المدن التي شهدت احتجاجات عام 2019، كانت نسبة المشاركة في التصويت من بين الأدنى في البلاد. ويشير هذا النمط إلى أن العديد من المتظاهرين السابقين اختاروا التراجع عن عملية انتخابية لم يعودوا يرونها وسيلة للتغيير. كما إن اللامبالاة الواضحة لدى الناخبين، لا تعني بأن العراقيين فقدوا اهتمامهم بشؤون البلاد، بل تعني بأنهم يختارون توجيه هذا الاهتمام إلى حيث يشعرون بإمكانية إحداث تأثير.
ماذا عن مستقبل الإصلاح؟
ورأى الكاتب أن زخم الاحتجاجات ووضوحها لا يكفيان في نظام يقاوم التغيير بنشاط. واقترح على القوى المدنية إعادة بناء الثقة مع قاعدتها الشعبية، وخاصة مع الأغلبية الصامتة التي لم تصوّت، وتبنّي فكرة التغيير البطيء ولكن المستدام، والعمل على توحيد الجهود؛ فوجود منصات مشتركة على مستوى المحافظات، وأجندة سياسات مشتركة، واتفاقيات للتعاون بدلًا من التنافس في الدوائر الانتخابية نفسها، من شأنه أن يساعد في تجنب الخسائر الذاتية.
كما رأى الكاتب ضرورة الكفاح لتطبيق قانون الأحزاب السياسية والحد من الفساد ومن دور المال السياسي، وبالتالي استغلال هذه الهزيمة لصنع تغيير يبدّل قواعد اللعبة ويخلق بيئة ديمقراطية حقيقية.