اخر الاخبار

يعاني العراق من سوء إدارة وضعف التنسيق والتعاون فيما بين دوائر الدولة، الأمر الذي يترك أثاراً سلبية كبيرة على عملها جميعاً. وقد إشتكت وزارة الصناعة مراراً من عدم شراء منتجاتها من قبل الوزارات الأخرى، في مسعى وصفه عدد من المهتمين بالشأن الاقتصادي والصناعي بـالأمر “المقصود”، وذلك بغية استمرار المتنفذين في تحقيق مكاسبهم سواء من عمليات تهريب العملة الصعبة إلى خارج البلاد أو من صفقات الفساد والتسهيلات المدفوعة لأبرام العقود، فيما انتقد الخبراء إفتقاد وزارة الصناعة لرؤية علمية عن تطوير الصناعة وعدم معرفتها لاحتياجات السوق.

الصناعة تشكو

مدير عام الدائرة الفنية في وزارة الصناعة السيد ناصر إدريس، تحدث عن المشكلة في تصريح صحفي فقال “إن لدى الوزارة مصانع قديمة بُّنيت في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وتمت قبل سنوات عملية إعادة تأهيلها لتقترب من القدرة التصميمية لها وبمشاركة القطاع الخاص عن طريق الاستثمار”. وأضاف “ أن الوزارة نجحت بتنفيذ الجزء الأكبر من هذا العمل، وحققت إيرادات جيدة ومشجعة في السنوات الأربع الأخيرة، وبزيادة في الواردات بلغت 15-16بالمائة سنويا”. ولفت السيد إدريس الانتباه إلى أن “المصانع التي أعيد تأهيلها تضم مصانع للمواد الإنشائية والإسمنت والأدوية”. وبيّن ان “بعض المعامل تتمكن من الإنتاج نسبة 30 في المائة من طاقتها، لأنها أنشئت لتزويد الوزارات ومنها الدفاع والداخلية والزراعة والصحة والتربية بما تحتاجه. غير إن المشكلة تكمن في رفض تلك الوزارات شراء منتجاتنا، وعدم التزام وزارات أخرى بتوصيات شراء منتجات وزارة الصناعة”.

وأشار السيد إدريس إلى أن “هناك مصانع يعاد تأهيلها من قبل مستثمرين، وتقوم الوزارة بمنحهم تعهدا بشراء منتجاتهم بهدف تعويضهم عن كلف إعادة التأهيل، لكن للأسف تصر الوزارات على شراء حاجاتها من مستوردين وبتكاليف أعلى ونوعيات أقل جودة ولا توازي ما تنتجه وزارة الصناعة”. وأكد على توفر الخطط الاستراتيجية والعقول العراقية والإمكانيات، “والمطلوب دعم وزارة الصناعة من خلال شراء منتجاتها”، لافتاً إلى أن “واحدة من قصص النجاح هي صناعة السمنت إذ أنه قبل 5-6 أعوام كان أغلب الإسمنت المتوفر في اسواق المحافظات مستورداً، الا أنه الآن، وبعد إيقاف الاستيراد وتعزز الثقة بالمنتج المحلي ذي النوعية الجيدة والأسعار المستقرة، صار الإسمنت المحلي الأكثر وجوداً واستخداما”.

فوضى في إدارة البلاد

وعلق الخبير الاقتصادي احمد خضير على هذا الموضوع بالقول “ إن هذا الأمر يعكس الفوضى في طريقة إدارة البلاد، فمن غير المعقول عدم التزام الوزارات والدوائر الحكومية بتوجيهات الحكومة، وكيف يمكن للعراق احياء صناعته وهو يدار من قبل عقليات لا تهمها سوى مصالحها الفئوية والحزبية الضيقة”. وأضاف السيد خضير لـ “طريق الشعب” أن “موضوع إحياء الصناعة الوطنية يسبب اضراراً كبيرة لمافيات الفساد والمتنفذين، منها تقليص تهريب العملة الصعبة إلى خارج البلاد، وانهاء ظاهرة الفساد والكومنشنات في العقود الموقعة من قبل دوائر الدولة”، مبينا أن “الهدف من عدم شراء منتجات وزارة الصناعة هو عرقلة إحياء الصناعات المحلية من أجل الحفاظ على مكاسب المتنفذين”.

وتابع الخبير الاقتصادي القول “إن وزارة الصناعة مسؤولة أيضا عن هذا الفشل كونها لا تقوم بتسويق منتجاتها بالشكل الصحيح، وهي غير قادرة على إيصال ما تنتجه معاملها إلى السوق المحلية، على الرغم من وجود تجارب ناجحة كخط انتاج البطاريات ومعامل الاسمنت”، مؤكدا أن “الفساد في مؤسسات الدولة، وعدم تطبيق قوانين حماية المنتج المحلي، هو المعرقل الحقيقي أمام عملية نهوض المعامل والمصانع العراقية”.

غياب الرؤية

ويرى الباحث في الشأن الصناعي خلدون علي أن وزارة الصناعة لا تمتلك رؤية استراتيجية حول حاجة السوق المحلية للمنتجات، ولا تزال تتعامل بنفس الطرق التقليدية القديمة. ورغم صرف مليارات الدولارات من قبل الدولة على المصانع والمعامل، فإنها فشلت بتطوير وانشاء المصانع وتأهيل الكوادر لمواكبة التطور المتسارع في القطاع الصناعي العالمي.

وأضاف السيد علي لـ “طريق الشعب” “ أن اللاعب السياسي المحلي والإقليمي لا يرغب في تنشيط القطاعات الصناعية والزراعية والسياحية من أجل ضمان بقاء البلاد سوقاً للمنتجات الأجنبية، التي تضمن مصالح المتنفذين في الدولة ومن يدعمهم من الدول الإقليمية والدولية”. وأشار إلى ان “الفساد المالي والإداري الموجود في دوائر الدولة هو معرقل دائم أمام تمكين الصناعات الوطنية”.

وبيّن الباحث ان “الشركات العامة التابعة إلى الدولة تدار بعقليات تهدف إلى تخريبها وإنهاء عملها وتسريح العاملين فيها، فمن غير المعقول مواصلة العمل بدون وجود خطة تنموية لإعادة إحياء الصناعة، والاعتماد بشكل دائم على الريع النفطي”. وأكد على ان “الصناعة الوطنية غير قادرة على النهوض في ظل استمرار الفساد وغياب الإرادة في إعادة العراق إلى مكانته الطبيعية بين دول العالم والمنطقة”.

عرض مقالات: