عاد الجدل مجددا حول النتائج المتحققة من رفع سعر صرف الدينار امام الدولار الأمريكي، وما خلفه من تبعات اقتصادية تحمل عبئها الأكبر المواطن البسيط، نتيجة لارتفاع أسعار المواد الغذائية والانشائية وغيرها من المواد الأساسية المتعلقة في الحياة اليومية للمواطنين.

ورفض وزير المالية علي عبد الامير علاوي، الاستجابة الى طلب الحضور الى مجلس النواب، يوم السبت، لغرض مناقشة تداعيات الموضوع. فيما اكتفى البرلمان باستضافة محافظ البنك المركزي مصطفى غالب ونائبه لـ”مناقشة النتائج المترتبة عن رفع سعر صرف الدولار”.

وحتى لحظة إعداد هذا التقرير، يتواصل تذبذب أسعار صرف الدولار، فيما بيّن مصدر مخول في البنك المركزي، عبر بيان صحفي، نشرته وكالات الانباء، إنّ “تكرار تغيير سعر الصرف خلال أوقات قصيرة من دون دراسة من الجهات المعنية، يؤدي إلى ركود اقتصادي، ويربك عمل الأسواق المحلية، ويزيد من المضاربات على العملة الأجنبية”.   

مغالطات كبيرة

وحول رسالة وزير المالية الى رئيس الحكومة التي رفض فيها الحضور الى مجلس النواب، اكد المحلل السياسي اياد العنبر في تدوينه على صفحته في (فيسبوك)، ان “الرسالة حملت مغالطات منها تبرير قرار رفع سعر الصرف بموافقة زعماء الكتل السياسية، قبل البرلمان”، مشيراً الى ان “الوزير تجاوز على صلاحية البنك المركزي من خلال تبني وزارة المالية للقرار، وتثبيته في الموازنة في سابقة غير مبررة”. 

وبيّن العنبر ان “هناك فترة أكثر من شهر بين طرح قرار رفع سعر الصرف وتطبيقه، ما سمح لمافيات مزاد العملة بسحب الدولار والتربح منه. وهذه بحد ذاتها يمكن أن يحاسب عليها الوزير”، منوها الى ان “ارتفاع سعر النفط انقذ الحكومة وليس خططها او ورقتها الإصلاحية البيضاء، ولم يكن امامها سوى الاقتراض لحل موضوع تسديد الرواتب”.

وبعد أن رفض وزير المالية حضور جلسة الاستضافة التي دعت اليها رئاسة البرلمان، يوم السبت، لمناقشة تداعيات تغيير سعر صرف، قال علي عبد الأمير علاوي، انه سيوجه طلبا الى رئيس مجلس النواب، يطلب فيه التصويت على منحه الثقة، بعد القاء كلمة تخص الوضع الاقتصادي، وانعكاسات السياسة المالية على أسعار السوق.

تجاوز الصلاحيات

اما الخبير الاقتصادي د. مهدي البناي، فأشار الى ان “سعر صرف العملة، ومعدل الفائدة، وقياس ومتابعة التضخم، وتنظيم ومراقبة عمل المصارف، هي أمور تقع ضمن مسؤولية البنك المركزي، ولا يفترض بوزارة المالية التصدي لها”، منوها الى ان “تصدي المالية لهذا الامر يعد تغولا وتعديا على البنك المركزي كون محافظه ضعيفا وغير مختص”.

فيما قال المالي محمد فرحان: ان “موضوع تغيير سعر صرف الدينار هو من اختصاص البنك المركزي، لكن الحكومة وبمقترح من قبل وزير المالية وبالاتفاق مع زعماء الكتل السياسية وافقوا على رفع السعر من اجل تجاوز الازمة الاقتصادية، اثر انخفاض أسعار النفط”، مبينا ان “القرار الحق ضررا بالغا بالطبقات الهشة والفقراء، ووصل الضرر الى الطبقات المتوسطة، نتيجة لارتفاع الأسعار في القطاعات كافة”.

وأضاف فرحان لـ”طريق الشعب”، ان “خطط الحكومة اعتمدت على وصفات صندوق النقد الدولي الجاهزة، بدون النظر الى الواقع العراقي، ما تسبب في تفاقم معاناة المواطنين بشكل كبير”، منوها الى انها “فشلت في السيطرة على أسعار المواد الغذائية والأدوية والمواد الانشائية وغيرها من الأمور الأساسية لحياة المواطنين، ولم تستطع الإيفاء بوعودها بدعم الطبقات الهشة”.

وتابع ان “موضوع عودة سعر الصرف في الوقت الحاضر صعب جدا، لكن على الحكومة، مؤكدا ان “الحكومة تعمل وفق مبدأ تجاوز الازمات، لا وضع الحلول، مع اغفالها عن قضية مهمة وهي ان ثروة البلاد ملك للعراقيين، وليست للكتل السياسية او الموظفين”.

واكد ان “سياسات الحكومة الاقتصادية كان نتاجها زيادة معدلات الفقر والبطالة، وزيادة أرباح المصارف من مزاد بيع العملة”.

ورقة سوداء

بدوره، وصف الباحث في الشأن الاقتصادي احمد محمد ورقة الحكومة البيضاء بانها “سوداء” لرفعها راية غول النيوليرالية (الخصخصة).

وقال محمد لـ”طريق الشعب”، ان “الهدف من خفض قيمة العملة هو زيادة الاستثمارات الأجنبية وزيادة الإنتاج الداخلي والصادرات وتقليص العجز التجاري”، مشيرا الى ان “الإنتاج الداخلي يحتاج الى مواد أولية والعراق يستورد هذه المواد وهو غير قادر على التصدير في الوقت الحالي”.

وأضاف الباحث: “لا يختلف اثنان على أن واقع القطاع العام يحتاج لمعالجة لكي يكون أكثر إنتاجية ويحقق حاجات المجتمع”، مشيرا الى ان “الورقة البيضاء تروج النيوليبرالية وتقدمها على انها حامل راية عجلة التطور وتحسين الوضع الاقتصادي وهي المنقذ، لكن في الحقيقة هي ليست خطة إصلاح ولا رؤية حقيقية”.

وخلص الى ان “الحكومة ومن خلال خططها الاقتصادية الحالية قامت ببيع كل ما يملك الشعب العراقي، لجعله اسيرا حتى في حال تغيير النظام القائم”، مبينا ان “العراقيين امام أيام عسيرة سببتها هذه الورقة التي وضعت من اجل خدمة رؤوس الأموال”.