اخر الاخبار

بدأت علاقتي بجريدة "طريق الشعب" وأنا ما زلت يافعاً، أعمل في مطعم الخيام الحديث بشارع الرشيد. كان صاحب المطعم يطلب مني شراء الصحف اليومية. وفي أحد الأيام لفت انتباهي عنوان جديد: "طريق الشعب". لم أكن قد سمعت بها من قبل، لكنني اشتريتها له. وصارت منذ ذلك اليوم من الصحف التي يتصفحها باستمرار. بدافع الفضول، بدأت أتصفحها أنا أيضاً، شيئاً فشيئاً تسللت إلى وعيي حتى وجدت نفسي مأخوذاً بها، خاصة وأنها الصوت الناطق باسم الحزب الذي يشغل الناس في أحيائنا الفقيرة، الحزب الذي تنتمي إليه شخصيات نعتز بها. صرت أتابعها بشغف، وأحياناً حين تنفد من السوق أذهب إلى مقرها في بغداد فأحصل على نسخة مختومة بختم أحمر مكتوب عليه (الاشتراكات). كانت "طريق الشعب" نافذة على ما يدور في البلد، منبراً للتثقيف وصوتاً نقدياً يعكس معاناة الناس.

توسعت علاقتي بالصحافة الشيوعية، فصرت أقتني الأسبوعية "الفكر الجديد". لم أكن قد تعمقت في القراءة بعد، لكني كُلفت، كباقي رفاقي في الخلية الحزبية، ببيع مجلة "الثقافة الجديدة"، حيث يمنح مسؤولنا الحزبي لكل منا نسختين أو ثلاثاً، نجوب بها المقاهي ونحاول بيعها. الهدف لم يكن البيع وحده، بل الترويج لها وبناء العلاقات، كما هي فرصة لتصفحها وحفظ أسماء كتابها، والتعرف على عناوينها التي فتحت أمامنا أفقاً جديداً.

ثم جاءت سنوات القمع، واضطررنا إلى مغادرة العراق. تفرقت بنا السبل، ووجدت نفسي بحاراً في اليونان متنقلاً بين إفريقيا وأمريكا اللاتينية. وفي أحد الأيام، بينما ترسو باخرتنا في ميناء أثينا، التقيت برفاقي في منظمة اثينا، حيث قدموا لي منشوراً شيوعياً عن حركة الأنصار وعملياتها الإعلامية والسياسية. كان ذلك المنشور الشرارة التي وجهت بوصلتي نحو الكفاح المسلح، في زمن كانت فيه الأفكار الثورية في أوجها. من ثورة "جيفارا" في كوبا الى ثوار "التوبوماروس" في الارغواي، تركت اليونان والبحر وأوروبا وعدت إلى كردستان عبر سوريا ولبنان ومعسكرات الفدائيين.

في جبال كردستان، نهاية عام 1981، وحين كنت مسؤولاً عن فصيل حماية المكتب السياسي والعسكري والإعلامي، شهدت عن قرب صدور "طريق الشعب" السرية، بدءاً من تصميمها الذي تولاه الرفيق صفاء حسن (أبو الصوف)، وإشراف الرفيق رزوقي، فيما تناوب على طباعتها بالرونيو الرفيقان أبو عليوي وعباس. كانت تطبع بأعداد محدودة ويعاد طبعها في دمشق بنفس التصميم. أما كتابها فلم يكن أحد يذكر اسمه، وكانت خبرية أكثر من تحليلية، تنشر أخبار الداخل وبيانات الحزب وعمليات الأنصار.

ولأن "طريق الشعب" لا تعرف الانقطاع، كنت ضمن الرفاق الذين وزعوها يوم 20 نيسان 2003 في ساحة الفردوس، لتكون أول جريدة للمعارضة العراقية، توزع في بغداد بعد سقوط النظام. لم يكن ذلك مجرد توزيع، بل حركة فرضت علنية الحزب الشيوعي، وإعلاناً رمزياً لعودة صوت حاولوا طويلاً إسكاته.

لم تتوقف علاقتي بها عند هذا الحد، فقد أصبحت أحد كتاب أعمدتها. منذ عام 2007 وحتى اليوم، أكتب عمودي الأسبوعي (كل خميس) دون انقطاع. على مر السنين، ظلت "طريق الشعب" بالنسبة لي أكثر من جريدة، كانت رفيقة الدرب، مرآة هموم الناس، وصوتهم النقدي الحر.

"طريق الشعب" ليست جريدة فحسب، بل مدرسة في الصحافة، ومنهج في الالتزام بقضايا الناس.