من يراقب استعدادات بغداد الأخيرة لاستقبال القمة العربية، قد يظن لوهلة أن العاصمة استعادت عافيتها العمرانية ونظافتها العامة. لكن الواقع على الأرض يكشف غير ذلك. فالشوارع ما تزال تختنق بالزحام، وأعمال التبليط متأخرة أو غائبة، والحواجز الكونكريتية تصادر الأرصفة والهواء، فيما تملأ البسطات العشوائية الأرصفة دون حلول جذرية. ويتساءل المواطن: أين الأسواق العصرية في الأحياء الشعبية؟
الأمانة العامة في بغداد لجأت إلى سلسلة غرامات وصفها المواطنون بـ"القاسية"، في محاولة لفرض النظام قبيل القمة: 500 ألف دينار على صاحب البسطة، مليون دينار على رامي النفايات من نافذة السيارة، و3 ملايين دينار على من يمد أنابيب ماء أو مجارٍ من دون موافقة رسمية.
قد تكون هذه القوانين ضرورية من حيث الشكل، لكنها تفتقد للعدالة حين تطبَّق على الفئات الأكثر هشاشة، من دون أن تترافق مع حلول ملموسة. أين الحاويات؟ المواطن الذي يغرَّم بسبب النفايات لا يجد في كثير من الأحياء الشعبية أي حاوية مخصصة أصلاً لرمي الأوساخ. في أحياء بغداد القديمة، لا توجد بنية تحتية تدعم مثل هذه الغرامات. من يطبق القانون لا يهيّئ له أدواته. فهل المطلوب من المواطن أن يحمل نفاياته في جيبه إلى أن يجد حاوية في مكان ما؟
أما عمال النظافة، الذين يُعوّل عليهم في تحسين الصورة، فإن كثيراً منهم يتقاضى ما بين 170 إلى 350 ألف دينار فقط، وهو ما لا يسد رمق العيش، ولا يليق بكرامة من يُطالبون برفع مستوى النظافة العامة.
أكًول، إن فرض الغرامات ليس إصلاحاً، بل خطوة سطحية إن لم تترافق مع عدالة اجتماعية وتهيئة بيئة حضرية عادلة. بغداد لا تحتاج إلى "تجميل مؤقت"، بل إلى خطة شاملة تبدأ من احترام الإنسان ومنحه أدوات النظام، قبل محاسبته.