اخر الاخبار

أثار توجه وزارة المالية نحو إعداد مسودة قانون ضريبي جديد، يتناسب مع الواقع العراقي، تساؤلات عديدة طرحت من جانب متخصصين ومراقبين، دعوا الحكومة الى ضرورة ابعاد المواطنين، لا سيما ذوي الدخل المحدود، عن أية عمليات “اصلاحية” يتحملها الفقراء لوحدهم.

ويقول اقتصاديون، إن الانظمة الضريبية يستهدف إيجادها سد الفوارق الاجتماعية بين المواطنين، لكن الحكومة تبحث من خلالها  عن حلول لأزماتها وسوء إدارتها لموارد الدولة، بحسب وجهة نظرهم.

وعقد وزير المالية علي عبد الأمير علاوي، السبت الماضي، ندوة نقاشية بحضور مستشارين حكوميين وعدد من رجال الاعمال، لمناقشة ايجاد قانون ضريبي جديد “تناسب الوضع العراقي”.

ويبرر علاوي مساعي وزارته لإيجاد هكذا قانون بأن “نسبة الضرائب المتحصلة تبلغ 1 في المائة من الناتج القومي للدولة خلال العام الماضي، وهي نسبة ضئيلة جدا”.

تحذير

وحذر الخبير الاقتصادي احمد خضير من “استغلال حاجة البلد الى اصلاح النظام الضريبي، لفرض اعباء اضافية على اصحاب الدخل المحدود والكادحين”، مؤكدا ان “الانظمة الضريبية وجدت لسد الفوارق الاجتماعية بين المواطنين، لا لمعالجة ازمات الحكومات، وسوء ادارتها لموارد الدولة”.

وتابع خضير، في حديث لـ”طريق الشعب” قائلاً : ان “قوانين الضريبة يجب ان تحقق شيئا من العدالة الاجتماعية من خلال فرض ضريبة دخل تصاعدية على اصحاب الرواتب المرتفعة، واعفاء اصحاب الدخول المحدودة من هذه الضرائب”، منوها الى ان “العراق في حاجة الى تغييرات اساسية في النظام الضريبي الحالي للتخلص من السياسات العشوائية، لغرض تهيئة الأرضية لاصلاح اقتصادي شامل، من خلال صياغة قانون جديد للضريبة، تدمج فيه مصادر الدخل الخاضعة للضريبة، ووضع نظام ضريبي موحد للضرائب المباشرة وغير المباشرة”.

وعلّق الخبير على موضوع تشريع قانون جديد للضريبة بالقول: ان “الضرائب وسيلة اساسية في يد الحكومة لتشجيع الاستثمار واصلاح الاقتصاد”، مشيرا الى “صعوبة تطوير الاقتصاد المحلي دون الاعتماد على نظام ضريبي متطور”.

وشدد خضير، على “ضرورة تصميم نظام ضريبي يلبي معايير العدالة والحياد بين المواطنين”، منوها الى ان “الاصلاح المالي والاقتصادي يتطلب تصميم نظام ضريبي عادل وفعال وبسيط، يحقق الاهداف المرسومة له”.

أين تذهب الاموال؟

ويتسائل الخبير المالي محمد فرحان عن مصير الاموال التي تجبيها الحكومة عبر فواتير مختلفة، ويتحدث لـ”طريق الشعب” عن تشريع القانون الجديد “هناك اموالا كبيرة يتم استيفاؤها من المواطنين مثل بدلات الماء والمجاري والخدمات عند بيع وشراء المنازل، واصلاح الطرق والجسور عند بيع المركبات، واموال اخرى يتم استحصالها، لكننا  لا نعرف أين تذهب هذه الاموال”.

واتهم فرحان الحكومات المتعاقبة بـ”عدم اعتماد الشفافية المالية، ونتيجة لاستمرار الفساد تهرب عدد كبير من المواطنين والشركات من دفع الاموال التي بذمتهم”.

ووصف الخبير المالي، سعي الحكومة لإيجاد قانون جديد للضريبة بـ”الخطوة الضرورية”، لكنه بدا متخوفا من اعتماد وصفات صندوق النقد الدولي.

وقال فرحان : ان “دول العالم تشجع مواطنيها على دفع الضرائب من خلال اقناعهم باستخدام اموال الضرائب في مشاريع تعود بالفائدة على دافعيها”، مشيرا الى ان “هذه الامور تتطلب ثقة متبادلة بين الشعوب وحكوماتها، وشفافية واضحة حول المبالغ المالية المتحصلة وابواب صرفها”.

وتابع الخبير ان “الخطوة الاولى لاصلاح الاقتصاد العراقي، تتعلق بمكافحة الفساد والقضاء على البيروقراطية، من خلال سن قوانين تسهم في تبسيط الاجراءات المالية، وتمنع التلاعب من قبل الموظفين والمواطنين”، مشددا على “ضرورة الابتعاد عن الوصفات الدولية الجاهزة في تشريع القوانين المحلية”.

تهرب الشركات!

وكشف الوزير عن “تهرب بعض الشركات الاجنبية من دفع الضرائب”، مشيرا الى ان وزارته “تسعى الى اتخاذ الاجراءات اللازمة بحقها”.

وقررت وزارة المالية تشكيل لجنة لمتابعة تنفيذ اصلاحات النظام الضريبي، حسب الورقة البيضاء.

واشارت وثيقة حصلت “طريق الشعب”، على نسخة منها، الى “قرار الوزارة بتشكيل لجنة من عضوية اربعة اشخاص لمتابعة تنفيذ اصلاحات النظام الضريبي المدرجة في الورقة البيضاء”.

جذور النظام الضريبي

وينبه الخبير القانوني حسن مجيد على ضرورة “ ايجاد نظام ضريبي جديد تتطلب فرض قيود قانونية صارمة مثل عدم السماح بفرض الضرائب الا من خلال قانون يشرع في مجلس النواب، مع الاخذ بنظر الاعتبار الشفافية في الاعلان عن الايرادات المتحققة من الضرائب”، مشددا على “ضرورة استخدام الإيرادات المتحققة من الضريبة في المشاريع العامة”.

وحول النظام الضريبي المطبق حاليا، بيّن الخبير القانوني حسن مجيد، ان “العراق وضع اول قانون لضريبة الدخل المرقم 52 لسنة 1927 بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام1921، والذي اعتمد بشكل كبير على قانون ضريبة الدخل النموذجي البريطاني الذي وضعته بريطانيا من اجل تطبيقه في مستعمراتها”، مشيرا الى ان “تطبيق هذا القانون استمر لغاية  تشريع قانون ضريبة الدخل عام 1982، والذي لم يحدث أثرا واضحا على النظام الضريبي في البلاد”.

واضاف مجيد لـ”طريق الشعب”، ان “سلطة الاحتلال المؤقتة اصدرت الامر رقم 49 لعام 2004، والذي خفضت بموجبه سعر ضريبة الدخل، وزادت السماحات القانونية واخضعت موظفي الدولة الى ضريبة الدخل مثل موظفي القطاع الخاص”، مشيرا الى ان “النظام الضريبي المطبق حاليا غير صالح للتطبيق، كونه صمم لاقتصاد داخلي مسيطر عليه، فضلا عن ان القوانين الحالية لادارة الضريبة لا تشرح متطلبات تطبيق القانون بشكل واضح، وتمنح موظفي الإدارة الضريبية حرية تقدير واسعة وتطبيق غير منسجم مع الواقع الحالي، ما يفتح الباب واسعا امام التلاعب والفساد”.

ونوه الى ان “تشريعات الضريبة الحالية لا يمكن تطبيقها والالتزام بها، بسبب تعقيد النظام، وطبيعته الجدولية، وغموض قاعدة الضريبة، وافتقاره للحيادية بالنسبة للهيكل التنظيمي المنطقي، بسبب تعدد النصوص التشريعية، وغياب القوانين والأنظمة التى تكفل التنفيذ الدقيق”.

رفض نيابي

بدوره، تساءل عضو اللجنة المالية البرلمانية، جمال كوجر، عن “الخدمات التي تقدمها الحكومة للمواطنين مقابل إلحاحها على زيادة حجم الضرائب”، مبينا ان “الحكومة لا يمكن أن تفرض زيادة نسبة الضرائب من دون توفير خدمات في مقابلها”.

وأضاف كوجر في تصريح صحفي تابعته “طريق الشعب” أن “القانون الذي يتحدث عنه الوزير سيكون عبئا جديدا على الطبقات الهشة من المواطنين”.  وحذر من فرض ضرائب قد تتسبب في انفجار الشارع. وأشار إلى أن “الحكومة إذا ما أرادت أن تحقق مردودات مالية، فيتحتم عليها اللجوء الى طرق أخرى غير القانون الجديد، كضبط الموارد المنهوبة والمباحة في كثير من مؤسسات الدولة، وأن تقضي على الفساد الذي يتسبب بهدر كبير في موارد الدولة”. وبيّن أن “تمرير قانون ضرائب جديد يحتاج الى برلمان فاعل، ونحن إذا كنا اليوم متجهين نحو الانتخابات، فلا يمكن تمريره، إلا إذا كانت الحكومة تفكر بتأجيل الانتخابات، أو إعداد القانون للدورة البرلمانية المقبلة”.

عرض مقالات: