اخر الاخبار

مع اقتراب انطلاق العام الدراسي الجديد، لا تزال أزمة المدارس الكرفانية ونظام الدوام الثلاثي تلقي بظلالها على العملية التعليمية في العراق، لتصبح قضية يومية تؤثر على ملايين الطلاب والمعلمين في مختلف المحافظات. فبينما تصر مديريات التربية على استمرار العمل بمدارس الكرفانات كحل مؤقت، يؤكد تربويون ومعلمون أن هذه الحلول الترقيعية لم تعد قابلة للاستمرار، وأنها تضر بمستوى التحصيل الدراسي وصحة الطلاب والمعلمين على حد سواء. نشرت مديرية تربية واسط كتابا موجها إلى رئيس الوزراء من وزير التربية، جاء فيه: "نظرا لقرب بدء العام الدراسي وعدم وجود مدارس كافية لاستيعاب الطلبة، فإننا مجبرون على تطبيق نظام الدوام الرباعي في أغلب المدارس، وهو ما يعرقل سير العملية التربوية." وطالب الكتاب بالموافقة على استمرار تشغيل المدارس الكرفانية مع توفير الوسائل اللازمة للوقاية من الحرائق، لضمان سلامة الطلبة والمعلمين.

وتواصل مراسل "طريق الشعب" مع وزارة التربية عبر متحدثها الرسمي للتأكد من صحة الكتاب، إلا أن الرد جاء بأنه "يجب التحقق منه". فيما أكدت مديرية تربية واسط صحة صدور الكتاب.

حلول "ترقيعية"

وتحدثت الناشطة التربوية هناء جبار عن واحدة من أبرز المشكلات التي ما زالت تعيق العملية التعليمية في العراق، والمتمثلة بانتشار المدارس الكرفانية.

تقول جبار لـ"طريق الشعب"، إن هذه المدارس لم تكن سوى حل مؤقت فرضته ظروف استثنائية، مثل موجات النزوح السكاني وزيادة أعداد الطلبة في بعض المناطق النائية أو المكتظة، ما دفع الجهات المسؤولة إلى اللجوء إليها كبديل لتخفيف الضغط عن المدارس التقليدية والتقليل من نظام الدوام الثلاثي. لكنها تشير بوضوح إلى أن هذا الحل المؤقت تحول مع مرور الوقت إلى واقع دائم “غير مقبول”، وبقيت الكرفانات قائمة دون وجود معالجة جذرية. وتضيف أن الكرفانات لا تصلح بأي شكل لتكون صفوفاً دراسية، فهي غير مؤهلة من الناحية الصحية أو التربوية، فضلاً عن المخاطر التي قد يتعرض لها الطلبة داخلها. فهذه الأبنية تفتقر إلى الشروط الأساسية للبيئة المدرسية السليمة: لا ساحة ملائمة، ولا مرافق خدمية كافية، وتعاني من أوضاع مرهقة في الصيف تحت الحرارة الشديدة، وفي الشتاء مع الأمطار والطين، ما يجعل دوام الطلبة والمعلمين فيها “معاناة يومية”.

وتلفت جبار إلى أن الإجراءات المتخذة حتى الآن لم تكن سوى "حلول ترقيعية"، فحتى عندما أزيلت بعض الكرفانات، عادت المدارس إلى نظام الدوام الثلاثي، ليبقى الطالب والمعلم في حلقة مفرغة من المشاكل نفسها. وترى أن ما يزيد من فداحة الموقف هو حجم الأموال التي تُنفق في مشاريع حكومية، لكنها لا تنعكس على إصلاح الواقع التعليمي، رغم أن التعليم يمثل “أبسط حقوق الإنسان”، وحق الطالب في الحصول على مدرسة ملائمة ومكان يليق بعملية التعلم.

