اخر الاخبار

لم يستفق المواطنون وخصوصاً الفقراء والكادحون بعد من صدمة رفع سعر صرف الدولار مقابل الدينار، حتى فوجئوا بارتفاع جديد لأسعار المواد الغذائية والمحروقات، ما اثار ذلك استياء كبيرا لديهم.

وما يلفت الانتباه أن الازمة جاءت في أعقاب إعلان وزارة التجارة استعدادها لتوزيع وجبة ثانية من السلة الغذائية (التي ضمنتها لأول مرة أنواعا معينة من البقوليات ومعجون الطماطم)، التي من شأنها أن تحافظ على استقرار أسعار المواد الغذائية.

وكانت الشركة العامة لتجارة المواد الغذائية قالت في بيان لها قبل اسابيع، إن ملاكاتها الفنية والادارية تواصل العمل ليلا ونهارا من اجل ايصال المفردات الى المواطنين، ضمن مفردات مشروع السلة الغذائية.

وذكر مركز بحثي، ان العراق احتل المرتبة 65 عالميا ضمن مؤشر الجوع للعام 2020، من بين 107 دول.

ابنية كردستان لا تمنح الخبز

ويقول رامي منهل، مواطن من سكنة قضاء عين كاوه، إن “التطور العمراني الكبير في الإقليم، لا يعكس واقعا حياتيا جيدا للمواطنين، وان البنايات الجميلة الموجودة هناك هي لناس متنفذين في الاقليم”.

ويضيف لـ”طريق الشعب”، أن “العمران ليس بإمكانه ان يمنح الخبز للناس، ولا فرص عمل، ولا يغطي تكاليف الذهاب الى المستشفيات التي أصبحت تكاليفها عالية جدا، كون المستشفيات الحكومية عبارة عن هياكل تفتقر الى الأجهزة والأدوية والكادر الطبي”.

ويؤكد المواطن ان “ غالبية سكان الإقليم يعانون الفقر الذي انعكس سلباً على الواقع الاجتماعي”.

ويقول المواطن علي فريدون، وهو من سكنة قضاء شقلاوه في أربيل، إن “الإقليم فيه طبقتان: الفقراء جداً والاثرياء، بعد أن عجزت السياسات الاقتصادية المتبعة في بغداد واربيل عن تحسين الواقع المعيشي لعموم المواطنين”.

ويضيف لـ”طريق الشعب”، أن “المرافق السياحية والتطور العمراني التي يشاهدها أبناء الوسط والجنوب عند زيارة الإقليم، لا يستفيد منها شيئا مواطنو الإقليم، كون معظمهم من أبناء الطبقة المعدومة”.

ويشير المواطن إلى أن “المعيشة في الإقليم أصبحت صعبة جداً، لأن التحديات كبيرة وفرص العمل تكاد تكون معدومة”، مبيناً أن “سعر البنزين ارتفع الى 850 دينارا للتر الواحد، فضلاً عن انعدام الماء الصالح للشرب، ما زاد من تكاليف الحياة، واصبح ملء الخزانات يكلف 25 الف دينار للخزان الواحد. فيما اقتصر إيصال الماء على المجمعات السكنية التي يقطنها الأغنياء”.

ويشير فريدون الى أن “تغيير سعر صرف الدولار رفع كل أسعار المواد في السوق، ووصل سعر كيس الطحين الى 40 الف دينار. وفي ظل كل ذلك لا يمكن للمواطن سداد التكاليف المعيشية التي أصبحت باهظة جداً”.

ضنك العيش يطال الخبز

وإضافة الى أزمة الكهرباء التي استعصى حلها على الحكومات المتعاقبة، والتي يبدو أن الناس وضعوا هذا المطلب على رفّ النسيان، يواجه المواطنون في وسط وجنوب العراق، تحديات معيشية إضافية أصبحت تثقل كاهلهم بالتزامات مالية جديدة، لا يمكنهم سدادها.  يقول مراسلنا من البصرة “حافظ جاسم”، إن محافظته شهدت ارتفاعا في اسعار المواد الغذائية، منها الخضراوات والطحين والخبر والبيض”، ويعود السبب في ذلك الى اغلاق الحدود امام البضائع المستوردة”.

ويضيف جاسم، أن “الاعتماد على الاستيراد عبر كردستان يشكل عبئا اضافيا يساهم في رفع اسعار المواد؛ اذا بلغ سعر كيلو الطماطم والخيار 2000 دينار، بعد ان كان لا يتجاوز 500 دينار”.

ويتابع في حديثه، أن سعر طبقة البيض ارتفع الى ٧,٥٠٠ دينار، بعد ان كان قبل أسابيع  ٥,٥٠٠ دينار تقريباً.

ويؤكد أن “الارتفاع شمل هذه المرة الخبز”.

فتح منفذ الشلامجة

وأمام حالة ارتفاع الأسعار، لجأ محافظ البصرة اسعد عبد الامير العيداني الى فتح منفذ الشلامجة الحدودي، امام دخول المواد الغذائية والخضراوات، يوم السبت.

وذكر المحافظ خلال زيارته المنفذ، ان قراره “جاء بالتنسيق بين وزارة الزراعة وهيأة المنافذ الحدودية”.

جولة في المحافظات

ويقول الناشط المدني في ذي قار، حسين وادي، انه “على مستوى المحروقات لم تتغير أسعارها، ولكن المحافظة تعاني من نقص كبير في البنزين، وخصوصاً المحسن الذي اصبح الحصول عليه شبه مستحيل”، مؤكداً أن “المواد الانشائية ارتفعت بشكل كبير، وأثر ذلك على عملية الشراء، ورفع سعر العقار”.

وأضاف لـ”طريق الشعب”، أن “المواد الغذائية ارتفعت خلال الأسبوعين الأخيرين بحوالي 30 في المائة، وهذا ما جعل الشراء محدودا من قبل المواطنين، وعلى قدر حاجتهم فقط”، مبيناً ان ذلك “زاد الأسواق كسادا”.

أما في النجف، فيكاد يكون الوضع أفضل مقارنة بغيره من المحافظات، وذلك كون النجف محطا للزائرين والوفود، لكن هذا لا يمنع من تأثر الكادحين وأصحاب الدخل المحدود، بارتفاع سعر المواد الغذائية، والمواد الأخرى، التي معظمها هي مستوردة وتتأثر بسعر الصرف.

ويقول الناشط زيد شبيب لـ”طريق الشعب”، إن “غياب سياسات دعم المنتج الزراعي الوطني الذي يمنع ارتفاع أسعار الخضروات، أدى الى زيادة الوضع سوءا”، مشيراً الى أن “انقطاع التيار الكهربائي أثّر سلبا على الكثير من الحرف في المحافظة”.

وبحسب شبيب فإن “المواد الغذائية ارتفعت اسعارها بحوالي 20 في المائة في سوق الجزيرة الذي يعد السوق الارخص في المحافظة”.

وفي قضاء هيت التابع لمحافظة الانبار، الذي يعرف بإحاطته بمساحة كبيرة من البساتين والاراضي الزراعية، ويشتهر بمنتجاته الجيدة، لا يبدو أن الامر يختلف كثيراً عن المدن العراقية الأخرى، فإن آفة الفساد لم تترك شبراً من أرض العراق، دون العبث فيه.

يقول المواطن احمد عبد السلام لـ”طريق الشعب”، إنه “في الاسبوع الاخير لوحظ ارتفاع كبير في الاسعار، وصل إلى الضعف: سعر الطماطم بـ 1500 دينار للكيلو الواحد، و 4000 لكيلو البامية”.

ويضيف انه “عند الاستفسار عن سبب هذا الارتفاع، فان البائعين يجيبون بأن هذا الارتفاع يتكرر سنويا عند قدوم شهر محرم”.

خمسة محاصيل

وكانت وزارة الزراعة أعلنت، مؤخراً، السماح باستيراد خمسة محاصيل زراعية لانخفاض انتاجها محليا.

وقال الناطق الرسمي للوزارة حميد النايف في بيان، إنه “استنادا للصلاحيات المخولة لوزير الزراعة بفتح ومنع الاستيراد وفي ضوء وفرة وشحة المنتج الزراعي واستنادا الى اجتماع اللجنة الخماسية التي ناقشت انخفاض الإنتاج لبعض المحاصيل التي يحتاجها المواطن في قوته اليومي، حصلت موافقة وزير الزراعة محمد كريم الخفاجي على السماح باستيراد المحاصيل الزراعية التالية (الثوم والطماطم والبصل والرقي والبطيخ) ومن المنافذ الحدودية كافة باستثناء محصول الطماطم يكون استيراده حصرا من منافذ زرباطية والشيب والشلامجة والمنذرية”.

