اخر الاخبار

شهد العراق خلال الأيام الأخيرة، موجة أمطار غزيرة، أدت إلى ارتفاع مناسيب المياه في عدد من الأنهار والسدود التي تقاسي الجفاف، لكنها في المقابل سجلت خسائر بشرية وأضرارا مادية في محافظات عدة. وفي الوقت الذي يرى فيه مسؤولو وزارة الموارد المائية أنها حققت فوائد مهمة للري والمخزون المائي، حذر خبراء وأكاديميون من استمرار غياب التخطيط والتمويل لمشاريع حصاد المياه، وعلى رأسها مشاريع سدود الحصاد التي لم تُنفذ رغم أهميتها، في مواجهة موجات السيول والجفاف.

تراجع الضغط على الآبار

من جهته، أكد ميثم علي، المدير العام للهيئة العامة للمياه الجوفية في وزارة الموارد المائية، أن الأمطار التي هطلت يوم أمس في مناطق كركوك والسليمانية دفعت بـ500 متر مكعب من المياه خلال ثلاث ساعات إلى نهر دجلة عبر الزاب الصغير، ما أثر بشكل مباشر على منسوب النهر.

وأوضح علي، أن تأثير الأمطار على المياه الجوفية قد لا يكون مباشراً، لكنه مفيد بشكل غير مباشر، إذ سيخفف الضغط على استخدام الآبار من قبل المزارعين لمدة تقارب شهراً كاملاً، نتيجة توفر مياه الري السطحية.

وأشار إلى أن الأمطار التي هطلت في المناطق القريبة من سد الموصل عززت المخزون المائي فيه، فيما تتجه مياه الأمطار في وسط البلاد نحو بحيرة الثرثار التي تمثل خزّاناً استراتيجياً للمياه.

سد الموصل ينتعش

من جانبه، قال حاتم طيب، مدير سد الموصل، إن السد شهد ارتفاعاً واضحاً في منسوب المياه نتيجة الأمطار الأخيرة، مؤكداً أن جزءاً من الأمطار التي تهطل سنوياً في دهوك وزاخو يصل إلى السد ويسهم في تعزيز مخزونه المائي.

بدوره، أكد غزوان السهلاني، معاون مدير عام الهيئة العامة لتشغيل مشاريع الري والبزل، أن موجة الأمطار وفرت متطلبات الري للمرحلة الأولى من الموسم الشتوي، ضمن الخطة الزراعية المقرة.

وأضاف أن الأمطار رفعت من مناسيب مياه الأهوار وساهمت في دفع اللسان الملحي جنوب البلاد، إلى جانب تقليل الضغط على المخزون الجوفي في المرحلة الأولى من ري الأراضي الزراعية.

الخزين ارتفع بنسبة 2% فقط

وبرغم هذه الفوائد التي تحدث عنها المعنيون، يشير مرصد "العراق الأخضر" البيئي إلى أن كميات الأمطار الأخيرة لم ترفع الخزين المائي في السدود والخزانات إلا بنسبة تتراوح بين 1 و2% فقط، ما يؤكد استمرار ضعف الموارد المائية مقارنة بحجم الحاجة.

وذكر المرصد، أن محافظة السليمانية تصدرت المحافظات بكمية الأمطار التي بلغت 86 ملم، بينما سجلت دوكان 52 ملم. وحلت محافظة ذي قار ثانياً بمعدل أمطار بلغ 11.5 ملم، فيما تصدرت منطقة الأعظمية في بغداد العاصمة بنسبة 11.4 ملم.

ونبه الى أن البلاد ما تزال بحاجة إلى موجات مطرية وسيول مشابهة لتلك التي شهدتها قبل يومين، بهدف إنعاش الأهوار التي تعاني من انخفاض حاد في مناسيب المياه، ورفع الخزين المائي في السدود التي وصلت إلى مستويات متدنية.

وطالب المرصد الجهات الرسمية باستثمار هذه الموجات المطرية بعمليات حصاد المياه وتعزيز التخزين في المناطق التي تعاني من نقص حاد، خصوصاً في محافظات الجنوب والوسط.

تعطيل مشاريع سدود الحصاد

وفي سياق متصل، انتقد الأكاديمي نجم عبد طارش استمرار تعطّل مشاريع السدود التي اقترحتها وزارة الموارد المائية قبل عامين، مبيناً أن غياب التمويل تسبب بخسارة البلاد ملايين الأمتار المكعبة من المياه.

وقال طارش إن الوزارة صممت 36 سداً للحصاد في مناطق غرب وشرق العراق، قرب الحدود مع إيران والسعودية، وهي مناطق مرتفعة تصب سيولها باتجاه الأراضي العراقية الأقل ارتفاعاً، وتتجه بكميات هائلة نحو محافظات واسط وميسان والمثنى والأنبار.

وأضاف أن هذه المشاريع لم تنفذ بسبب نقص التمويل، رغم أن كلفتها مجتمعة لا تتجاوز 500 مليون دولار، مضيفاً أن العراق "بحاجة إلى كل قطرة ماء" في ظل الظروف التي تضعه على حافة أزمة مائية خطيرة.

مقر طوارئ بين كركوك وصلاح الدين

وفي ظل الأضرار التي تسببت بها السيول، أعلنت خلية الإعلام الأمني أن القائد العام للقوات المسلحة، محمد شياع السوداني، وجه بفتح مقر متقدم لإدارة الأزمات بين محافظتي كركوك وصلاح الدين.

وتتضمن الإجراءات، تأمين طائرات من قيادة طيران الجيش لتنفيذ عمليات الإجلاء، وفتح الطرق وترميم الجسور المتضررة. إضافة الى تخصيص مبالغ طوارئ لدعم الإغاثة، خصوصاً في إقليم كردستان المتضرر من موجة السيول.