وتابعت جبار بالقول إن استمرار هذا الوضع يمثل "مشكلة حقيقية" تهدد مستقبل الأجيال، مشددة على ضرورة إيجاد حلول جذرية تنهي معاناة الطلبة والكوادر التربوية، بدل الاكتفاء بالمسكنات المرحلية التي أثبتت فشلها

كارثة تربوية!

تقول التدريسية نور الخفاجي، إن استمرار المدارس الكرفانية في العراق "كارثة تربوية تهدد مستقبل الأجيال"، مؤكدة أنها لم تعد مجرد حل مؤقت، كما كان يُفترض عند إنشائها، بل تحولت إلى واقع دائم يكشف حجم الإهمال في ملف الأبنية المدرسية. وتوضح الخفاجي لـ"طريق الشعب"، أن الكرفانات التي تحتضن آلاف الطلبة في مختلف المحافظات "لا تصلح لتكون صفوفًا دراسية بأي شكل"، فهي تفتقر إلى أبسط المقومات التربوية. ففي الصيف ترتفع الحرارة داخلها إلى مستويات خانقة تجعل الطلبة يعجزون عن التركيز. أما في الشتاء فتغرق بالمطر والرطوبة والطين، وتتحول أرضيتها إلى مستنقع يعوق الحركة، فيما يعاني الأطفال من أمراض موسمية كالإنفلونزا والربو، نتيجة لسوء التهوية والبيئة غير الصحية.

وتشير إلى أن بعض هذه المدارس تقع في مناطق مكتظة، حيث يداوم الطلبة بنظام ثلاث وجبات يوميًا، بسبب ضيق المكان، ما يعني أن الطفل يتلقى ساعات دراسية أقل بكثير من المطلوب، وهو ما ينعكس على مستواه العلمي، ويزيد من نسب التسرب. وتضيف ان "أحد أبسط حقوق الطالب أن يجلس على مقعد مدرسي في صف ملائم، لكننا اليوم نشاهد أطفالًا يدرسون في صفوف من صفيح، بلا ساحة، بلا مكتبة، ولا حتى دورة مياه مؤهلة".

أما الكوادر التربوية، فتؤكد الخفاجي أنهم يواجهون ضغوطًا نفسية وجسدية كبيرة داخل هذه الأبنية، إذ يصعب عليهم إدارة الصف أو إيصال المعلومة في أجواء غير مهيأة، ما يفقد العملية التعليمية قيمتها الحقيقية.

وانتقدت الخفاجي "هدر الأموال الطائلة في مشاريع متلكئة وفاسدة"، في وقت لا يزال فيه ملف المدارس يعاني من عجز حاد، لافتة إلى أن "بقاء الكرفانات يعني أننا نُضيّع جيلًا كاملًا ونكرس الحرمان من حق أساسي نصت عليه المواثيق الدولية، وهو الحق في التعليم بمكان آمن وصحي".

ودعت في ختام تصريحها إلى وضع خطة وطنية عاجلة تتضمن بناء مدارس حديثة تستوعب الأعداد المتزايدة من الطلبة، وتوزيعها بعدالة بين المناطق المكتظة والنائية، مؤكدة أن "التعليم ليس ترفًا، بل أساس بناء المجتمع، وأي إهمال فيه سيترك أثرًا مدمرًا لعقود". وأكدت التربوية حياة كاظم، مديرة مدرسة سابقا، أن اعتماد العراق على المدارس الكرفانية، إلى جانب نظام الدوام الثلاثي، يمثل السبب الرئيس لفشل العملية التعليمية، مؤكدة أن هذه المشكلات تؤثر سلباً على الطلاب والمعلمين على حد سواء.

وقالت كاظم لـ"طريق الشعب"، إن العراق يواجه قيوداً مالية تمنع بناء مدارس خاصة ومستدامة، رغم أن ميزانية الدولة تسمح بصرف الأموال على مجالات أخرى مثل الرواتب العالية للنواب أو التبرعات الخارجية، بينما يظل التعليم ليس أولوية أساسية لدى صناع القرار. وأضافت ان "الحياة تبدأ بالعلم، وإذا لم نركز على التعليم فلن نتمكن من إعداد موظفين قادرين على خدمة البلد".

