اخر الاخبار

الحكومة القادمة والتحديات الكبيرة

نشرت الباحثة فيكتوريا تايلور مقالًا على موقع المجلس الأطلسي تناولت فيه المشهد السياسي في العراق والحوارات المتواصلة لتشكيل حكومة جديدة. وأشارت إلى أن حدة التنافس السياسي في المرحلة الراهنة زادت من شعور العديد من العراقيين بالاستياء من العملية السياسية، التي لما تزل بعيدة عن طموحاتهم.

هل يمكن أن تزدهر بغداد؟

واستعادت الكاتبة توصيف مجلة الإيكونوميست لبغداد باعتبارها “مدينة الازدهار المفاجئ”، متسائلةً عمّا إذا كان النظام السياسي قادرًا على مواكبة متطلبات التغيير والاستجابة للتحديات المقبلة، ولا سيما في ظل مشاعر الناس المنقسمة بين أقلية تعيش قدرًا من التفاؤل، وأكثرية ـ خصوصًا بين الشباب ـ يساورها شك عميق في قدرة الطبقة الحاكمة على التغيير.

وأشارت تايلور إلى أن النخبة السياسية بدأت نقاشات داخلية يغلب عليها الطابع الطائفي لتشكيل الحكومة المقبلة، بعد الانتخابات التي حقق فيها تحالف رئيس الوزراء الحالي نحو 1.3 مليون صوت و46 مقعدًا، دون أن يحدد هذا الفوز بالضرورة هوية الذي سيكلف بتشكيل الحكومة، إذ تشترط الكتلة الأكبر فيه القبول بدور “المدير العام” المنفذ لسياساتها، من دون التدخل في رسمها، إضافة الى عدم السعي إلى أي طموح سياسي في المستقبل.

إصرار على المحاصصة

وتطرقت الكاتبة إلى تراجع حظوظ تشكيل تحالف عابر للطوائف، لأن قادة “المكونات” الفائزين في الانتخابات قد اتفقوا على فكرة حصر ولاية رئيس الوزراء بفترة واحدة لكي لا تتكرر تجربة سابقة اتسمت بطابع شبه استبدادي، على حد تعبيرهم.

وفيما تكتّل نواب المحافظات المحررة من الإرهاب في مجلس واحد يمثل، حسب رأيهم، المكون الأكبر في هذه المناطق وذلك على غرار تكتل مماثل يدّعي تمثيل محافظات الوسط والجنوب، ما تزال الأحزاب الكردستانية، التي تدّعي تمثيل الكرد، مختلفة فيما بينها، وتخوض ماراثون مفاوضات معقدًا، ليس حول من يحظى بحصة الأسد في وزارات الإقليم فحسب، بل ومن يتولى منصب رئيس العراق، وهو موقع تشريفي مخصص للكرد في لعبة الديمقراطية التوافقية.

وأشار المقال إلى أن نتائج الانتخابات قد سجلت تقدمًا للقوى التي تمتلك أجنحة مسلحة. وفي الوقت الذي تشكل فيه العقوبات القاسية التي فرضتها الولايات المتحدة على هذه القوى عقبة أمام استقرار الوضع السياسي في الفترة المقبلة، يشدد العديد من السياسيين العراقيين على ضرورة أن يُخضع رئيس الوزراء المقبل السلاحَ لسيطرة الدولة، في ظل تنامٍ سريع للقوة السياسية والاقتصادية لهذه الأطراف.

هل ما زال هناك دور لواشنطن؟

وبيّنت الكاتبة أن البيت الأبيض وضع، كما تسرب من أكثر من مصدر موثوق، خطًا أحمر ضمنيًا على مشاركة هذه الفصائل في الحكومة المقبلة، مما سيشكل تحديًا سياسيًا في الأيام القادمة. وتساءل المقال عمّا إذا كان غياب العراق إلى حد كبير عن اهتمامات واشنطن سيُبقي لها دورًا في ترتيبات تشكيل الحكومة القادمة، ليجيب بالقول إن السياسيين العراقيين من مختلف المكونات حريصون على مناقشة الشراكة العراقية–الأمريكية، وعلى أهمية العلاقة مع الولايات المتحدة ورغبتهم في تعزيزها.

واستطردت الكاتبة لتقول إن النفوذ الإيراني الحاضر بقوة في البلاد لا يقف وراء المناورات السياسية الخفية التي شهدتها الساحة، لأنها في معظمها ذات توجه عراقي، حيث اتبع المتنفذون في الفترة المنصرمة سياسة خارجية توازن بين شراكة قوية مع الولايات المتحدة وعلاقة تاريخية طويلة الأمد مع إيران، وهي السياسة التي سيسعى رئيس الوزراء المقبل إلى اتباعها على الأرجح.

ويبقى الشعب في وادٍ آخر!

وذكرت الكاتبة بأن اهتمام السياسيين العراقيين الكبير بنتائج الانتخابات وعملية تشكيل الحكومة، لا يلقى أي اهتمام مماثل لدى عامة الشعب، حيث خلص العديد منهم، بمن فيهم محللون سياسيون مخضرمون ونشطاء من المجتمع المدني وشباب، إلى أن الانتخابات لا تُعد ذات أهمية كبيرة، معربين عن استيائهم من العملية السياسية، ومعترفين بأنهم لم يصوتوا في انتخابات الشهر الماضي كي لا يضفوا شرعية ما على النظام السياسي القائم.

ونقلت عن مجموعة من الشباب خيبة أملها إزاء قمع الحكومة لحركة تشرين عام 2019، حين خرج الشباب إلى الشوارع للمطالبة بتغيير سياسي جذري، وإلى فشل المرشحين المستقلين والناشطين السياسيين في إحداث أي تغيير بعد دخولهم البرلمان عام 2021، بعد أن تم استقطابهم من قبل النظام السياسي، فانضمّوا إلى الأحزاب الرئيسية التي كانوا قد عارضوها في الأصل. ولهذا مُنيوا بهزيمة في انتخابات 2025. كما عزا هؤلاء المعارضون ارتفاع نسب التصويت الى الإنفاق السياسي غير المسبوق، وليس الى زيادة حماس الناخبين.

واختتمت تايلور مقالها بالتأكيد على أن عدم تأثير نتائج الانتخابات بشكل كبير على عملية تشكيل الحكومات يعدّ تذكيرًا آخر بأن النظام السياسي يفتقر إلى آليات فعّالة تمكّن المواطن العادي من محاسبة قيادته.