اخر الاخبار

عاشت فرنسا الخميس الفائت، يوما ساخنا آخر. استجاب العمال في جميع أنحاء البلاد لدعوة المشتركة للاتحادات النقابية، واحتجوا على خطط التقشف الحكومية، من خلال إضرابات وتظاهرات، وفي بعض الأماكن، قطعت الشوارع. ووفقًا لاتحاد نقابات (سي جي تي) اليساري شارك أكثر من مليون في عموم المدن الفرنسية.

أضرب العاملون في قطاعات الرعاية الصحية والطاقة والنقل والتعليم الثانوي. وشارك في الإضراب أكثر من 10 في المائة من موظفي الخدمة المدنية البالغ عددهم 2,5 مليون، وخصوصا أعضاء الهيئات التدريسية. وأعلن اتحاد نقابات المدارس الثانوية عن إغلاق 12 مدرسة ثانوية في إيل دو فرانس على الأقل، و170 مدرسة في جميع أنحاء البلاد.

نجاح باهر

وبمشاركة أكثر من مليون متظاهر في أكثر من 250 تظاهرة، ومئات الآلاف من المضربين في القطاعين الخاص والعام، تُعدّ التعبئة الموحدة التي تحققت يوم الخميس الفائت نجاحًا باهرًا. لقد وجهت تحذيرًا واضحًا للحكومة: الغضب الاجتماعي يتزايد،" هذا ما صرّح به اتحاد نقابات (سي جي تي) اليساري في معرض حديثه عن التعبئة النقابية الشاملة ضد خطط التقشف الحكومية ومشروع قانون الموازنة المقترح. واكد الاتحاد: "متحدون حول مطلب العدالة الاجتماعية، تظاهر العمال والشباب والمتقاعدون والعاطلون عن العمل بكثافة". و"هذه هي أعلى نسبة مشاركة في التعبئة الاجتماعية منذ الحركة الاحتجاجية ضد إصلاح نظام التقاعد في عام 2023 ".

رغم سقوط حكومة بايرو في الثامن من أيلول بسبب إجراءات التقشف، واصل تحالف النقابات العمالية الواسع احتجاجاته ضد "إجراءات التقشف القاسية". وصرحت ماريليز ليون، السكرتيرة العامة لاتحاد نقابات (سي اف دي تي)، لصحيفة لوموند الفرنسية: "إن الدليل على جدوى الاحتجاجات هو الإقبال الكبير عليها".

 سياسة ضريبية منافقة

هددت خطط التقشف بخفض الخدمات العامة، وإضعاف قوانين العمل، ومواصلة "إصلاح" تأمين العاطلين، وتجميد المزايا الاجتماعية ورواتب موظفي الخدمة المدنية والعمال المتعاقدين، والفصل بين قيمة المعاشات التقاعدية، ونسب التضخم المتصاعدة، ومضاعفة المدفوعات المشتركة للرعاية الطبية، والتشكيك في الأسبوع الخامس من الإجازة مدفوعة الأجر. ولهذا صرحت صوفي بينيه، السكرتيرة العامة للاتحاد العام للعمال (سي جي تي): "اليوم، يثور العاملون بأجر قائلين إنهم لم يعودوا قادرين على تحمل هذا الليل الماكروني الذي لا ينتهي".

وأعلن اتحاد (سي جي تي) أيضا: "من غير المقبول أن يُطلب من العمال الدفع بعد أن مُنح الأثرياء إعفاءات ضريبية دون مقابل". وقال ممثل نقابة عمال السكك الحديدية محطة غار دي ليون بباريس، وسط تصفيق حار من زملائه: "يجب البحث عن الأموال في جيوب من يملكونها، أي في جيوب أصحاب المليارات".

ووفقا لإدارة الضرائب، إن قرابة 12,5 في المائة من موظفي الإدارة شاركوا في الإضراب. وصرحت ساندرا ديمارك، سكرتيرة نقابة "الضرائب المالية العامة"، لوكالة فرانس برس: "هناك مطلب قوي، وخاصة من مسؤولي الضرائب، بفرض ضرائب على الأثرياء". وفي مدخل ساحة الجمهورية في العاصمة باريس رفعت لافته تقول: المشكلة ليست في السود والعرب- المشكلة في الملياردرية"

عمق سياسي

بعد نجاح الاتحادات النقابية المدعومة من اليسار السياسي في تعبئة أكثر من مليون، ووقوع بعض المواجهات خلال تظاهرات المدن الكبرى، تُذكرنا تظاهرات الخميس الفائت بأعداد وأداء الحركة المناهضة لإصلاح نظام التقاعد الذي اقترحه ماكرون عام ٢٠٢٣. لكن شعارات اليوم لم تعد موجهة ضد إصلاح واحد، بل ضد سياسة اقتصادية شاملة يعتزم الرئيس ماكرون فرضها في قانون الميزانية المقبل، وهي سياسة تتسم بإجراءات تقشفية، مع تخفيضات تصل إلى عشرات المليارات من اليورو في الخدمات العامة والرعاية الصحية والتعليم.

لن نستسلم

شدد اتحاد نقابات (سي جي تي) على: "في مواجهة الاستبداد والعنف الاجتماعي، يستمر النضال! يجب على ماكرون وليكورنو (رئيس الوزراء الجديد) أن يدفنا فورًا مأساة ميزانية بايرو، وأن يلبيا مطالب المجتمع. نريد ميزانية مختلفة لمعالجة الطوارئ الاجتماعية والبيئية، ووضع العدالة الضريبية على جدول الأعمال، وتوفير التمويل اللازم لخدماتنا العامة، وإلغاء إصلاح نظام التقاعد. والآن أكثر من أي وقت مضى، حان وقت التحرك. لم يعد بإمكان الحكومة الضعيفة تجاهل الغضب؛ فهو موجود، ومشروع، ويتزايد. لن نستسلم".

تبرير حكومي

وتبرر الحكومة الفرنسية ضرورة إجراءات التقشف بتصاعد الدين العام. يبلغ دين فرنسا حاليًا حوالي 114 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي؛ وفي عام 2024، بلغ العجز 5,8 من الناتج الإجمالي المحلي. وكان رئيس الوزراء فرانسوا بايرو المقال قد خطط في الأصل لتوفير 44 مليار يورو. أما رئيس الوزراء الجديد، سيباستيان ليكورنو، الذي لم يُشكل بعدُ فريقًا حكوميًا جديدًا، فقد ألمح إلى تنازلات طفيفة للمعارضة البرلمانية اليسارية، لكن من غير المرجح أن يُغير المسار العام لسلفه دون مزيد من الضغط الشعبي.