وأوضحت أن ما يُسمى بالصرف على الأبنية المدرسية غالباً ما يكون وهمياً، حيث يتم تسجيل مبالغ كبيرة على مشاريع لا تتوافق مع الواقع على الأرض، مثل مرافق صحية صغيرة أو كرفانات متهالكة.

 وأشارت كاظم إلى أن المشاريع الكرفانية تُسهم في إضعاف التحصيل الدراسي للطلاب بسبب سوء البيئة التعليمية، وعدم ملاءمة الكرفانات لاستيعاب عدد الطلبة الكبير، إذ تصل أعدادهم إلى سبعين طالباً في القاعة الواحدة في بعض المدارس.

كما نبّهت إلى مشكلة المدارس المتروكة، مؤكدة أن هناك مباني أنشئت قبل عشرات السنين وتم دفع ميزانياتها لمهندسين ومقاولين، لكنها لا تزال غير مستغلة بسبب سوء الإدارة أو اختفاء الأموال، مؤكدة أن هذا الوضع يعكس فوضى كبيرة في إدارة الموارد التعليمية.

وبالنسبة للخطورة، أوضحت أن الكرفانات، حتى لو كانت مزودة بالكهرباء، فانها غير مناسبة للتعليم، إذ غالباً ما تكون متآكلة، وغير آمنة، وبيئتها لا تساعد الطلبة على التركيز، ما ينعكس سلباً على التحصيل الدراسي ومستوى التعليم بشكل عام. واختتمت بالقول: إن التخلص من المدارس الكرفانية ونظام الدوام الثلاثي يمثل خطوة أساسية لتحسين التعليم، مؤكدة أن الحلول تبدأ من جعل التعليم أولوية حقيقية في توزيع الميزانية ومراقبة المشاريع المدرسية لضمان جودة التعليم وحقوق الطلاب والمعلمين.

نقص في المناهج والكوادر

وتحدث الأستاذ محمد الصفار، مدرس أقدم، عن التحديات الكبيرة التي يواجهها النظام التعليمي في العراق، مؤكداً أن النقص في المدارس والمواد العلمية أثر بشكل مباشر على جودة التعليم ومستوى الطلاب، خاصة في مراحل البكالوريا. وأشار الصفار في تعليق لـ"طريق الشعب"، إلى أن "عملية بناء المدارس الجديدة تسير ببطء شديد، وأن العمل غالباً ما يتم خلال العطلة الصيفية، ما يؤدي إلى تأخر الاستفادة من الأبنية الجديدة. وأضاف: "لقد عانينا من نظام الدوام الثلاثي لمدارس المتوسطة والإعدادية لمدة سنتين، وهو ما أثر على مستوى الطلاب بسبب قلة وقت الحصص الدراسية".وأوضح أن هذا الوضع يجعل نظام التعليم أقل كفاءة مقارنة بالدول المتقدمة، ويؤدي إلى تدني مستويات الطلاب وارتفاع معدلات الرسوب. وأكد الصفار أن المشكلة لا تتعلق فقط بالأبنية، بل تشمل نقصاً شديداً في اختصاصات المواد العلمية، مثل الفيزياء والأحياء والرياضيات واللغة الإنجليزية، ما يحد من قدرة المدارس على تقديم تعليم فعال ومتكامل. وأضاف انه "حتى لو تم توفير الأبنية الحديثة والمختبرات، فإن نقص الكادر والمناهج الدراسية، يجعل هذه الجهود بلا جدوى".

وتساءل الصفار: "لا أعرف لماذا لا ينقل مدراء مديريات التربية في بغداد هذه المشكلة الكبيرة إلى صانع القرار، فهي أهم من الأبنية المدرسية نفسها؟".