اخر الاخبار

في الاجتماعات، وفي ورش العمل، للمنظمات المهنية، ومنها رابطة المرأة، يتم الحديث عن أهمية ابتكار أساليب جديدة للعمل بين الجماهير، تتناسب مع التطورات الحاصلة في مجتمعنا العراقي، ارتباطا بالتطورات التكنولوجية وثورة المعلومات وتسيّد وسائل التواصل الاجتماعي، لكن ماذا عن بسطاء الناس، الذين لا يتعاملون مع الأجهزة الإليكترونية؟ بل وربما لا يجيدون القراءة والكتابة حتى؟ كيف الوصول لجمهرة واسعة من النساء العراقيات المهمشات أساسا في مجتمع ذكوري لا يؤمن أساسا بحقوق المرأة في المساواة؟

تخبرنا خبرة العمل المتراكم، للأجيال التي سبقتنا، وبعض ما أطلعنا عليه، بل وحتى ما عاصرناه، أن العادات والتقاليد والموروث الشعبي، تكون وستبقى كنزا يمكن الاستناد إليه دائما لابتكار أساليب عمل حيّة، تقربنا من الناس لنكون بينهم، نستمع لهم، لمشاكلهم ومعاناتهم، حيث يمكن تقديم النصح والحلول والتعريف بنشاط منظمات العمل المهني، والتعريف بتأريخها، وبرامجها، واهدافها.

كانت الرابطية أم موسى، المناضلة صفية الشيخ محمد ظاهر آل غريب (1910 ــ 1997)، في مدينة السماوة، وقبيل ثورة 14 تموز1958، تحث الرابطيات لتنظيم جلسات (شاي العباس) ومجالس التعزية (القراية). وحدثتنا أمي التي حضرت مثل هذه الجلسات، بل وساهمت في تنظيم بعضها، بأن العوائل عادة، لا تعارض حضور بناتهم لمثل هذه الجلسات، وهناك تلتقط أم موسى، ورفيقاتها من الرابطيات، قضية أو حدثا فيكون الأساس لجعله محور النقاش ويكون مناسبا لاستعراض وجهات نظر رابطة المرأة العراقية، والحلول المقترحة لتلك المسألة. ساعدت هذه الجلسات ــ الاجتماعات على وجود جمهرة واسعة من المؤيدات وعضوات جدد في رابطة المرأة، لهذا لم يكن مستغربا عند حصول العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، خروج تظاهرة نسائية، مرت في السوق المسقوف وثم شقت شوارع مدينة السماوة، بقيادة أم موسى، تضم العشرات من نساء المدينة، وتروي أمي الراحلة، التي شاركت في التظاهرة، بان مناضلي المدينة وأهالي المدينة، وفيهم بعض من إخوتها، اصطفوا على الجانبين لحماية التظاهرة، التي انتهت بالصدام مع قوات الشرطة الملكية التي تصدت لطلائع التظاهرة.

والسؤال، هل ما كان يصلح في تلك الأزمان، يصح هذه الأيام؟ كيف لنا في عصر الفضائيات والأجيال المتطورة من الهواتف المحمولة أن نصل بالمعلومة لعموم الناس والنساء خاصة؟ وكيف يمكن النجاح في تحريضهن؟ وإقناعهن في الانضمام للجهود العاملة لأجل حقوقهن أساسا؟

أبرزت انتفاضة تشرين 2019، دروسا عديدة، منها أن المرأة العراقية لم تكن بعيدة عن المساهمة والحضور وتقديم الدعم، بأشكال مختلفة، للشباب المنتفضين في مختلف ساحات الاحتجاج. فلقد ألهم الفعل الثوري شريحة واسعة من النساء ودفعهن لكسر قيود المجتمع الذكوري فتواجدن في ساحات الاحتجاج ومددْن يد العون للثوار، وألهم وجودهن كثيرا من المترددين ليحسموا أمرهم في اختيار الموقف الصحيح في الانضمام للمحتجين. إن أسباب اندلاع انتفاضة تشرين 2019 لا تزال كامنة مثل الجمر تحت الرماد، فكيف لنا تأجيج ذلك؟ وكيف العمل بين صفوف النساء؟ وكيف يمكن النجاح في تحريضهن والاخذ بيدهن؟

بعد ثورة 14 تموز 1958، ولارتفاع نسبة الأمية بين النساء في مدينة السماوة، افتتحت رابطة المرأة، بمساهمة مباشرة من الرابطية أم موسى مركزا لمحو الامية للنساء، شهد إقبالا ملحوظا، ولكننا نعيش هذه الأيام في عصر انحسار الإقبال على القراءة عموما، عصر فضائيات النفط وهيمنة المسلسلات التلفزيونية التركية المدبلجة، فكيف يمكن أن نجذب انتباه جماهير النساء إلى أسئلة تهم مصيرهن ومصير أولادهن وذويهن؟

سيكون نافعا جدا أن تعقد ورش عمل لمنظمات المجتمع المدني، لمناقشة أساليب العمل بين الجماهير، وإيجاد طرق مبتكرة للوصول إلى مختلف الشرائح، خاصة النساء، ومن المفيد استذكار التجارب واستخلاص الدروس منها، ولكن الأهم والنافع أكثر ابتكار أساليب جديدة ملائمة للأوضاع الحالية ولا تكون تقليدية وتحظى باهتمام مختلف الشرائح من النساء. في عام 1975، الذي اقر من قبل الأمم المتحدة، عاما دوليا للمرأة، كانت منظمات الشبيبة والطلبة في مدينة السماوة، تنظم نزهات عائلية، في المناسبات الوطنية، إلى البساتين في أطراف المدينة وبحيرة ساوه، وتشترط على المساهمين فيها اصطحاب امرأة أو أكثر من افراد عائلتهم أو معارفهم، وفي النزهة كانت تنظم مختلف الفعاليات الفنية والفكرية، ومنها محاضرات وجلسات نقاش في مختلف الشؤون الثقافية والسياسية، فيتاح للنساء الضيوف الاطلاع على أفكار وعوالم ربما غير معروفة لهن. في أيامنا الحالية يا ترى كيف يمكن لفت انتباه النساء لتبني موضوعات واسئلة تهم مصيرهن ومستقبلهن؟ كيف يمكن التواصل مع مختلف الشرائح من النساء في ظل ظهور اشكال جديدة من عدم المساواة والعنف، مرتبطا بالثورة الرقمية، والتي تؤثر سلبا على النساء والفتيات؟

تحية للمرأة العراقية في يومها العالمي، الثامن من آذار.

تحية للمناضلات اللواتي يكافحن ليل نهار في سبيل رفع الوعي السياسي والاجتماعي بقضايا المرأة ولكسر التمييز والاعتراف بكل الجهد الذي تبذله المرأة في شتى نواحي الحياة.

تحية لشهيدات رابطة المرأة ورائدات العمل النسوي.

عرض مقالات: