اخر الاخبار

في خضم الأزمات التي تعصف بالعراق، برزت ظاهرة خطيرة تنذر بتفكك ما تبقى من ثقة المواطن بمؤسسات الدولة: جماعات مجهولة تهدد الأهالي للاستيلاء على بيوتهم، أو اقتطاع أجزاء من حدائقهم، مستندة إلى مستندات مزورة وضغوط نفسية هائلة تصل حد الترويع. لا أحد يعرف من يقف خلف هذه الجماعات، ولا إن كانت تابعة لأحزاب سياسية أم تعمل تحت مظلة الفساد المنظم. ما يعرفه المواطن جيداً هو أنه أصبح هدفاً في قلب منزله. هذه الحملة الخفية تتخذ من التزوير طريقاً، ومن التهديد وسيلة، ومن ضعف الرقابة والتواطؤ الرسمي أرضية خصبة. يجري التلاعب بالسجلات العقارية بوقاحة، ويفاجأ المواطن بوجود "أوراق رسمية" تنقل ملكية جزء من بيته أو حديقته إلى جهة غامضة، ثم تنهال عليه الضغوط لتوقيع "اتفاق تسوية" بدلاً من اللجوء إلى القضاء الذي قد يُعطّل قضيته لسنوات.

ولعل ما كشفته هيئة النزاهة مؤخراً من محاولة الاستيلاء على ٣٨٥ عقاراً حكومياً في محافظة الأنبار او في احياء العاصمة بغداد،  يؤكد أن الأمر ليس مجرد حالة فردية، بل نمط منظم من الجريمة العقارية. وفق بيان الهيئة، فإن مجموعة متورطة قامت بتجزئة عقارين تعود ملكيتهما لوزارة المالية إلى عدة وحدات سكنية بمساحة ٢٥٠ م² لكل منها، ثم سجلتها بأسماء أقارب موظفين في التسجيل العقاري، استناداً إلى كتب وهمية لا تحمل أي غطاء قانوني أو تخطيط حضري معتمد.

 الكارثة أن قيمة هذه العقارات تتجاوز سبعة مليارات دينار عراقي، وهي ليست فقط أموالاً عامة تم التلاعب بها، بل أيضاً دليل حي على تغلغل الفساد في مفاصل الدولة، وعلى رأسها الدوائر العقارية التي باتت مرتعاً للتلاعب بمصير المواطنين. 

لا يكفي ضبط الأضابير وتجميد الصفقات، فالجريمة العقارية أعمق من أوراق مزورة. المطلوب تفكيك الشبكة ومحاسبة كل من تورّط، من الكتبة إلى الكواليس. حين تُصبح البيوت غنائم، تنهار فكرة الوطن من أساسها… فهل من مستجيب؟