رغم ما سجلته شبكة السكك الحديدية في العراق من تاريخ إنجازي طويل، وما تتمتع به من موقع استراتيجي كان يشكّل شرياناً حيوياً يربط البلاد بدول الجوار والعالم، إلا أن هذا القطاع الحيوي يعاني اليوم تدهورا حادا نتيجة عقود من الإهمال وسوء التخطيط - وفقاً لتحذيرات أطلقها نواب واختصاصيون.
وتتعدد ملامح التراجع في سكك حديد العراق، وتمتد إلى تردي البنية التحتية وعدم تنظيم مسارات القطارات في مناطق عديدة. إذ تمر السكك في شوارع عامة وقرب مناطق سكنية لا تُحظى أحيانا بتنظيم مروري، ما يتسبب في حوادث اصطدام خطيرة بين القطارات والسيارات.
في المقابل، تؤكد وزارة النقل أنها بدأت فعلياً بتنفيذ حزمة من المشاريع لتأهيل الشبكة القائمة، وإطلاق خطوط جديدة ضمن "مشروع طريق التنمية" الذي يُعوّل عليه لإحداث نقلة نوعية في واقع النقل في البلاد.
إهمال طويل
كانت محطة بغداد العالمية للسكك الحديد في منطقة العلاوي، واحدة من المحطات الإقليمية البارزة في الماضي "لكنها أمست اليوم في حال مترد، نتيجة الإهمال الطويل وغياب التطوير" - حسب الخبير في مجال النقل باسل الخفاجي، الذي يوضح أن "شبكة القطارات العراقية كانت في ستينيات القرن الماضي ترتبط بموانئ الجنوب، كأم قصر والمعقل، وتمر عبر الناصرية والفرات الأوسط إلى بغداد، ومنها إلى بيجي والموصل، قبل أن تعبر إلى تركيا وتكمل طريقها إلى أوربا".
ويشير في حديث صحفي إلى ان "المسافرين العراقيين كانوا يصلون إلى تركيا عبر هذه الشبكة، ثم ينتقلون بعدها إلى القطارات الأوربية لاستكمال رحلاتهم".
ويتابع الخفاجي قوله: "أما الوضع الحالي، فهو لا يمت بصلة إلى ذلك الماضي المزدهر. إذ ان الخطوط لا تزال منذ أكثر من خمسة عقود كما هي دون تحديث، والقطارات لم تعد تصل إلى بعض المحطات الرئيسة مثل محطة بيجي. فيما تستغرق رحلة بغداد – البصرة أكثر من 12 ساعة، في وقت تقطع فيه القطارات الحديثة حول العالم المسافة نفسها خلال ساعتين ونصف فقط".
ويلفت إلى ان "المشكلة لا تتعلق بالإمكانات فقط، بل بغياب الرؤية في وزارة النقل، وتراكم الأخطاء الإدارية والتخطيطية، ما تسبب في زيادة الزخم المروري داخل المدن وأضعف جدوى قطاع النقل الجماعي الذي كان يمكن أن يُصبح بديلاً ناجحاً".
وعود غير منفذة
من جهتها، تطرح لجنة النقل البرلمانية موفقاً مشابهاً لموقف باسل الخفاجي، معربة عن اسفها لما وصفتها بـ "الوعود غير المنفذة" التي أطلقتها الحكومة الحالية بشأن تطوير السكك الحديدية.
يقول عضو اللجنة عقيل الفتلاوي في حديث صحفي، أن "الحكومة أبدت اهتماماً أولياً بالمشاريع الاستراتيجية في هذا القطاع عند بداية تسلمها المسؤولية، لكنها لم تترجم ذلك إلى خطوات تنفيذية على أرض الواقع"، مضيفا القول أن "بعض المشاريع التي طُرحت كانت قادرة على إحداث تحول كبير، مثل مشروع سكة حديد كربلاء – النجف، الذي يخدم ملايين الزائرين سنوياً، إضافة إلى تأهيل الخطوط الرابطة بين بغداد وبقية المحافظات".
ويستدرك "لكن هذه المشاريع تم تجاوزها لصالح مشاريع أخرى ذات طابع انتخابي تنتهي عادة قبيل موعد الانتخابات، مثل تشييد بعض الجسور" - على حد تعبيره.
ويتابع الفتلاوي حديثه قائلا أن "تلكؤ الحكومة في المضي بمشاريع السكك يُعد إخفاقاً استراتيجياً"، محملاً إياها "مسؤولية ضياع فرص كانت كفيلة بتحسين قطاع النقل وتخفيف الضغط على الطرق وتقديم خدمة أفضل للمواطنين".
النقل تتحدث عن "سلسلة من المشاريع"
إلى ذلك، تؤكد وزارة النقل أنها لم تقف مكتوفة الأيدي، بل بدأت بالفعل في تنفيذ سلسلة من المشاريع التي تستهدف معالجة المشكلات المتراكمة في شبكة السكك الحديدية، وفي مقدمتها "مشروع طريق التنمية" الاستراتيجي، الذي يُعد حجر الزاوية في خطط الوزارة المستقبلية.
يقول المتحدث باسم الوزارة ميثم الصافي ان "المشروع يهدف إلى تحديث البنية التحتية المتهالكة وتجاوز التحديات المزمنة مثل التجاوزات على المسارات، داخل المدن وخارجها".
ويوضح في حديث صحفي أن "الوزارة تمكنت خلال الفترة الماضية من إعادة تشغيل 12 خطاً حديدياً في مناطق الوسط والجنوب والشمال، خصوصاً في المناطق التي تعرضت لتدمير أو إهمال بفعل الحروب والعمليات الإرهابية".
ومن أبرز هذه الخطوط – وفقا للصافي: بغداد – الفلوجة، الفلوجة – الأنبار، بغداد – صلاح الدين، صلاح الدين – تكريت، بغداد – المسيب، إضافة إلى خطوط خاصة بالموانئ، مثل ميناء أم قصر.
ويشير إلى أن الحكومة دخلت في مفاوضات مع البنك الدولي لإعادة تأهيل الخط القديم الممتد من البصرة إلى بغداد إلى الموصل، ومن ثم إلى الحدود التركية، ضمن المرحلة الأولى من مشروع طريق التنمية. فيما يلفت إلى ان هناك مشاريع استراتيجية أخرى قيد التنفيذ، أبرزها مشروع البصرة – الشلامجة بطول 36 كيلومترا، والذي يربط العراق بإيران "حيث تم توقيع عقد تنفيذه مع شركة إيماثيا الإسبانية المتخصصة".
ويكشف الصافي عن مشروع آخر قيد الإعداد، وهو القطار المعلق بين كربلاء والنجف بطول 85 كيلومترا، والذي يهدف إلى خدمة الزائرين والمسافرين عبر منظومة نقل حديثة تتوافق مع المواصفات العالمية.
ويخلص إلى أن المرحلة الأولى من مشروع طريق التنمية من المتوقع أن تُنجز بحلول عام 2031، فيما تستمر حركة القطارات حالياً بشكل منتظم نحو مناطق الفرات الأوسط والجنوب، إضافة إلى تشغيل خطوط لنقل البضائع والطاقة إلى المحافظات الشمالية.