في مشهد يطوي صفحة استمرت أكثر من عقدين، ودّع العراق، أمس السبت، بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، في خطوة تُعد من أكثر التحولات حساسية في علاقته مع المجتمع الدولي منذ عام 2003، بالتزامن مع زيارة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى بغداد للمشاركة في مراسم الإعلان الرسمي لانتهاء ولاية البعثة. رئيس مجلس الوزراء المنتهية ولايته محمد شياع السوداني شدد، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع غوتيريش، على أن انتهاء عمل “يونامي” لا يعني نهاية الشراكة مع الأمم المتحدة، بل بداية فصل جديد يقوم على التعاون التنموي طويل الأمد، بعد انتقال العراق من مرحلة إدارة الأزمات إلى مرحلة التخطيط التنموي والاعتماد على الجهود الذاتية. وأكد السوداني أن العراق نجح في ترسيخ المسار الديمقراطي عبر انتخابات وصفها بأنها “الأكثر تنظيماً ومصداقية”، مشيراً إلى ارتفاع نسبة المشاركة إلى أكثر من 56%. في المقابل، تبرز مخاوف جدية من تداعيات إنسانية وسياسية لإنهاء عمل البعثة. مختصون وحقوقيون حذروا من “فراغ إنساني” قد يصعب على الحكومة تعويضه، خصوصاً في ملفات دعم الفئات الهشة، البيئة، وحقوق الإنسان.
القانوني محمد جمعة يرى أن قرار إنهاء عمل البعثة جاء “مستعجلاً” وخضع لضغوط سياسية أكثر من استناده إلى تقييم واقعي لاحتياجات العراق الحالية، محذراً من أن انعكاساته الإنسانية ستكون مباشرة على الفئات الهشة التي كانت تستفيد من برامج تشرف عليها منظومة الأمم المتحدة. ويضيف أن التأثير السياسي للقرار قد يظهر على مستوى صورة العراق الدولية، لا سيما في التقارير والتقييمات المتعلقة بحقوق الإنسان والحوكمة والالتزامات الدولية.
من جهته، يحذر رئيس مركز العراق لحقوق الإنسان علي العبادي من أن غياب “يونامي” سيضعف قدرات المؤسسات الوطنية في التعامل مع ملفات معقدة، مثل التلوث البيئي، مراقبة السجون، حماية حرية التعبير، وتمكين الهيئات الرقابية. ويؤكد أن فرق الأمم المتحدة كانت تمتلك صلاحيات وخبرات دولية يصعب تعويضها محلياً، وأن خروجها سيختبر جدية الدولة في سد هذا الفراغ.
ويرى باحثون أن تراجع الاهتمام الدولي بالملف العراقي، بالتزامن مع ضعف الضغط الداخلي، قد يفتح الباب أمام مزيد من الانتهاكات غير المرصودة، محذرين من أن إنهاء عمل “يونامي” لا يمثل حدثاً إدارياً عادياً، بل تحولاً قد يعيد رسم علاقة العراق بالمجتمع الدولي، ويضعه أمام مسؤولية ثقيلة في إدارة ملفات إنسانية وحقوقية طالما احتاجت إلى مظلة أممية.