بدروب طفولتهم
كانوا يمشون
إلى مدرسة العشق الأوّلْ
الوطنِ الأجمل
يمسك كلٌّ منهم
- خوف التيه -
أصابع صاحبه
وتلابيبَ المستقبلْ
ولأنّ الدربَ طويلْ
وبلا أشجارٍ
وظلالِ نخيلْ
كانوا
يزجون الوقت
يغنّون
معا:
« همّه ثلاثه للمدارس يروحون
همّه ثلاثة للمدارس يروحون»
يسيرون
على طين الدربْ
كما سوّاه الربْ
بآخر أيام الخلق
وكي لا يوجع أيديهم
بعصاه
كانوا ينتعلونَ
حروفَ مداساتٍ
تُخفي أسرارَ
جوارب مثقوبهْ
يمشون
ويتّكئون
على أطرافِ ظلالٍ
معطوبهْ
ويجرّون
بأقدامِ طيورِ الماءِ
حكايا أنهارٍ
علقتْ
بتراب الأرجلِ
يتباهونَ بقمصان
باهتة الألوان
حقائب
من خوصِ النخلِ
دفاتر سمراء
بلونِ جلودهمُ
أقلامِ رصاصٍ
بمماحيها معصوبهْ
يبتسمونَ
لشمسٍ دافئةٍ
تشربُ أنخابَ مدى
مدّ لهم
إذ يمشونَ إليه دروبَهْ
ويغنّون:
« همّه ثلاثه للمدارس يروحون
همّه ثلاثة للمدارس يروحون»
وحينَ يذوبون
مع الكلماتِ
ويُصبحُ للخطواتِ
وجيبْ
يحثّونَ السيرَ
إلى السبّورةِ
والصفِّ
وطابورِ الصبحِ
على أضلاع طريقٍ
مهما طال
عن الأحلام
يظلُّ قريب
« همّه ثلاثة للمدارس يروحون
بيهم حبيب الروح
بيهم حبيب الروح»
كثيرا ما يتّفقون
وفي أمرٍ
يختلفون
فكلّ منهم
في سرّ مفضوحْ
يتساءل:
- مَنْ منّا
كان « حبيبَ الروحْ»
لـ»مائدة «الحلوةِ
بنت الجار السابع؟
مَنْ منّا
حلّقَ ما بينَ الأفلاكْ
وسدّدَ سهمًا
فأصابَ القمرَ
المتخفّيَ
خلفَ الشبّاكْ؟
«ياداده مثل الماي
بروحي نبع»
بعد سنينٍ
نزلتْ أمطارُ الليلِ
هوتْ أعمدةُ سقوفِ
صفوفِ الطينِ
المائعْ
جرجَرها الطوفانُ
مع السبّوراتِ
ونشراتِ الحائطِ
للشارعْ
فتفرّقتِ النجماتُ
بدربِ التبّانة
تفرّقَ كلٌّ منهم:
ولأنّ الأوّل
غنّى
في الليلِ الأليل:
«همّه ثلاثة للمذابح يروحون»
قطعوا...
تحتَ ستارِ الليلِ الدامي
صوتَ عذوبتِهِ
بالمنجلْ
«ياداده مثل الماي
بروحي نبع»
الثاني أخذتْه الحرب
إلى عرشِ الرب
«هم ثلاثه للمعارك يروحون»
وبلا كفنٍ
عانق ضوءُ البهجة نعشه
ذَبَلتْ أجنحةُ طيورِ الماءِ
وجفَّ الماءُ
وظلَّ الطينُ وحيدًا
فتهاوى
من زهرةِ عرشِهْ
«ياداده افرحي وياي
اشنفرح بعد
حظ وكعد
يامسعده؟»
اشنفرح بعد
يامائده»؟
الثالثُ
تحت جناحِ
الليلِ المبلولْ
فرّ
بلا بوصلةٍ
نحوَ المجهولْ
«هم ثلاثة للمنافي يروحون»
فراحوا..
بعد سنينٍ أخرى
مرّت ْحقبٌ
وفجائعْ
غابَ «أبو سرحان»
هوى نجمٌ لامعْ
بغيابة ذئبٍ جائعْ
واعتزلتْ مطربةُ الحيّ الحبّ
وأسدلتِ البنتُ ستارةَ
شبّاك الجارِ السابعْ
شاخَ الـ»كوكبْ»
مثلُ الماء
وظلّ الصوت
يدورُ
بقرصِ «غرامافون»
وينحبْ
«همّه ثلاثة للمقابر
يروحون
همّه ثلاثة للمقابر...»
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*إشارة إلى (درب التبّانة): وهي مجموعة كبيرة من النجوم سمّيتْ بهذا الاسم بسبب شكلها الذي يُشبه خطّاً من الحليب مُشكّلاً من الضوء عندما يتم رؤيتها من منطقة مظلمة
**في النص إحالة، وتناص مع أغنية المطربة مائدة نزهت»همّه ثلاثة للمدارس» التي غنتها في ١٩٧٠ ، وهي من كلمات ذياب كزار(أبو سرحان) ألحان كوكب حمزة