اخر الاخبار

العراق ليس البلد الوحيد المصدر للنفط، لكنه الدولة الوحيدة التي تأثر شعبها بالأزمة الاقتصادية الى حد الجوع، وكادت الحكومة أن تعلن افلاسها، بعد أن أخَّرَت صرف رواتب موظفيها.

ويقول اقتصاديون وأكاديميون، ان “الدول المصدرة للنفط استفادت من ارتفاع أسعار النفط في زيادة مدخولاتها القومية، مما جعلها لا تعتمد على عائدات النفط بنسب كبيرة، لذلك لم تتأثر شعوبها بأزمة انخفاض اسعار النفط”، مشيرين هنا الى تجربة الكويت التي “استفادت من عائدات النفط، وأصبحت الآن بفضل استثماراتها الأخرى تعتمد بنسبة 12 بالمئة فقط على النفط”.

ويشير الاقتصاديون الى ان “الحكومات المتعاقبة في العراق لم تستثمر الزيادات الحاصلة على اسعار النفط، والتي بلغت لفترة غير قصيرة، أكثر من 100 دولار للبرميل الواحد بزيادة الدخل القومي من خلال استثمارات اخرى، كما أن الفساد المستشري في عموم الدولة، والذي عمقه نظام المحاصصة بدد هذه الثروة الهائلة”.

ويلفت المتحدثون الى ان “الحكومة الحالية حاولت ان تعالج الموضوع مع البنك المركزي، من خلال قرار خفض سعر الدينار امام الدولار الاميركي”، مردفين “لكن نتائج هذه المحاولة كانت مزيدا من عدد المتسولين في العاصمة بغداد والمحافظات”.

يشار الى ان قرار البنك المركزي بتخفيض سعر الدينار أمام العملة الصعبة، أحدث ردود فعل كثيرة وسط الجمهور.

وهنا، حاولت “طريق الشعب” تسليط الضوء على الموضوع من خلال آراء بعض الاختصاصيين، والمواطنين.

الاكاديمي عباس الفياض

يقول الاكاديمي العراقي المغترب الدكتور عباس الفياض، ان “المعطيات تحمل مخاوف جدية من ان سعر الصرف انخفض بنسبة 22 – 23 في قياسا بالدولار، وان الموظف الذي راتبه 650 الف دينار سيُصبِح 433 دولارا بعد ان كان 546 دولارا، وهذه حالة اكثر من 4 ملايين موظف، بالإضافة الى تضرر الكثير من الشرائح، لان جميع السلع والخدمات سترتفع اسعارها بالتزامن مع فرض الضرائب وستؤدي الحالة الى ردود فعل غاضبة في الشارع العراقي، كما سيؤدي الى ارتفاع نسبة الفقر الى اكثر من 40 بالمئة”. وينقل المتحدث حديثا لممثل صندوق النقد، إذ يقول، “(لا تستطيع كل الدول ان تستفيد من التخفيض الا اذا حققت شروط الانخفاض، حيث يحفز الانخفاض القدرة التنافسية للدول) والعراق لا تشمل بضاعته هذه الصفات وهو غير مشمول بذلك، ومتى ما وصل لذلك يمكن التفكير بتقليل حجم الواردات وزيادة حجم الصادرات”.

وينتقد المتحدث “أخذ الوزير بتجربة مصر والاقتصاد المصري، بينما لا توجد أوجه شبه بينها وبين الاقتصاد العراقي”، متسائلا “ألم يعرف السيد الوزير بفشل تجربة الخصخصة في مصر وبشهادة المسؤولين المصريين؟ لماذا لم تؤخذ بتجربة الجزائر التي طبقت برنامج الإصلاح الهيكلي للاقتصاد المشابه للاقتصاد العراقي، من حيث الاعتماد على النفط “الريع”؟”.

ويشير الى ان “مصالح الصندوق والبنك الدوليين كمؤسستين ماليتين تعملان على تحقيق مصالح الدول الدائنة التي تمثل اكبر المساهمين بهما، وتعملان على ضمان خدمة الدين، وهكذا فان الهدف الأساسي من إدارتهما الاقتصادية هو تجميع العملة الصعبة الكافية لضمان مستوى معين من المدفوعات”.

الخبير سواد لعيبي

أما الخبير الاقتصادي سواد لعيبي، فقد عدّ “السلطة الحالية هي امتداد لسابقاتها في سياساتها الاقتصادية والاجتماعية، بل ربما أكثر جرأة وخاصة في الجانب الاقتصادي، وذلك واضح من تقديمها الورقة البيضاء أو في إجراءاتها في خفض سعر صرف الدينار العراقي، والتي هي جزء مما تريد الورقة سيئة الصيت”.