فيما أفاد مصدر محلي في قضاء طوز خورماتو بمحافظة صلاح الدين، أن السيول الجارفة التي شهدتها المنطقة خلال الساعات الماضية أدّت إلى خروج الجسر الرئيس الرابط بين طوز خورماتو ومحافظة كركوك عن الخدمة بشكل كامل، ما تسبب بشلل حركة المرور وإغلاق الطريق الحيوي الذي يربط القضاء بالمحافظة.

وقال المصدر، إن "موجة الأمطار الغزيرة تسببت بارتفاع منسوب المياه في وادي طوز، ما أدى إلى تضرر الهيكل الإنشائي للجسر وانهيار أجزاء منه، الأمر الذي دفع الجهات الأمنية والبلدية إلى إغلاق الطريق فوراً حفاظاً على سلامة المواطنين".

وأضاف أن "فرق الدفاع المدني والجهات الخدمية تواصل أعمالها منذ ساعات الفجر لتقييم حجم الأضرار، فيما تم تحويل مسار المركبات إلى طرق بديلة، رغم صعوبتها وبعدها، ما أدى إلى ازدحامات وتأخير في حركة التنقل بين طوز خورماتو وكركوك".

وأشار المصدر إلى أن "خروج الجسر عن الخدمة يهدد بانقطاع الإمدادات بين القضاء والمحافظة ويؤثر على حركة التجارة ونقل البضائع"، مؤكداً أن "السلطات المحلية خاطبت الجهات المعنية في المحافظة ووزارة الاعمار والاسكان للإسراع في إرسال فرق فنية متخصصة للبدء بأعمال الصيانة وإعادة فتح الطريق بأقرب وقت ممكن".

وأفادت مصادر محلية، يوم الثلاثاء، بأن السيول قطعت طريق بغداد - كركوك قرب منطقة طوزخورماتو ضمن محافظة صلاح الدين.

أفاد مصدر في مديرية طرق وجسور صلاح الدين، امس الأربعاء، بانهيار جزء من جسر الزركة – طوز خورماتو الدولي، الرابط بين تكريت والقضاء، نتيجة تضرر الركائز بفعل السيول، ما أدى إلى اعتماد مسار واحد فقط لضمان استمرار حركة المرور ومنع أي انهيارات إضافية.

حوادث مأساوية

والى جانب ذلك، شهدت محافظات عدة خلال الساعات الماضية حوادث مأساوية نتيجة السيول والأمطار، مخلفة خسائر بشرية ومادية كبيرة؛ ففي السليمانية، فقد اثنان من المواطنين حياتهما في قضاء جمجمال، وهما عمر سعيد أمين (72 عاماً) وبشارات شريف (22 عاماً)، فيما ما يزال البحث مستمراً عن طفلين مفقودين من المنطقة، هما كارزان عبد الله (11 عاماً) وجرا محمد (9 أعوام)، بعد أن جرفتهما السيول.

وفي كركوك، لقيت الطفلة بيار عيسى يوسف (7 سنوات) حتفها بعدما جرفتها مياه السيول في ناحية ليلان، فيما شهدت مناطق جنوب وشرق المحافظة فيضانات واسعة أدت إلى إغلاق الطرق الرئيسية وجرف عدد من السيارات، ما زاد من معاناة السكان.

أما في ذي قار، فقد توفي شخصان في قضاء الشطرة إثر انهيار منزل نتيجة الأمطار الغزيرة.

كما شهدت محافظة ديالى، أضراراً مختلفة جراء شدة السيول والأمطار التي ضربت المحافظة خلال الساعات الماضية، والتي تسببت بأضرار مادية متوسطة في طرق ناحية "قرة تبة"، حيث أخرجت طريقي "قرة تبة - سرحة وقرة تبة – كفري" عن الخدمة. كما أنها تسببت بغرق بعض الشوارع والمنازل في مناطق متفرقة.

كما تسببت مياه الصرف الصحي وطفح المجاري نتيجة شدة الأمطار بغرق أروقة مبنى السراي التراثي وسط مدينة بعقوبة من المدخل وصولا الى الممرات الداخلية في الطابق الأرضي وغرفة الحارس، الامر الذي اضطر نقابة الفنانين في المحافظة الى "تعليق" كافة الأنشطة بالوقت الراهن نتيجة غرق السراي، الذي يضم مقار ومكاتب عدد من النقابات والاتحادات الفنية والأدبية بينها مقر نقابة الفنانين.

منخفض جديد يقترب

إلى ذلك، أفادت الهيئة العامة للأنواء الجوية والرصد الزلزالي بأن البلاد ستتأثر ابتداءً من فجر الخميس بمنخفض جوي جديد قادم من بلاد الشام، مصحوب بجبهة باردة، ما يؤدي إلى عودة السحب بكثافة وهطول أمطار خفيفة إلى معتدلة في عدد من المحافظات.

وتشير التوقعات إلى استمرار المطر اليوم في السليمانية وأربيل وشرق دهوك وديالى وواسط وميسان، وأمطار خفيفة في شرق بغداد وصلاح الدين والبصرة وبابل والديوانية، واحتمالية غزارة في واسط والسليمانية وشرق ديالى.

أما يوم الجمعة، فسيتعمق تأثير المنخفض، لتشمل الأمطار أغلب مدن البلاد مع فرص للرعد، قبل أن تنحسر مساء الجمعة، فيما تستمر السبت على الشمال وشرق البلاد، مع انخفاض واضح في درجات الحرارة.

وحذّر التقرير من تشكل الضباب وتدني مدى الرؤية فجر الخميس والجمعة، مع توقع تجدد الضباب فجر السبت على نطاق أوسع.