اخر الاخبار

طالما بقي العراق يستورد كل شيء يحتاجه تقريبا، فإن قرار تغيير سعر صرف الدولار، لا يتحمل تداعياته سوى المواطنين الفقراء والكادحين، الذين يحاولون عبثا “التأقلم” مع أوضاعهم الراهنة في ما يخص سلالهم الغذائية، وطعامهم اليومي. كما غذى القرار الحكومي مؤشر الفقر الذي ارتفع هو الآخر، وتصر الحكومة على أنها غير مسعدة لتغيير سعر صرف الدولار أمام الدينار، انما تدعو الرافضين والمتضررين الى انتظار النتائج “بعد سنوات!”. و طالبت مفوضية حقوق الانسان، الحكومة بـ”اعادة التوازن والامن الغذائي للمواطنين”, فيما يحاول 109 نواب في مجلس النواب اقناع وزارة المالية بتعديل سعر الصرف. وأشر اقتصاديون عددا من المشكلات أفرزها تغيير سعر صرف الدولار، من بينها “الفوضى المستمرة في الحركة والاقتصادية والاسعار، وإضعاف ثقة المستثمرين، وجذب الاستثمارات”.

أحاديث رسمية تفتخر بالقرار

وقال وزير المالية علي عبد الامير علاوي، في مقابلة صحفية، تابعتها “طريق الشعب”، إن “سعر صرف الدولار قرار حكومي، لا يمكن تغييره يوميا حسب الرغبة”، مبينا ان “الأسواق تقبلت سعر الصرف الحالي، وسيعطي خلال السنين المقبلة الحوافز إلى القطاع الخاص ويقوي الاحتياطي”.

كذلك رأى البنك المركزي، أن تغيير سعر صرف الدينار امام الدولار “ساهم في تعزيز الاستدامة المالية”.

وذكر البنك في بيان طلعت عليه “طريق الشعب”، أن “تغيير سعر صرف الدينار امام الدولار ساهم في تعزيز الاستدامة المالية، نتيجة لارتفاع حجم الاحتياطات الأجنبية وتعزيز المالية العامة مما يزيد من موثوقية المستثمرين وانخفاض تكاليف الإنتاج وزيادة القدرة التنافسية للسلع المحلية وتوازن ميزان المدفوعات من خلال انخفاض حجم الاستيرادات الأجنبية”.

واضاف أن “التحدي الأكبر يتمثل بإعادة استثمار الإيرادات المتحققة من عملية خفض سعر الصرف التي يجب ان تساهم في بناء قاعدة إنتاجية خارج القطاع النفطي، لتعمل كرافعة مالية للاقتصاد العراقي وتخليصه من إشكالية أحادية المورد المالي”.

تصريحات غير واقعية

وتعقيبا على حديث وزير المالية، قال الخبير الاقتصادي احمد خضير, ان حديث الوزير علاوي حول تقبل السوق لسعر الصرف الجديد “غير واقعي، ويندرج تحت اطار تلميع الاوضاع والهرب من مواجهة مشكلة الفقر والبطالة”.

وقال خضير في حديث لـ”طريق الشعب”, ان “حركة السوق لم تستقر منذ تغيير سعر الصرف ولا تزال الاوضاع مربكة سواء للتجار ام المواطنين في ظل عدم اقرار الموازنة العامة”.

وأضاف ان الحديث المتكرر عن العودة للسعر السابق او زيادة السعر الحالي “خلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار في الحركة الاقتصادية”.

وزاد خضير, ان “تصريحات وزير المالية تنم عن عدم دراية كافية في الواقع الاقتصادي المحلي, وعدم متابعة الاقتصاد وفق مؤشرات حقيقية”, متساءلا عن “المعطيات التي اعتمد عليها الوزير بتقبل الاسواق لسعر الصرف والحوافز المتوقعة الى القطاع الخاص”.

وتابع ان “السياسة الاقتصادية المتبعة من قبل الحكومة الحالية هو تحميل المواطن اعباء الازمة الاقتصادية, وفساد الطبقة السياسية وسوء ادارتها لموارد الدولة”, مؤكدا ان “الورقة البيضاء التي تنتهجها الحكومة الحالية ستعود بالضرر الكبير على الاقتصاد المحلي والمواطنين بدرجة اساسية”.

ونصح الخبير الاقتصادي الحكومة “بتشغيل المعامل والمصانع المتوقفة عن العمل ودعم القطاعات الزراعية والسياحية والاستفادة من الامكانيات المتوفرة في الداخل بدلا من محاولة استيراد تجربة اقتصادية لا تتناغم مع الواقع الاقتصادي للبلاد”، وحذر من “الاستمرار في اتباع سياسة تجويع الشعب واذلاله”.

اهداف غير واضحة

أمّا الباحث الاقتصادي محمد فرحان, فقد أكّد ان تغيير سعر صرف العملة المحلية في اي بلد يرتبط بتحقيق اهداف اقتصادية محددة.

وقال فرحان لـ”طريق الشعب”, ان “لجوء دول العالم الى تخفيض عملتها امام العملات الاجنبية هو من اجل تحقيق اهداف اقتصادية مرسومة من قبل صناع القرار الاقتصادي فيها، سواء كانت وزارة المالية او البنك المركزي”.

واسترسل ان “الهدف من تخفيض قيمة العملة الصينية، مثلا، هو من اجل تخفيض سعر البضائع الصينية، وبالتالي زيادة البضائع المصدرة الى خارج البلاد”.

وأكمل ان “العراق بلد مستورد لكل احتياجاته، وعليه فانه لن يحقق من تغيير سعر صرف الدينار سوى اشياء بسيطة، لا توازي ما سوف يتحمله المواطنون من جرّاء هذا الاجراء”, منوها الى ان “قرار التخفيض يسهم بشكل مباشر في اضعاف ثقة المستثمرين، ويؤثر بشكل سلبي على عملية جذب الاستثمارات والاموال الاجنبية المتعثرة اصلا”.

وتابع ان “الحكومة، ونظرا لعدم معرفتها بواقع الاقتصاد المحلي توقعت عند اتخاذها لهذا الاجراء سوف يزداد الطلب على المنتجات المحلية، لكنها اغقلت عدم وجود منتجات محلية ذات مواصفات جيدة, وفي حال وجودها فانها تعتمد بشكل اساسي على المواد الاولية المستوردة اصلا، وهذا ما حدث في معمل الزيوت والسكر في بابل، مؤخرا، ما اضطره الى رفع سعر منتجاته”.

وحول امكانية ان يسهم القرار في تقليل العمالة الاجنبية بسبب تقليل قيمة الدينار, أوضح الباحث بالقول انه “ يبدو أن الحكومة لا تعلم ان الالاف العاملين في القطاع النفطي يتقاضون رواتبهم بالعملة الصعبة, وحتى عمال النظافة والخدمات العامة يتقاضون رواتبهم بالدولار”, مبينا “عدم تأثر العمال الاجانب بذلك، على عكس العراقيين الذين انخفضت قيمة اجورهم، بنسب تصل الى حوالي 20 في المائة” على أثر قرار تغيير سعر الصرف.

وأردف فرحان, ان “الهدف الوحيد المتحقق من رفع سعر صرف الدينار هو تقليل عمليات تبيض الاموال عن طريق المصارف الخاصة، وتهريبها الى خارج البلاد، على الاقل في المرحلة الحالية”، منبها الى “ضرورة اتخاذ حزمة اجراءات حكومية موازية، لمنع ارتفاع اسعار المواد الاستهلاكية في حال اصرارها على بقاء السعر الحالي”.

اعادة التوازن والامن الغذائي

وفي السياق، طالبت المفوضية العليا لحقوق الانسان في العراق، الحكومة بإجراءات تعيد التوازن والأمن الغذائي للمواطنين.

وذكر عضو مجلس المفوضية أنس اكرم محمد، في بيان تلقت “طريق الشعب”, نسخة منه, أن “المفوضية تطالب الحكومة ووزارة التجارة باتخاذ اجراءات عملية لإعادة التوازن الغذائي لفئات المجتمع العراقي الأكثر تضررا من رفع سعر الدولار ونتائجه السلبية على رفع أسعار السلع والمواد الغذائية بنسبة 14 في المائة، وهو ما يشكل تهديدا خطيرا للأمن الوطني الغذائي  ويضاعف من مستويات الفقر المعلنة في العراق”. 

وشدد عضو مفوضية حقوق الانسان على “ضرورة ان تتعامل الحكومة بجدية ومهنية مع تقرير برنامج الاغذية العالمي التابع للأمم المتحدة (WFP) الذي أشر خللا في الاجراءات الحكومية غير المدروسة وأثرها على السوق والمستوى المعيشي وامن العراق الغذائي والإنساني مع تطابق الإحصائيات المعلنة من وزارة التخطيط والمنظمات الدولية والتي أشرت تجاوز نسبة الفقر في العراق حاجز 31 في المائة، وهو ما سيزيد من أزمات العراق الاقتصادية، وسيجعل العراق واستقلاله الاقتصادي وأمنه الغذائي في وضع ضعيف وتحت طائلة الحاجة الى دعم اضافي من الدول المانحة او تحت رحمة اشتراطات وسياسات البنك الدولي”.