ارتفاع مضاعف للأسعار

من جهته، قال الخبير الاقتصادي نبيل جبار العلي لـ”طريق الشعب”، ان “الارتفاع في أسعار المواد الغذائية ليس محليا فقط، انما أصبح عالميا لأسباب اقتصادية معينة”، مستندا الى تقرير منظمة الغذاء العالمية، الذي  اشار الى ان الارتفاع أصبح بمعدل 18 الى 20 بالمئة.

وأردف العلي كلامه بأن ارتفاع أسعار المواد الغذائية، مرتبط محليا بتغيير سعر صرف الدولار، وعالميا ترتبط الازمة بأجور نقل المواد عالميا، كما شهدتها موانئ الصين وغيرها.

وذكر الخبير الاقتصادي انه كان من الرافضين بشدة لرفع سعر صرف الدولار، “لأنه اليوم صار التأثير مضاعفا على الفقراء بعد ارتفاع الاسعار عالميا”، بحسب قوله.  

وخلص الى ان “عملية تغيير سعر الصرف وتخفيضه ليست سهلة. وقد حاولت الحكومة مكافحة الاحتكار لكنها لم تنجح”.

690 مليون جائع

الى ذلك، تؤكد مؤشرات عالمية تعتمد على بلدان ذات الدخل المرتفع، والبلدان التي عدد سكانها قليل، والأقاليم غير المستقلة، أن عدد الناس الذين يعانون الجوع بلغ 690 مليونا.

ونشر مركز البيان للدراسات والتخطيط، المؤشرات العالمية التي تحدثت عن ان “الجوع في جميع أنحاء العالم يقف عند مستوى معتدل وفق المؤشر، ومع ذلك، ما يزال عدد كبير جداً من الأشخاص يعانون الجوع ونقص التغذية: نحو690 مليون شخص يعانون نقص التغذية، ونحو 144 مليون طفل مصابون بالتقزم، وهذا علامة على نقص التغذية المزمن”.

وتبيّن المؤشرات، أن “47 مليون طفل يعاني الهزال، وهذا علامة على نقص التغذية الحاد. وفي عام 2018، توفي 5.3 مليون طفل قبل بلوغهم الخامسة من العمر، نتيجة لنقص التغذية”.

في العام 2020، تسببت جائحة كورونا والانكماش الاقتصادي الناتج عن ذلك، فضلاً عن تفشي الجراد الصحراوي على نطاق واسع في القرن الأفريقي وأزمات أخرى، مثل الجوع الناجم عن النزاعات والظواهر المناخية المتطرفة والصدمات الاقتصادية، بالمزيد من الأزمات في ما يخص مؤشر الجوع.

الجوع يسود!

وبيّن مركز البيان للدراسات والتخطيط ان العراق يحتل المرتبة 65 عالمياً ضمن مؤشر الجوع العالمي لعام 2020، من بين 107 دول لديها بيانات كافية لحساب نتائج GHI 2020، برصيد (17،1)، يعاني العراق من مستوى معتدل من الجوع وهو منخفض عن عام 2012 الذي سجل فيه (21،1 ) في المائة ومنخفض عن عام 2006 الذي سجل (24) في المائة ومنخفض عن عام 2000 الذي سجل ايضا (24)  في المائة.

ويؤكد تقرير اعده الباحث د. باسم علي خريسان، لصالح المركز، انه على الرغم من التحسن المتمثل في انخفاض مستوى الجوع في العراق، لكن ما يزال الوضع الامني في العراق غير مستقر الى جانب التحديات الاخرى، بما في ذلك الوضع السياسي والاقتصادي الغامض، والاضطرابات الاجتماعية بسبب ارتفاع معدلات البطالة، وتردي الخدمات العامة، واستمرار تدني المستويات المعيشية.

ويشير التقرير الى استمرار عدم استقرار الحالة الانسانية وهي محفوفة بالمخاطر في العديد من المناطق المتأثرة بالصراعات، وقد تفاقم الوضع بسبب جائحة كوفيد ـ19، ما ادى الى تباطؤ التنمية وزيادة انعدام الامن الغذائي، ومع وصول معدل الفقر فيه الى (31،17) في المائة في عام 2020، يحتل العراق المرتبة 123 من بين 189 دولة في مؤشر التنمية البشرية لعام 2020.