اخر الاخبار

رغم وعود الحكومية برفع حجم الإيرادات غير النفطية وتنويع الاقتصاد، لا تزال النتائج على أرض الواقع محدودة، والإيرادات غير النفطية لم تحقق سوى نسبة ضئيلة من إجمالي الموارد، فيما يظل النفط المصدر الرئيسي للموازنة العامة. 

واقتصرت محاولات التنويع على بعض القطاعات المحدودة مثل الزراعة والصناعة الخفيفة والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، من دون ايجاد خطة شاملة تشمل الصناعة الثقيلة، الخدمات، السياحة، والبنية التحتية الرقمية، ما جعل الاقتصاد العراقي هشاً ومعرضاً لصدمات مالية عند أي هبوط في أسعار النفط أو حدوث أزمات خارجية.

محاولات محدودة لتنويع الايراد

في هذا السياق، قال أستاذ الاقتصاد الدولي نوار السعدي إن الحكومة لم تُحقق تقدماً فعلياً في رفع حجم الإيرادات غير النفطية أو تنويع الاقتصاد خلال السنوات الأربع الماضية، رغم الوعود المعلنة وخطط الإصلاح التي طُرحت في أكثر من مناسبة.

وأضاف السعدي في حديث لـ"طريق الشعب"، أن الإيرادات غير النفطية ما تزال تشكل ما بين 8 في المائة - 12 في المائة فقط من إجمالي إيرادات الدولة، وهي نسبة منخفضة جداً، قياساً بالحاجة الماسة إلى تقليل الاعتماد على النفط الذي يعرّض الموازنة لتقلبات أسعار السوق العالمية.

وبيّن أن "الإجراءات الحكومية مثل الإصلاحات الضريبية المحدودة وتفعيل الجباية الكمركية لم ترتقِ إلى مستوى استراتيجية اقتصادية متكاملة قادرة على توليد موارد مستدامة".

وتابع أن "محاولات تنويع الاقتصاد اتجهت نحو قطاعات محدودة كالتكنولوجيا والطاقة البديلة والزراعة، لكن من دون وجود خطة شاملة تشمل الصناعة والخدمات والسياحة والبنية التحتية الرقمية، ما يجعل الاقتصاد العراقي، هشاً ومعتمداً بصورة شبه كاملة على صادرات النفط، ومعرضاً لصدمات مالية متكررة عند أي هبوط في الأسعار أو اضطرابات خارجية".

وأشار السعدي إلى أن "ما تحقق من زيادة طفيفة في الإيرادات غير النفطية جاء نتيجة ظروف سوقية ظرفية، وليس نتيجة إصلاحات هيكلية مستدامة"، مؤكداً أن "الحكومة المقبلة مطالبة باتخاذ خطوات عاجلة وجذرية، تشمل توسيع القاعدة الضريبية، دعم الصناعة المحلية، وتعزيز مصادر الدخل البديلة لضمان استقرار مالي طويل الأمد".

مبادرات غير مجدية

من جهته، اكد الباحث في الشأن الاقتصادي أحمد عبد ربه إن الحكومة العراقية حققت خلال السنوات الأخيرة بعض الخطوات الإيجابية نحو زيادة الإيرادات غير النفطية وتنويع الاقتصاد، لكنه أشار إلى أن هذه الجهود ما تزال محدودة ولم تُحدث تغييراً جوهرياً في هيكل الاقتصاد الوطني.

وقال عبد ربه في حديث لـ "طريق الشعب"، أن "الإيرادات غير النفطية ارتفعت إلى نحو 12 في المائة من إجمالي إيرادات الدولة في 2024، مقارنة بـ7 في المائة في 2023"، معتبراً "هذا التحسن مؤشراً جيداً نسبياً".

وأضاف ان "لاقتصاد الوطني يظل ضعيفاً طالما يواصل الاعتماد شبه الكلي على النفط، الذي يشكل حوالي 90 في المائة من عوائد الدولة، ويجعل الموازنة معرضة لتقلبات أسعار السوق العالمية".

وأشار إلى أن "الحكومة تبنت خلال الفترة الماضية عددا من المبادرات في قطاعات الزراعة، الصناعة الخفيفة، والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، لكنها لم تؤدِ بعد إلى نتائج ملموسة على الاقتصاد الكلي، نتيجة المعوقات البيروقراطية وضعف البنية التحتية، إضافة إلى غياب بيئة تشريعية وتشغيلية محفزة للاستثمار".

وزاد بالقول إن "أي تحسن طفيف في الإيرادات غير النفطية كان مرتبطاً إلى حد كبير بالظروف السوقية المؤقتة، وليس بالإصلاحات الهيكلية المستدامة".

وشدد على أن "الاقتصاد لا يزال هشاً، ويعتمد اعتماداً شبه كامل على النفط، ما يعرّض الدولة لصدمات مالية عند أي انخفاض في الأسعار أو حدوث أي أزمة خارجية".

وخلص الى القول إن "استمرار الإصلاحات الاقتصادية وتهيئة بيئة استثمارية مستقرة وتوسيع قاعدة الإيرادات غير النفطية تمثل عوامل حاسمة في تحقيق استقرار مالي طويل الأمد، وتقليل الاعتماد على النفط، وضمان قدرة الدولة على مواجهة التحديات الاقتصادية المستقبلية".

أزمة مالية مرتقبة في الـ 2026

وتوقع الخبير الاقتصادي العراقي أحمد صدام، أن يواجه العراق أزمة مالية صعبة خلال العام المقبل 2026، مرجعاً ذلك إلى الاعتماد الكبير على الإيرادات النفطية التي تشير التقارير الدولية إلى احتمال انخفاض أسعاره إلى ما بين 55 و62 دولاراً للبرميل الواحد.

وقال صدام في تعليق صحفي، أنه "لا توجد حلول سريعة أو قصيرة المدى لهذه الأزمة، إلا أن الحكومة تستطيع اتخاذ إجراءات تخفف من حدتها، أبرزها تخفيض النفقات غير الضرورية، خصوصاً ما يتعلق بـ(الرئاسات الثلاث) التي تصل رواتبها إلى نحو 6 تريليونات دينار، إضافة إلى 5–6 تريليونات دينار نفقات تشغيلية أخرى".

وراهن على "إمكانية تعزيز الإيرادات عبر تحسين التحصيل الضريبي والجمركي والحد من الهدر المالي، بما قد يسهم في تقليص جزء من العجز"، مشيرا الى أن "موازنة 2026 إذا ما جاءت مماثلة لموازنة 2024 البالغة نحو 210 تريليونات دينار، فقد تسجل عجزاً يتراوح بين 70 و80 تريليون دينار".

وحذر من أن "هذا الأمر سيجبر الحكومة على التركيز على النفقات الحاكمة مثل الرواتب والرعاية الاجتماعية والنفقات التشغيلية الضرورية، على حساب الإنفاق الاستثماري الذي من المتوقع أن ينخفض بشكل كبير".

ونوّه إلى أنه "في حال لجوء الحكومة إلى سياسة تقشفية وتقليل تخصيصات المحافظات ونفقات الرئاسات الثلاث، فقد يبقى العجز ضمن حدود 65 تريليون دينار ولن يصل إلى 80 تريليون دينار، إلا أنه سيبقى كبيراً بكل الأحوال".

وكان الخبير الاقتصادي منار العبيدي حذر في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025 من أن العراق يواجه عجزاً مالياً حاداً قد يتجاوز 15 تريليون دينار نهاية 2025، نتيجة ارتفاع النفقات العامة مقابل محدودية الإيرادات غير النفطية واعتماد الميزانية على النفط فقط.

من جانبه أكد مرصد "إيكو عراق" في 6 أيلول 2025 أن العراق سجل عجزاً مالياً كبيراً تجاوز 7.5 تريليونات دينار خلال النصف الأول من 2025، نتيجة ارتفاع النفقات الفعلية مقابل محدودية الإيرادات، مع اعتماد شبه كامل على النفط.

وأشار عضو المرصد علي ناجي في بيان صحفي إلى أن السعر الحالي للنفط (68 دولاراً للبرميل) لا يكفي لتحقيق التوازن المالي، حيث يحتاج إلى 81.6 دولاراً، ما يعكس محدودية خيارات الحكومة لسد العجز المهدد بالتفاقم مستقبلاً.

وشدد مرصد "إيكو عراق" على ضرورة خفض النفقات التشغيلية غير المرتبطة بالرواتب والأجور وتنويع مصادر الإيرادات، في ظل ارتفاع الإنفاق العام خاصة على الأجور والمعاشات.