اخر الاخبار

لا يصح القول بالمطلق إن التجديد والتحديث في الشعر الشعبي العراقي ، قد أُختزل في تجربة الشاعر الكبير مظفر النواب رغم الريادة في هذه التجربة. النواب صاحب السبق الأول ، لا شك في ذلك، هذا السبق الذي اكتشف الطاقة الايحائية الكامنة في المفردات الشعبية ،وتشكيل البناء الصّوري غير المسبوق، وجماليات استخدام الرمز والموضوعات الجديدة ،وقد حصل كل هذا بقوّة انتباه وبراعة الإلتفات إلى ما جاءت به تجربة التحديث في الشعر العراقي في نهاية الأربعينيات ، إضافة إلى موهبتة العالية وثقافته وتفاعله السياسي الثوري .

تجربة النواب اثّرت بوضوح في مسار الشعر الشعبي العراقي، وأصبح تقليد نمطه ظاهرة استمرت طويلاً ، غير انَّ ثمّة شعراء مثقفين حاولوا الافلات من هيمنة اللون النوابي مبكراً ،بعد الاطمئنان بأنَّ هذا اللون رغم جدّته وحداثته ، إلا انه يحمل رجحاناً رومانسياً طاغياً ،مقتصراً على موضوعات الغزل والسياسة بدلالات واقعية . ومن بين هؤلاء الشعراء ، الشاعر كريم محمد. كتب هذا الشاعر قصائد شعبية ذات منحىً فكري وثقافي فلسفي، وبلغة تميل إلى الفصاحة والمدينية ، متفاعلاً مع تحولات الشعر العربي والعالمي، محققاً بذلك أشكالاً جديدة على القصيدة الشعبية( البناء المركّب، التنويع المقطعي بالأرقام أو العناوين الفرعية ، الحوار، الإيقاعات المتداخلة، الجُمل الطويلة، التقفية الداخلية والخارجية) ،وقد سجّلت تلك القصائد حضورها وانتشارها منذ الستينيات والسبعينيات على مقربة من سطوة اللون النوابي ، وأشارت إلى أنّه شاعر شعبي مجدد آخر ( الطوفان ،صحوة حلم، اسفار، سونغ ماي، مواسم حزن، شجرة الاسماء والفصول، القصيدة، مرثية للآخرين، المغنّي ، الحكاية الثالثة ،وغيرها). إلا ان الشاعر تأخر كثيراً في اصدار مجموعة شعرية ،ولم تكن له سوى مشاركة في مجموعة (قصائد للمعركة) المشتركة مع شعراء من جيله عام 67،وقد كانت قصيدته فيها (صحوة حلم) من أهم وأحدث قصائد تلك المجموعة . كما أنَّ أسباباً داخلية وخارجية قد حالت من استمرار الشاعر بمشروعه التجديدي، من بينها : الإنشغال  في اكمال دراسته الاكاديمية العليا، هاجس الهم الوظيفي وقد اصبح مديراً  عاماً في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ،الوقوع في الأسر الطويل في سنوات الحرب العراقية الايرانية ، العمل في قسم الدراسات الاجتماعية / بيت الحكمة بعد عودته من الأسر وحصوله على الدكتوراه ، التعارضات الحياتية الاُسرية، رحيله الصادم . كل هذه المصادفات ، إضافة إلى خفوت حماسه الشعري بعد انغماره في البحوث الاجتماعية، قد ساهمت في عدم استمرار شيوع اسمه كشاعر شعبي مجدد ، بعد أن كان هكذا في سنوات تدفقه الأُولى المشتعلة شعراً وانحيازاً روحياً وفنياً وضروراتٍ في الجمال، جمال التجديد في الشعر الشعبي العراقي :

*.. بينك او بيني

وكت متعوب

يثكَل عالضوه المحفور بعيوني سمايه

ايسوّي كل العمر لحظة شوكَ

 تتغاوه ابوجه كل نثيّه تعبر عالمسافه ،

اليفرش اذراعي حلمها .

ياخيال ايوطّن الوحشه على افراش السفر:

جفّين واتفرّج على اسرار النثايه..؟

بينك او بيني جسر والماي

لا شاطي اليردّه ، او لاني مشحوف إو ارد للعين

بينك او بيني..فرح بذره او صُبخ جتّال.....

صارت اعيوني ألف شبّاج

والظلمه تراجي..،او جفّي تركَص عاللهب مفتاح.

كريم محمد شاعر مجدد ، اختطفت امضاءه الشعري التعارضات الحياتية : الهاجس الأكاديمي  والهم الوظيفي ، أقفاص الأسر ، الشحوب الاجتماعي ، الرحيل إلى يقين الموت ،  إلّا أن َّ امضاءه التجديدي يشاكس الزوال...

عرض مقالات: