في المدن العراقية، حيث تتشابك الأرصفة المكتظة بالسيارات وتتسع الطرق لعبء مروري لا ينتهي، يقف النقل العام كحل لم يُستغل بعد. بالرغم من أهمية النقل العام في حياة الشعوب، إلا أنه يعاني في العراق من تراجع كبير، مما أدى إلى تفاقم الأزمات المرورية وزيادة الاعتماد على السيارات الخاصة. هذه الأزمات تتجاوز مجرد حركة المرور البطيئة؛ فهي تمثل تحديات بيئية واقتصادية واجتماعية تقف أمام مسار التنمية المستدامة. لذلك، بات من الضروري إعادة تأهيل شركات النقل العام العراقية لتكون ركيزة لحل تلك المشكلات وتعزيز التحول الحضري.
أحد أبرز التحديات التي تواجه المدن العراقية اليوم هو الازدحام المروري الخانق. مع تزايد عدد السيارات الخاصة وقلة الاعتماد على وسائل النقل الجماعي، أصبحت شوارع المدن الحيوية مثل بغداد والبصرة وكربلاء تشهد حركة مرورية لا تهدأ، يمكن للنقل العام الفعال أن يكون الحل الأمثل لتخفيف هذا العبء؛ فهو يقلل من عدد السيارات الخاصة على الطرق ويتيح للناس التنقل بتكلفة منخفضة وبشكل أسرع. تخيل مدنًا عراقية حيث يختفي الزحام ليحل محله نظام نقل يعمل بانسيابية وكفاءة، مما يوفر الوقت والجهد لسكان المدينة.
لكن فوائد النقل العام لا تتوقف عند حل الأزمات المرورية. فمن ناحية أخرى، له تأثير إيجابي كبير على البيئة. استخدام الحافلات أو القطارات يقلل من الانبعاثات الضارة الناتجة عن السيارات الخاصة، وهو ما يعزز من جودة الهواء في المدن ويساهم في الحفاظ على البيئة. المدن العراقية، التي تعاني بالفعل من تلوث الهواء وارتفاع درجات الحرارة، ستكون المستفيد الأكبر من تبني نظام نقل مستدام.
ومن منظور اقتصادي، إعادة تأهيل شركات النقل العام تفتح الباب أمام فرص جديدة للفرد والدولة. زيادة الاعتماد على وسائل النقل الجماعي ستخلق فرص عمل في مجالات متعددة، وستساهم في تعزيز دخل الأفراد. على مستوى الدولة، الاستثمار في هذا القطاع سيقلل من تكاليف صيانة الطرق واستهلاك الوقود، ويزيد من إيرادات النقل العام.
إن تحقيق هذا التحول يحتاج إلى استثمارات جدية في البنية التحتية، وشراكات بين القطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى حملات توعية تشجع الناس على تبني وسائل النقل الجماعي. بالنظر إلى المستقبل، يمكن أن يكون النقل العام في العراق بوابة ليس فقط لحل الأزمات المرورية، بل أيضًا لتعزيز التنمية الحضرية، وتحقيق النمو الاقتصادي، وتحسين جودة الحياة.