ويلفت الى انه “منذ أن طرح برايمر مشروعه الاقتصادي في أيامه الأولى لقدومه للعراق (المؤتمر عقد في الأردن) هو حاضر اليوم. هو مشروع ما يسمى (سياسة التثبيت والتكييف الهيكلي) أي العمل على ربط الاقتصاد العراقي بالاقتصاد الرأسمالي المُعَولَم ويخضع لشروط الدائن (صندوق النقد والبنك الدوليان) سيّئي الصيت، والتي تفرض شروطها على الدولة المَدينة كالعراق: “خفض قيمة عملته المحلية، إلغاء الرقابة على الصرف الأجنبي، عمل سوق تجارية حرة، إلغاء الاتفاقات التنافسية السابقة (كما يحدث الآن الغاء العرض الصيني وتفضيل كوريا في انشاء ميناء الفاو باعتبار أن كوريا الجنوبية ضمن سياق منظماتها)، الضغط على الانفاق العام وزيادة الضرائب ورفع الاسعار، زيادة أسعار الطاقة، رفع التعرفة الـﮓمرﮒية، ضمان حرية تحويل الارباح الى الخارج (الشركات)، والأهم هو تحجيم دور الدولة الاقتصادي”.

ويذكر لعيبي ان “خفض سعر صرف الدينار سوف يؤثر على كل مناحي الحياة، أولاها أن العراق يستورد بضاعته بالدولار، أي بسعر أعلى (بعد شراء الدولار بالدينار العراقي من البنك المركزي الذي حدد السعر بـ 1450 دينارا رسمياً بعد أن كان بـ 1119 سابقاً اي بزيادة 31 دينارا، وهذا سينعكس على أسعار السلع والعراق كان يستورد ما قيمته (60 – 70) مليار دولار ويصدر ما قيمته 450 مليون دولار”.

ويتساءل لعيبي عما “يترتب على اجراءات الورقة البيضاء، وخفض سعر الدينار (الذي هو ضمن بنودها)؟”، مجيبا بالتاكيد ستكون “بطالة عالية، تفاوت في توزيع الخيرات، وهن في أداء الحكومات، تراجع في معدلات النمو الاقتصادي، وتفكك في البنية الاجتماعية”.

ويتحدث لعيبي عن تجربتي مصر وتونس سابقاً في ما يخص إجراءات (التكييف الهيكلي) ووصفات الأذرع المالية والنقدية لمنظمات الرأسمالية – النيو ليبرالية في القضاء على البنية التحتية للاقتصاد العراقي (الصناعة والزراعة والخدمات).

المهندسة بلسم باسم محمد

من جانبها، تقول المهندسة بلسم باسم محمد، ان “خفض سعر الصرف بهذه النسبة وبهذا الوقت مع وضع ضريبة على الرواتب سوف تقلل من القدرة الشرائية للمواطن حيث سينخفض الدخل وترتفع الاسعار اي سيكون الضرر مضاعفاً، وهو أمر غير مقبول مطلقاً ونحن في ظروف نحتاج فيها الى المال، لأن أجور المدارس الخاصة ومستلزمات الدراسة تكلفنا الشيء الكثير بالإضافة الى اجور الاطباء وأسعار الأدوية سوف تزداد أيضاً، فماذا يتبقى لنا من رواتبنا التي هي متدنية أصلاً مقارنةً بأقراننا في دول الخليج المجاورة والمشابهة لظروفنا ويمتلكون نصف خيراتنا”.

الاقتصادي كريم الحجاج

أما الاقتصادي كريم الحجاج فيشير الى “أننا نعلم أن الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق عام ٢٠٠٣ قسَّم الشعب العراقي إلى عرب سنة وشيعة واكراد وهذا راقَ لكثير من القوى السياسية والقوى الكردية الشوفينية وقد تماهت مع هذا التصنيف وعملت بموجبه في اختيار رئيس الوزراء والوزراء وأصحاب الدرجات الخاصة والمدراء العامين، نزولا إلى ابسط وظيفة في الدولة، كما أن سلطة الاحتلال وضعت العراق تحت املاءات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية”.

ويلفت الى ان “بعد مؤتمر عمان الذي عقد لغرض النظر في ديون العراق لنادي باريس الذي اعفى العراق من ٨٠ في المائة، من ديونه عدا ديون تعويضات الكويت وبعض الديون علما بأن جميع هذه الديون هي ديون قذرة لتغطية نفقات حروب النظام السابق بالإضافة لذلك إخضاع العراق إلى نظام اقتصادي أحادي الجانب، وهو اعتماده على الريع النفطي الذي يخضع إلى تسعيرة البرميل، بعيداً عن اليد العراقية وإنما يخضع إلى الأسواق العالمية”.

ويجد الحجاج، ان هذا الوضع أفرز “تقسيما طائفيا للشعب العراقي واقتصادا أحادي الجانب واملاءات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية أساء كثيرا للشعب العراقي بمختلف أطيافه ومكوناته وقومياته، ما ولد حربا طائفية واحتكاكا قوميا وطائفيا وتدهور الدولة إلى دولة ضعيفة جدا، خاضعة إلى بعض دول الجوار”.