اخر الاخبار

تواجه مشاريع المدن الصناعية إهمالا كبيرا ومعرقلات كثيرة لمراحل إنجازها، برغم أهميتها وجدواها الاقتصادية التي تقر بها الحكومة والمختصون في الشأن الاقتصادي.

ويعاني القطاع الصناعي بشكل عام واقعاً متردياً في جميع مفاصله وشللاً شبه تام في جميع المنشآت الصناعية، بسبب الممارسات الخاطئة للنظام السابق، التي تركت آثارا مدمّرة على الاقتصاد العراقي، لتجيء المحاصصة الطائفية بعد العام 2003 وتزيد الطين بلة، حتى بات البلد سوقا مفتوحة للسلع والمواد المستوردة، بينما يعجز الإنتاج المحلي برغم محدوديته، عن المنافسة نتيجة لغياب وسائل الدعم.

حديث متكرر بلا نتائج

قبل أيام قليلة مضت، تجدد الحديث عن المدن الصناعية بعدما أعلنت وزارة الصناعة عن زيارة وفد من هيئة المُدن الصناعية الى مُحافظة ميسان، برفقة لجنة الكشف الموقعي التابعة إلى هيئة المسح الجيولوجي، لغرض الكشف وتحديد مُحددات القطعة المُخصصة لإنشاء مدينة صناعية.

ويأتي هذا الحديث في ظل تعثر المدن الصناعية بمختلف المحافظات رغم التأكيدات الحكومية والتخصصية على أهميتها.

وتقول الخبير الاقتصادي سلام سميسم، أنّ المدن الصناعية تساعد على تركيز فرص الاستثمار وتجميع النشاطات الاقتصادية في أماكن مخصصة لهذا الغرض.

وتضيف سميسم أثناء حديثها لـ”طريق الشعب”، أن التنظيم الجغرافي لهذه النشاطات يساعد في تقليل الفوضى العمرانية داخل المدن، وفي ذات الوقت يفتح مجالات جديدة للاستثمار”، مضيفة أن “المدن الصناعية بحاجة إلى جدية من قبل الجهات المسؤولة؛ فالاهتمام غائب ويمكن رصد ذلك من خلال التأخر في إنجاز الكثير منها، وأبرزها ببغداد بعدما تعثر المشروع لأكثر من عشر سنوات”.

وترى سميسم أن “الفساد سبب رئيس في تعطيل العمليات التي من شأنها أن تحقق تنمية اقتصادية في العراق، لذلك نسمع كثيرا عن المدن الصناعية لكن لا نراها على أرض الواقع. اضافة الى ذلك، يلعب الروتين والتلكؤ في اجراءات الجهات المعنية دورا في تعثر كل عمليات الاستثمار”، مضيفة “إذا كانت الحكومة جادة، فمن الممكن ان تكون هذه المدن الصناعية فرصا جديدة لتشغيل اليد العاملة واستثمار طاقات الشباب، وهي بالتالي فرصة هامة لامتصاص البطالة والاستفادة من فرص الاستثمار. ومع تركز المدن الصناعية من الممكن للفرص الاستثمارية أن تتوجه الى هذا المجال حتى وان كانت صغيرة، وهذا سيؤدي إلى خلق حركة جديدة تعطي زخما تنمويا للمجتمع”.

وتختتم الخبيرة حديثها بالقول: “نحن بحاجة الى ارادة جادة وتخفيف الروتين واعتماد السرعة في التنفيذ من خلال مبدأ النافذة الواحدة الذي يجب ان يطبق في الواقع لخدمة عملية الاستثمار”.

ولا يستبعد اقتصاديون ومراقبون، أن تكون أسباب تعطيل انجاز تلك المشاريع “سياسية” في الدرجة الأساس. وتحول البلد منذ عام 2003 إلى ساحة كبيرة لاستيراد البضائع الأجنبية لصالح دول مستفيدة، كما يؤكد سياسيون ومسؤولون في مرات عدة، وذلك على حساب المصلحة الوطنية.

فوضى كبيرة

أما المستشار المالي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح، فيوضح بأن سوق العمل في البلاد “يعاني من فوضى غير قليلة، وأن السعي إلى تنظيمه بحاجة إلى “إرادة سياسية وطنية كبيرة”.

صالح أوضح لـ”طريق الشعب”، في تصريح سابق، أن “مشاريع المدن الصناعية من المشاريع المعول عليها في احتواء اعداد غير قليلة من العاطلين، فضلا عن دعم المنتج الوطني”، لكنه بيّن أن “الصراعات السياسية تحول دون انجاز مشاريع المدن الصناعية عبر وضع شروط تعجيزية امام عمليات الاستثمار، فضلا عن التلكؤ في انجاز البنى التحتية الخاصة بها”.

وأشار المستشار إلى أن هنا “6 مدن صناعية في عموم المحافظات، وان نسب الانجاز قليلة ودون المستوى المطلوب على الرغم من مرور عقود على اطلاق المشروع الاستثماري للمدن الصناعية”.

الصراعات السياسية

وفي السياق، يقول الباحث في الشأن السياسي والاقتصادي نبيل جبار التميمي، أن الصراعات السياسية والسعي خلف المغانم الشخصية تشكل عراقيل كبيرة أمام انجاز مشاريع المدن الصناعية.

ويفيد التميمي لـ”طريق الشعب”، بأن هذه المدن تعتبر من “المشاريع الاستراتيجية التي تضمن بيئة صناعية آمنة، وتشغيل الأيدي العاملة العاطلة، وإنعاش صناعات محلية عملت الحكومات المتعاقبة على تعطيلها”، مؤشرا عددا من المعرقلات بهذا الصدد من بينها “ما يتعلق بتخصيص الحكومة أراضي للمدن الصناعية، وهي من ابرز المشاكل التي عجزت الحكومات عن حلها، فضلا عن التعقيدات التي تقف امام عمليات الاستثمار”. ولا تكمن المشكلة بالنسبة للقطاع الصناعي في العراقيل التي جرت الإشارة لها في ما يخص المدن الصناعية، بل هناك ما هو أوسع من ذلك، فالآلاف من المعامل والمصانع التي ما زالت معطلة رغم أهميتها، توضح حجم الخراب الاقتصادي الذي تم عبر السياسات الخاطئة للحكومات المتعاقبة وتقصير الجانب الرقابي.